مباراة المغرب – فرنسا.. مجرد رغبة تختلط فيها الأمور
عبد الرحمان الغندور
تمنيت لو كان حظ المغرب في نصف نهاية هذا المونديال مع أي فريق غير غير فرنسا. وذلك لأسباب معقدة في بساطتها، وبسيطة في تعقيدها.
وتبدو بساطة الأمر في أن الأمر ليس أكثر من “مقابلة في لعبة” تجمع بين بلدين، وتنتهي برابح وخاسر. ليصبح كل شيء ذكرى في تاريخ اللعبة والمونديال. لكن هذه البساطة السطحية تخفي تحتها تعقيدات تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بين هاذين البلدين المتقابلين، تفرض نفسها بكل ثقلها على العقل والوجدان والفكر والعاطفة والثقافة، في جوانبها الواعية واللاواعية، ولا تسمح لك أن تتعامل مع الأمر في إطار ملعب لكرة القدم بين 22 لاعب يتقاذفون كرة منفوخة بالهواء، وتنتهي بفوز من لعب أحسن، أو حالفه الحظ.
الفريق الوطني لكرة القدم، بما حققه من إنجازات في هذا المونديال، وما أدخله من فرحة وحدت المغاربة بكل أطيافهم وشرائحهم وأعمارهم وثقافاتهم وأعراقهم ولغاتهم وألوانهم، في ساحات الفرح داخل المغرب وخارجه…هذا الفريق بما حققه من إنجاز تاريخي، سيواجه الفريق الفرنسي، الذي يمثل دولة لا يمكنني أبدا أن أتجاوز أو أتناسى أو أغض الطرف مهما حاولت، عن أنها الدولة التي استعمرت بلادي وقهرت وشردت وقمعت مواطنيه، واستولت على خيراته، وهيمنت على سياسته واقتصاده وثقافته حتى بعد نهاية المرحلة الاستعمارية، ولا زالت تمارس عليه التعالي والاستئساد والتنمر والعنصرية، حتى بعد أن اصبح المغرب بلدا يملك سيادته في شكلها القانوني الدولي…
لا يمكنني أن أفكر في مقابلة لكرة القدم، مع فرنسا بالذات، بعقلية كروية محضة، محصورة داخل المستطيل الأخضر، تبدأ وتنتهي بصفارة الحكم. أجدني بالرغم عني، تحت هوس قهري، يفرض علي سطوة استحضار فرنسا المستعمرة المستبدة والمسيطرة والمتغطرسة والعنصرية.
ويزيد من شراسة هذا الاستحضار القهري لـ “ماما فرنسا” أنها لا زالت إلى اليوم جزء من المشاكل السياسية والاقتصادية والثقافية التي يعاني منها المغرب بسبب عوامل التبعية التي لا زالت تتحكم في خيوطها ومسالكها.
لهذه الاعتبارات الذاتية والشخصية، تصبح رغبتي في انتصار فريقنا الوطني على الفريق الفرنسي، أكثر قوة وجموحا، من كل الانتصارات التي حققها وتولّدت لدي هذه الرغبة الجامحة في هزم المنتخب الفرنسي، لما وصلني من صديقي مصطفى ملكو عن ما سمعه هذا الصباح من خطاب كلّه غرور وغطرسة و تعالي و ازدراء وعنصرية حيال مزدوجي الجنسية doubles-nationaux من اللاعبين الّذين انحازوا للدفاع على راية بلدهم الأصلي ـ المغرب ـــ في المونديال.
إنّ انتصارنا على فرنسا – الكُرة، أعتبره هزما للنزعة العنصرية التفوّقية Suprémaciste لفرنسا ــ الثقافة على الأقل.
أدرك جيدا، أن الكثيرين، سيقولون انني أخلط بين الرياضة والسياسة والاقتصاد والثقافة… وأن الأمر لا يتعدى كونه “لعبة “محدودة في الزمان والمكان. وأن الحس الثقافي يستدعي مني الموضوعية والتمييز والفصل بين الميادين والمجالات. وأنا لا أخالفهم الرأي. لكن الأسباب النفسية والعقلية والثقافية التي سردت بعضها قد تغفر لي هذا الموقف الذي قد يبدو نوعا من “الوطنية الخالطة والمختلطة والمخلوطة “
معتذرا في نفس الوقت لصديقاتي وأصدقائي الفرنسيين، الذين يعرفون جيدا موقفي القديم والدائم من “غطرسة دولتهم الفرنسية”، وأن مضمون هذه التدوينة سياسي أكثر منه كروي، يبحث عن انتصار في ملعب الكرة، قد تكون له آثار على ملعب السياسة والاقتصاد والثقافة.
“وهادشي لي عطا الله ومن غيرو كذاب”…