لما أغضبت الصحافة المغربية سيدة الطرب العربي

لما أغضبت الصحافة المغربية سيدة الطرب العربي

الراحل الحسن الثاني لدى استقباله لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب بالقصر الملكي بالرباط

 

عبد السلام البوسرغيني

  حكى لي صديقي المرحوم محمد الطنجاوي، الذي كانت قد أسندت اليه مهمة مرافقة المرحوم الموسيقار محمد عبد الوهاب ضيف المغفور له الحسن الثاني رحمه الله، حكى لي أنه نشر في جريدة “الأنباء” ما يفيد  بأن  صوت أم كلثوم فقد بعضا من روعته. كان هذا الرأي قد عبر عنه الاستا ذ عبد الوهاب  في جلسة خاصة، ولَم يكن يعتقد أنه سينشر، ولذلك عبر للأخ الطنجاوي عن انزعاجه  لكون أم كلثوم، كما يعرف ذلك، لها حساسية كبيرة فيما يتعلق بحياتها الفنية.

   حدث ذلك سنة 1971، ولما تذكرت هذه القصة عادت بي الذكريات إلى قصة أخرى تتعلق أيضا بام كلثوم. إذ في أوائل الستينيات كانت هذه المطربة، التي غمرت شهرتها الآفاق، قد تراجعت عن قدومها إلى المغرب لتحيي ثلاث حفلات في الدار البيضاء، طبقأ  لعقد أبرمته مع رجل الأعمال المغربي المرحوم حسن برادة، الذي كان مولعا بالفن وصديقا للفنانين، مثلما كان بارعا في صناعة “الخميرة الجبلية” التي اغتنى منها كما اغتنى من تنظيمه للحفلات.

     فما هو السبب الذي دفع أم كلثوم لتعلن عن زهدها في القدوم إلى المغرب لإرواء شغف المغاربة بفنها الرفيع؟ وما هي صلتي بهذا الحدث؟

    في إحدى لقاءاتي  بمدير أحد الأبناك، الذي تجمعني به علاقة عائلية، علمت أن البنك مكلف بالإشراف على تنفيذ العقد المبرم مع أم كلثوم، وعلمت أيضا أنها اشترطت أن تتسلم تعويضاتها  بالعملة الصعپة. ولما تقدم البنك بطلب الترخيص من مكتب الصرف امتنع المسؤولون عن إعطائها، بحكم كون المغرب كان يتوفر على رصيد من المال جمع من تبرعات إخواننا المصريين تضامنا مع منكوبي زلزال أكادير، ورأوا أنها فرصة لتصريف تلك الأموال في مصر ما دامت أم كلثوم مصرية.

الأصدقاء الصحفيون عبد السلام البوسرغيني ومحمد الطنجاوي ومحمد أديب السلاوي مع الفنانة التشكيلية لطيفة التيجاني بالرباط (سبتمبر 2014)
الأصدقاء الصحفيون عبد السلام البوسرغيني ومحمد الطنجاوي ومحمد أديب السلاوي مع الفنانة التشكيلية لطيفة التيجاني بالرباط (سبتمبر 2014)

  التقطتُ الخبر كصحفي وقدمته ضمن عمود “الكواليس” في جريدة  “التحرير” الذائعة الصيت. ونظرًا لشدة حساسية المرحومة أم كلثوم ولاعتدادها بشخصيتها اعتبرت  الخبر المنشور مسا بكرامتها فاعتذرت عن تنفيذ ما تعاقدت عليه بدعوى المرض، كما تسمح لها بذلك بنود العقد.

  وسرعان ما توجه المرحوم حسن برادة إلى القاهرة فأطلعته أم كلثوم على ما كتبته جريدة “التحرير”، فبدأ يبحث عمن نشر الخبر.

    ظل المرحوم حسن برادة الذي كانت لي معه صداقة بحكم انتمائنا معا لمدينة مراكش. ظل كلما التقيته عند المرحوم عبد الجليل بنكيران الذي  كان بيته “وكرا” للفنانين وللاُدباء  والمثقفين، بل وحتى الحشاشين، ليس بالمعنى القدحي،  ظل المرحوم برادة يعاتبني لأنني حرمته من ستين مليون (بقيمة ذلك الوقت)، كان سيكسبها بالتأكيد من حفلات سيدة الطرب العربي.

      ومضت  سنوات كثيرة على هذا الحدث لتحل أم كلثوم بالمغرب ضيفة على الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، هي والأستاذ محمد عبد الوهاب والأستاذ فريد الأطرش والعندليب عبد الحليم حافظ، وتكرم إلى جانب هؤلاء العباقرة التكريم اللائق بهم، بما أنساها ولا شك ما اعتبرته مساسا بكرامتها .

<

p style=”text-align: justify;”>         وتمضي السنون وتتعاقب الأجيال وتبقى الكرامة وعزة النفس متوفرة لمن يعرف  كيف يحافظ عليها في صمت .

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام البوسرغيني

صحفي وكاتب مغربي