عبد الله العروي بين التكريم والتجاهل
أفق : يكتبه صدوق نورالدين
1/
كتب الدكتور عبد الله العروي روايته النواة “الغربة” في (1971). ومن قبل نصه المسرحي “رجل الذكرى” الذي رفض نشره حينها في مجلة “دعوة الحق”، ليتحقق في مجلة “أقلام” المغربية المأسوف عليها، من طرف القاص محمد إبراهيم بوعلو. كتبها و قد يكون أدرك لعمق تفكيره، أو أن التأويل يأخذ منحاه، بأن مصائر المثقف في البلد السعيد لا يمكن أن تنتهي سوى إلى الغربة، وبخاصة لما يكون التوجه المرتسم مغايرا أو بالمعنى الأوضح مضادا، و إلا فـ(من) ينزع للتعبير في مغرب الأمس واليوم فكرا وإبداعا إن لم يكن التفكير المضاد المعارض للخطط الرسمية التي تروم إفراغ المسألة الثقافية من محتواها الدال والعميق.
2/
بيد أن ما طبع/ يطبع مسار الدكتور عبد الله العروي في الفكر والإبداع: الاستمرارية في العطاء وعلى الإنتاج. هذه التي لم تستطع نخبة من المثقفين المغاربة ملاحقتها و مواكبتها ، وإلا فكيف يتأتى لكتابات متأخرة في صحف عربية، ولمناسبة تكريم مستحق ولئن جاء متأخرا، نشر معلومات خاطئة جملة وتفصيلا، إذ لو قيض قراءة ما كتبه العروي في “خواطر الصباح” فقط لاتضح بأن جملة من المعطيات المدونة يجدر تصحيحها. والواقع أن الاستمرارية وليدة فكرة المشاريع التي تعد منهجا يعكس النقلة والتحول من تصور إلى آخر ، ولئن كان الناظم الأساس الحداثة ، العقلانية والنزوع إلى التقدم.
3/
والواقع أن الاستمرارية إلى التصور المنهجي المعتمد، أفضيا إلى التنويع في الكتابة وعلى الإنتاج. هذا التنويع الذي يعكس صورة عن مثقف كان ولما يعد. إنه المثقف الموسوعي المنفتح على تكامل المعارف والحقول، حيث يتضح بأن مفهوم الثقافة لا ينحصر _ كما اليوم _ في الخبرة الدقيقة المحددة في مجال بذاته، وإنما التي تشمل المعرفة المؤسسة على معطى التاريخ كقاعدة نواة وأساس لإعمال النظر والتفكير.. ومن ثم ، فإن ما خاض فيه الدكتور عبد الله العروي بالبحث والتمحيص موضوعا ووصفا، لا يمكن تجاوزه فهما وتأويلا، وإنما يظل صورة عن ثابت فكري يتجدد بالنظر والقراءة والـتأويل السليم وليس المغرض. وهو ما يوضح بأن قوة المنطلقات وعمق التفكير فيها، تمتلك خاصات مسايرتها لما يمكن عده أو اعتباره تحولات ، ولئن مثلت في العمق تحولات إعاقة. وهذا يجعل في الجوهر التفكير شبه متقدم عن واقع يوهم بالتحديث وليس الحداثة، فيما يغرق في التقليدانية إذا حق.
فالمغرب اليوم لمن ينظر إليه من بعيد، وبالتالي يتلقى خطابات عنه، يظن أنه يحوز وضعا جد متقدم عن بقية الدول (أو الأشباه)، فيما تعد قضاياه ومشاكله الدليل عن تخلف لا أحد يعرف سبيل الانعتاق منه.
4/
لقد اعتبر الدكتور عبد الله العروي وبناء على التراكم المتحقق، شخصية العام الثقافية. هذا التكريم المحظى به من دولة “الإمارات” ، إلى الاحتفاء بالتفكير العقلاني الجامع كما تمثل في مساءلة د. العروي” عبر أكثر من منبر ، لم يحرك في أهل البلد السعيد أية مبادرة أو خطوة لرد الاعتراف لمن ظل شبه “مغترب” عن وسط ينتمي إليه. ذلك أن “صناعة التجاهل” أقوى ما يحذقه التوجه الرسمي سياسة وثقافة. فكأن الرجل، هذا المثقف بما راكمه من منجز قوي لا ينتمي للمغرب، فيما تفكير التفاهة يكرس وجوها إعلامية لا تعمل إلا على (لغونة) ما تمنح من معطيات وأضاليل لم تعد تخفى على أبسط عملية في التفكير والتأويل. ولعل الغريب كون هذه الوجوه، وكلما اهتز الحين لحادث، حملت المثقف وزر الصمت وهي التي لا تتابعه وتتواصل مع إنجازاته و متحققاته.
5/
ختاما، أ كان د. عبد الله العروي يدرك مصائر المثقف وهو يكتب “الغربة”. المصائر التي صيغت خيالا، لتغدو واقعا وحقيقة ..
قد يكون.
* كتبت هذه الكلمة لمناسبة ظفر الأستاذ عبد الله العروي أمد الله تعالى في عمره بجائزة الشيخ زايد للكتاب، وذلك باعتباره شخصية العام الثقافية عن (2017).