عبد اللطيف وهبي.. ذلك المستفز!

عبد اللطيف وهبي.. ذلك المستفز!

الصادق بنعلال

مــتــى يبلغ الـبـنـيـان يـــــومـــاً تـــمــامـــــه          إذا كـنــت تــبـنـيـه وغيـرك يــهـدم

(بيت ينسب للشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس)

   ينتمي صاحب هذه السطور خريج المدرسة العمومية إلى وظيفة التعليم، حيث أمضى أكثر من ثلاثين سنة يلقن أبناء هذا الوطن الذي لا نملك سواه، ما أنعم عليه الله من معارف ومناهج وقيم، على أمل أن يساهم قدر المستطاع إلى جانب فاعلين إعلاميين وسياسيين ومثقفين في بناء مغرب آخر، مغرب الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية والتنمية الشاملة، بل إنه لم يقتصر على هذه المهنة الرفيعة تدريسا و تأطيرا و إشرافا على عديد المواعيد التربوية الهامة، بل إنه “تطفل” على ميدان الصحافة وانخرط في نشر مقالات ذات المنحى الثقافي بعموم اللفظ، بغية نشر الكلمة الطيبة والمعلومة النبيلة ومواجهة كل ما ينزع نحو الإثارة والمصلحة الضيقة والشعبوية. وأثناء انتفاضات ما سمي بالربيع العربي، التي انطلقت من تونس لتنتشر كالنار في الهشيم في جل البلدان العربية، تبنى هذا صاحب هذه السطور دائما، موقفا وسطا عقلانيا تحديدا، فيما يخص حركة 20 فبراير التي خرجت كالإعصار في ميادين “التحرير” مطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد. وبعد أن جرت مياه غزيرة تحت جسر الأمة المغربية، ودخلت الأقطار العربية في مسار الصراعات السياسية والعسكرية المدمرة، والحروب “الأهلية” التي لا تبقي ولا تذر، كان لا بد مما ليس منه بد! لا بد من التحيز إلى الوطن بحكمة وروية ومسؤولية، وهكذا وجدنا أنفسنا في مواجهة مباشرة مع خصوم المشترك المغربي؛ الوحدة الترابية والديمقراطية والإسلام المعتدل، نرافع عن مصالحنا الحيوية في الساحة الإعلامية الوطنية والأجنبية، انطلاقا من قناعة فردية صلبة ودون أي مقابل مخصوص.

   وفي الجانب الآخر شهد واقعنا السياسي والمجتمعي العديد من مظاهر السقوط الأخلاقي المريع والتراجع القيمي في شتى الميادين والقلاع الاستراتيجية: الاستحقاقات الوطنية الشكلية والمشاركة السياسية المجهرية وانهيار قطاعات التعليم والصحة والإدارة العمومية والسكن.. لنجد أنفسنا أمام موج كاسح من الهدم والتحطيم والاستغلال، وكائنات سياسوية ضاربة عرض الحائط بالقوانين والدستور و”ربط المسؤولية بالمحاسبة”! وفي الوقت الذي طفق المغرب يستقطب فيه استثمارات أجنبية غير مسبوقة، ويبلور على أرض الواقع مشاريع هيكلية بالغة الأهمية لإقلاع تنموي واعد، ويحقق بنات وأبناء الشعب المغربي منجزات مفصلية مدهشة ثقافيا وعلميا وفنيا ورياضيا .. رافعين علم الوطن مرفرفا في القمم الشماء، يخرج علينا بعض محترفي السياسة بمعناها المنحط لإفساد فرحة الشعب بانتصارات بناته وأبنائه البررة، واقتلاع  جذور الأمل والحلم بحياة أفضل وأرقى، عبر قراراتهم المستفزة وخطاياهم المهددة للأمن المجتمعي الذي نحرص على بقائه ودوامه بلا هوادة. ولعل كارثة نتائج الامتحان الكتابي لولوج مهنة المحاماة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وما لحقها من استنكار وتنديد شعبي قل نظيره، وتعالي وزير العدل ونرجسيته المرضية واحتقاره للتعليم العمومي المغربي، وغطرسته  في التعاطي مع هذا الحدث الجلل من شأنه أن يدفعنا دفعا نحو المطالبة بالتحري القانوني وتحريك المساطر في إطار القانون لمعرفة “ما وقع”. إن اجتياز الاختبارات والمباريات خطوة مقدسة بالنسبة لأبناء الشعب مهما كانت انتماءاتهم “الطبقية والعائلية والسياسية”، وبالتالي فإن ضوابط المساواة والعدل وتكافؤ الفرص في هذا المسعى من أقدس المقدسات، والاستهانة بها قد يعرض العباد والبلاد إلى مسخرة وأضحوكة سوداء ومأساة إنسانية في المنابر الإعلامية العدوة و”الصديقة“.

   وعلى ضوء ما سبق فإن مغرب اليوم أمام مفترق الطرق، فإما أن نواجه الفساد المبين الذي يسري في أكثر من قطاع مجتمعي وبشكل جذري وحازم، وإما “النصر” سيكون من نصيب أعداء الوطن والمتربصين به داخليا وخارجيا. إن استئصال الفساد والاستبداد والدفاع عن ثوابت الأمة الاستراتيجية وجهان لعملة واحدة، بهما وبهما فقط يمكن أن نخوض غمار البناء الجماعي الراجح في عالم مليء بالمخاطر والمخاوف بالغة الحدة.

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

الصّادق بنعلّال

إطار تربوي – باحث في قضايا الفكر والسياسة