قصة: ذات وجع…

قصة: ذات وجع…

 علي بنساعود 

اليوم، وأنا أفتش ضمن أغراضي، عثرت على “مخطوطة” غير موقعة، مكتوبة بطريقة غير منسقة، بخط كبير غير مضغوط مثل خطي.

واستجابة لفضولي، ورغبة في الخروج من حالة السأم والقنوط التي كنت فيها، سارعت إلى قراءتها، وكانت قصيرة، لا تتجاوز صفحتين، وقد جاء فيها:

“ذات مساء من مساءات آخر سنواتي الجامعية، وأنا عائدة إلى الحي الجامعي، ركبت سيارة أجرة. بعدي، ركب شخصان آخران، نزل الأول في الطريق، استأذنني السائق في أن يوصل الآخر قبلي، فقبلت دون تردد…

سارت السيارة في طريق مقفر، خفق قلبي، وانتابتني المخاوف…

_لماذا تتجه من هذا الطريق؟ سألته…

_ لقد أخذتُ إذنك سيدتي، وإن لم تثقي فيَّ، يمكنك النزول! قال مقهقها… وكانت قهقهته أبلغ جواب!

شرعت أبكي وأصرخ، ودون أن يلتفت إلي، قال:

_ كوني عاقلة، وسيمر كل شيء بخير…

ارتعبت، تبين لي أنني وقعت بين يد مجرم. توقفت السيارة، بين الأشجار، في مكان مهجور… شرعت أبكي، أستعطف السائق، أتوسل إليه وإلى الشخص الثاني، لأكتشف، بعد فوات الأوان، أن هذا الأخير شريكه، وأن صمته كان تواطؤا!

… فتح السائق صندوق السيارة، تكلف الثاني بجذبي من داخلها. حاولت المقاومة، لكن صفعة منه شلت حركتي… شد ضفيرتي، جذبني خارج السيارة. جثوت أصرخ، دفعني بقدمه، وقعت على قفاي، مزق فستاني، كتم أنفاسي، وغرز خنجره فيَّ…”

هزتني هذه الجريمة، أحسست بالخوف والفزع، تسارعت دقات قلبي، وما همَّني أن تكون أحداثها حقيقية أو خيالية، تعاطفت مع الضحية، ارتعبت لمحنتها، شعرت بمعاناتها، وما كابدته من جراء وقوعها بين مخالب ذئاب بشرية، تألمت لما مورس عليها من عنف، شعرت بما غمرها من رعب وقهر. أحسست أنني أنا من أعيش التجربة، وأتجرع مرارتها… ولعنت قدرا جعلني عاجزة عن مساعدتها، وتخفيف آلامها. بكيت بكاء طفل سمع طفلا آخر يبكي فتعاطف معه…

آلمني الخنجر، أحسست أنني أنا من طعنت به، رأيته ينغرز في أحشائي… وفي غمرة حزني وآلامي، اختلطت علي الأمور، فتساءلت:

_أأنا أقرأ مخطوطة مجهولة النسب أم أتذكر أحداث فيلم تراجيدي بنهاية كارثية مؤلمة؟

لم أعرف الجواب، غير أنني كنت موقنة أنني اندمجت في الجريمة فأثرت فيَّ أحداثها، وما زلت أعاني من جرائها…

»أستفيق… تحيط بي كلاب، تتشممني، قلبي يكاد ينفطر… أغمض عيني، أفتحهما ثانية، أجد الكلاب اختفت كما اختفى الوحشان وتركاني أنزف… كانت ثيابي ملطخة…«

يا إلهي، قلت في سري، أي نوع من الكتابة هذه التي متى قرأتَها، عثرتَ على نفسك متشظيا بين حروفها، ووجدت تجربتك مقطرة ترشح من ثناياها، حاملة أفكارك ومشاعرك وأحلامك وهلاوسك…

ورغم الألم والإحباط، دأبت على إعادة قراءة المخطوطة، ومع كل قراءة، يترسخ لدي الشعور بأنني بصدد مشاهدة إعادة تمثيل جريمة أنا ضحيتها…

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

علي بنساعود

كاتب مغربي