هل الفرحُ بالانتصارات الرياضية حكرٌ على الإنسان الغربي دون غيره؟

هل الفرحُ بالانتصارات الرياضية حكرٌ على الإنسان الغربي دون غيره؟

عبد السلام بنعيسي

يثير الإنجازُ الذي حققه المنتخب المغربي لكرة القدم في مونديال دورة قطر الراهنة، وحالة الفرح والبهجة التي صاحبته جدلا في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة الورقية والإلكترونية، فإذا كانت الغالبية العظمى من مواطني العالم العربي والإسلامي ترحب بهذا الإنجاز وتفرح وتسعد به، فإننا نجد العديدين يريدون التهوين مما حققه المنتخب المغربي ويقللون من شأنه، ويستهجنون الاحتفال به، ويعود السبب، في تبخيس هذا الإنجاز، إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يعيشه المغرب، بالقياس مع الدول التي فاز عليها في المباريات التي لعبها ضدها، سواء كانت هذه الدول، بلجيكا، أو كندا، أو إسبانيا.

بالنسبة لأصحاب هذا الرأي، المغرب واحدٌ من بلدان عالم الجنوب، والفقرُ منتشرٌ فيه، وكذلك الفساد، وأنه يعاني من تدني مستوى التعليم والصحة بين أبنائه، ويشتكي من عجزٍ في مجال السكن لدى مواطنيه، وأن البحث العلمي مفتقر في جامعاته، وهو مجتمع غير صناعي، والدخل الفردي لدى مواطنه هزيل، بالقياس لدخول مواطني الدول المتقدمة التي فاز عليها، ونتيجة لذلك، فإن  كل الإنجازٍ الذي حققه في المونديال، إنجازٌ لا أهمية له، والشعورُ بالبهجة والفرح جراء الانتصارات التي أحرزها المنتخب المغربي، شعورٌ زائف، لأن البلد لا يملك سندا اقتصاديا وتنمويا يتكئ عليه، ليبرر، بناء عليه، فرحه، ويجعله مقبولا ومباحا…

أصحاب هذا الرأي لهم كل الاحترام، لكن رأيهم قابلٌ بدوره للنقاش، ويستحق أن يكون موضوعا للرد. كل إنجازٍ يحققه إنسان العالم العربي يتعين أن يكون موضع تقدير وترحيب في محيطه العربي، فسواء كان الإنجاز في المجال الرياضي، أو العلمي، أو الفني، أو الإعلامي، أو الصناعي، ينبغي علينا التنويه به، من باب الاعتراف لصاحبه بالجهد الذي بدله من أجل إدراكه، ولدفعه وغيره، للاجتهاد في كافة المجالات لتحقيق الإنجازات تلو الإنجازات، ولجعلها تتوافر وتتراكم، وكل إنجازٍ يتحقق يتعين أن يكون حجة لدينا على أن بالإمكان تحقيق إنجازات متواصلة، وأن نكافح من أجل إزاحة العراقيل التي تحول دوننا، وتحقيق الإنجازات التي نصبو إليها.

إذا حققنا إنجازا في المجال الرياضي، وبادرنا إلى التقليل من أهميته، وهاجمنا أصحابه، ألا نكون كمن يغلق أبواب الاجتهاد في وجوهنا على كافة الأصعدة والمستويات، وأننا نمارس بذلك القمع على أنفسنا، ونقوم بتطويق ذواتنا ومنعها من الكدِّ والبذل والاجتهاد، لتحقيق إنجازات متنوعة، في مختلف المجالات؟ فحين نقابل من يحقق الإنجاز بالنكران والجحود، ألا نكرِّسُ بذلك الكسل، والخمول، والشعور بالدونية والعجز؟ وهل بهذا الأسلوب في التعامل، مع بعضنا البعض، سننتقل من وضعنا التنموي الفاشل حاليا، إلى وضع أفضل وأرقى؟ هل تعميم الشعور بالإحباط عند كل عربي يحقق إنجازا ما، يفيد العرب في شيء ما؟؟؟

الذين يستغربون من الشعور بالفرح لدى الإنسان العربي نتيجة للانتصارات التي حققها المنتخب المغربي، والمنتخبات العربية الأخرى، ينسون أن الفرح شعورٌ متماه مع الإنسان، وأنه إحساسٌ يلازمه، كما تلازمه باقي الأحاسيس الأخرى، من حزنٍ، وألم، واكتئاب، وأن هذا الشعور غير إرادي، فالمرء لا يتحكم فيه ويقرره بنفسه، وغير متصل بالحالة المادية للإنسان، فالفقير يفرح، والبئيس يضحك، وحتى الإنسان الذي يكون معتقلا في الزنازين المظلمة والباردة، ويتعرض لكل أشكال القهر والتعذيب، يبحث لنفسه، عن لحظة ضحك وفرح، ويجدها في ظروفه القاسية تلك، ليُروِّح بها عن نفسه.

 ليس الحق في الشعور بالفرح في الانتصارات الرياضية حكرا فقط على الإنسان الغربي الذي حقق التنمية والإقلاع الاقتصادي، إنه إحساس مشترك لدى كل الناس، على اختلاف مستوياتهم التنموية، فحتى الإنسان الذي يعيش في الدول الصناعية المتطورة ليست حياته كلها أفراحا، فهو أيضا يشعر بالأحزان، وهو أيضا لديه مشاكله التي ترهقه في حياته اليومية، وفي عالمه الصناعي، ولكنه مع ذلك يغتنم فرصة انتصار فريقه الوطني في كرة القدم،  فنجده يقفز فرحا وبهجة بالانتصار الذي يتحقق، وهو أيضا نراه يتألم ويذرف الدموع عندما لا يفوز فريقه، ولو كانت التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي تضمنان الفرح السرمدي، والانتصارات الرياضية وهمية وكاذبة، ولا أهمية لها، لما رأينا الدموع الحارة تنهمر من عيون لاعبين وجماهير لمنتخبات لدول غاية في التقدم التقني والصناعي، عقب كل هزيمة يتلقونها..

الذين يريدون مصادرة فرح إنسان العالم العربي بالانتصارات التي حققها منتخب المغرب، لأن المغرب ليس بلدا صناعيا، ولأن فيه أزمة معيشية، كأنهم يريدون أن ينزعوا عن الإنسان المغربي والعربي حقه في الفرح، وفي الضحك، والابتسام، وكأنهم يريدون منعه من تناقل النكث، ومن مشاهدة المسرحيات، والأعمال الفنية الترفيهية الساخرة، إنهم يريدون أن يجعلوا من حياته، حياةً متجهمة سوداء كئيبة، لا أثر فيها للفرح، وللضحك، وللبهجة، وللاستمتاع، ما دام إنسانا من عالم الجنوب، وهذا أمرٌ غير معقول وغير ممكن.

 الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال، ويَقتلُ الصهاينةُ المجرمون يوميا العديد من أبنائه، ويرتكبون ضدهم المذابح والمجازر، ولكن مع ذلك وجدنا هذا الشعب المظلوم الأبي، يهلل ويصفق ويغني للانتصارات التي حققها شقيقه المنتخب المغربي ويعتزُّ بها في غزة المحاصرة، لقد كان يستمتع بفرحه بتلكم الانتصارات، ويفهمها في بعدها الرمزي والمادي..

لقد كانت دورة كأس العالم لكرة القدم المقامة في قطر مدعاة للفرح بالنسبة لأبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، فلقد أقيم المونديال في بلد عربي وكان ناجحا،  وحققت فيه المنتخبات العربية انتصارات مهمة، سواء المنتخب التونسي على نظيره الفرنسي، أو السعودي على الأرجنتين، بالإضافة للانتصارات التي حققها المنتخب المغربي، ومع ذلك، لم تله هذه الدورة الشباب العربي عن قضاياهم الأساسية، فلقد مثلت دورة قطر بالنسبة لهذا الشباب، فرصة أبانوا فيها للعالم أجمع أنهم أمة واحدة، لها ذات المشاعر والأحاسيس، وأنها تفرح لانتصار أي بلدٍ منها، وتحزن وتتأسى لانكسار أي بلدٍ عربي آخر.

لقد شُنت على دول العالم العربي حروبٌ ظالمة، وتم تسليط فتن عليه، وطال التدمير الشامل جزءا واسعا من الخريطة العربية، وتمَّ زرع الحركات العرقية، والانفصالية، والشعوبية، في كافة ربوع الوطن العربي، وأنفقت الأموال الطائلة للنفخ في هذه الحركات، من أجل إثارة الفتن بين العرب والمكونات الهوياتية التي يعيشون معها، وطبلوا زمروا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وكان الغرض من ذلك القضاء على فكرة العروبة، واجتثاثها من وجدان أبناء الأمة، وضرب الإسلام معها، وتهميش قضية الشعب الفلسطيني لدمج الدول العبرية في المنطقة بدلا عنه…

  لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وأبان الحضور الجماهيري العربي في ميادين كرة القدم بقطر، والتشجيعات التي كانت تنهال من جميع جهات العالم العربي على المنتخبات العربية المشاركة في المونديال والتعاطف مع انتصاراتها، أن أبناء الأمة العربية لا يزالون يشعرون بانتمائهم لجسدهم الواحد، ولا يزالون متمسكين بعروبتهم، ومتشبثين بدينهم الإسلامي، في احترام تام لأشقائهم المسيحيين، وأنهم يسجدون حمدا وشكرا لله، عقب تسجيلهم للأهداف في شباك الخصوم.

وكانت الصورة التي اختتم بها المنتخب المغربي مشوار المرور إلى دور الربع، في لقطة لكافة عناصره مع العلم الفلسطيني، وأيضا حملُ الجماهير العربية الأعلام الفلسطينية في المدرجات طوال المباريات، والهتافات باسم فلسطين، إعلانا لا لبس فيه، على أن الشباب العربي لا يزال متمسكا بعروبته، ويسعى لوحدة أمته، وأن فلسطين هي القضية التي يجمع هذا الشباب على التمسك بنصرتها، لأنه يدرك أن تحريرها من الكيان الصهيوني الغاصب هو المقدمة الضرورية لتحرير الوطن العربي بأسره، وهو السبيل الذي لا مناص من سلكه، صوب وحدة العرب، وتحقيق سيادتهم على أرضهم وثرواتهم،  لاستثمارها بما يحقق تنميتهم، وتقدمهم، وازدهارهم. ولعل هذه هي العبرة التي يتعين استخلاصها من دورة كأس العالم لكرة القدم المنظمة حاليا في قطر.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة