عملية خيري علقم… والمصير المحتوم للاحتلال

عملية خيري علقم… والمصير المحتوم للاحتلال

عبد السلام بنعيسي

   بدلا من بنيامين نتنياهو، لماذا لا يجعلون من إيتمار بن غفير رئيسا لحكومة الكيان الصهيوني؟ أليس الثاني أكثر تطرفا من الأول، كما يقال لنا في وسائل الإعلام المسيطر عليها من طرف الأجهزة البوليسية، ومالكي الصفحات الإشهارية؟ ولماذا لا يجعلون من حسين الشيخ رئيسا للسلطة الفلسطينية، عوض محمود عباس الذي احترقت ورقته؟ ألم تنفك إشارات تنصيب الشيخ، من طرف الإدارة الأمريكية في موقع رئاسة السلطة التي لا سلطة لها، تطالعنا من حين لآخر؟

   وكل من يشاء من أنظمة الحكم في العالم العربي، التطبيع مع هذا الكيان الغاصب، ويتردد في القيام بهذه الخطوة، من باب المواربة وانتظار الفرصة المناسبة، ليبادر إلى التطبيع، بشكل رسمي وعلني، وليفتحوا لهم سفارات وقنصليات في القدس أو تل أبيب، وباقي المدن المقامة فوق الأرض الفلسطينية، وليتجرأ النظام الرسمي العربي، ويعلن عن انضمام الكيان الصهيوني إلى جامعة الدول العربية، ويعطيه مقعدا من ضمن المقاعد الموجودة في مقرها…

   لكن ماذا بعد؟ بماذا تفيد كل هذه القرارات العربية الرسمية، مضاف إليها التأييد العسكري والمالي والسياسي والاستخباراتي الغربي المطلق، الكيان الصهيوني؟ بماذا تفيده الطائرات الشبح ف 35، وف 16، والقنابل النووية التي في حوزته، والقبب الحديدية؟ بماذا تنفعه أمام شاب فلسطيني عمره 21 سنة توضأ، وصلى في المسجد الأقصى، واستغفر الله لذنوبه، ما تقدم منها وما تأخر، وتأبط مسدسه، وقرر قتل أكبر عدد ممكن من الصهاينة المستوطنين الذين سيصادفهم في طريقه، عاقدا العزم على أنه سيتشهد إبان عمليته الفدائية؟؟؟

   كل استخبارات العالم، وكل الجنود ورجال الأمن والعسس، والكاميرات المنصوبة في زوايا وأركان الأزقة، والدروب، والشوارع، والساحات العامة، وعلى واجهات المباني، تصبح بلا جدوى، فلا أحد يطَّلعُ على ما في النفوس، ليعلم ما تضمر في دواخلها، ومن المستحيل منع المستوطنين من الخروج إلى الفضاء العام حتى لا يتعرضون للقنص.

   طوال ما يفوق السبعين سنة ودولة الاحتلال تقتل في الفلسطينيين، وتعتقل الآلاف من شبابهم وتجعلهم أسرى لديها، وتقوم بهدم المنازل وتهجير سكانها منها، وتسحب أرضهم منهم وتستولي عليها، ولم تترك وسيلة من وسائل القمع إلا واستعملتها ضد هذا الشعب، وفي كل مرة كانت دولة الاحتلال تعتقد مع نفسها أنها روّضت الفلسطينيين، وتمكنت منهم، وأنهم باتوا طوع بنانها، كانت تكتشف أنها تعيش في الوهم، إذ لا يتردد هذا الشعب في مباغتتها، بصيغ نضالية أقوى وأصلب مما سبق….

   باستثناء الدعم الذي يأتيه من محور المقاومة، لم يعد الفلسطيني ينتظر جيوشا عربية تقتحم الحدود، وتحرره من الكيان الصهيوني، ولم يعد يتوقع مساعدات تنزل عليه بردا وسلاما من النظام الرسمي العربي لتكون عونا له في كفاحه ضد المحتل الإسرائيلي، ولم يعد يتطلع إلى المقررات الصادرة عن القمم العربية، لأنها قرارات لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به، كما وصفها ذات مرة إريال شارون، لقد تكونت، بعد التجارب المريرة التي عاشها، القناعة، عند هذا الشعب، بضرورة الاعتماد على نفسه، لتحرير أرضه، وعلى الدعم المعنوي الذي يأتيه، تعاطفا من أشقائه في الوطن العربي والإسلامي، ومن أحرار العالم، فانطلق في هذا المشوار، ولا أحد بمقدوره إيقافه…

   اختلف اليومَ الوضعُ تماما، فلقد تصاعد النضال الفلسطيني ونضج، وصرنا أمام شباب فلسطيني، لم يعد ينصت لأوامر، تصدر إليه، من الفوق، ليقوم بتنفيذها، كل شاب، أو حتى كل طفل فلسطيني، بات حاليا، قائدا، ومخططا، ومنفذا ميدانيا لعمليات فدائية، بمفرده، فمن أين تأتي للأجهزة الأمنية الصهيونية الوسائل للاطلاع على ما في النفوس؟ كيف يمكن تقليب الصدور لتبيان ما تختزنه في طياتها؟ ما هي الخطط الأمنية القادرة على مواجهة هؤلاء الشباب، هؤلاء الأسود المنفردة، بعزيمتهم الفولاذية، ومنعهم من الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، على أهلهم وذويهم، وتكبيد الصهاينة الخسائر في الأرواح وفي الممتلكات؟

   هذه هي الأسئلة التي أضحت مطروحة في الوقت الراهن على الكيان الصهيوني، بقيادته، ومستوطنيه، والتي لا يملكون أجوبة دقيقة عليها، ولا غرو في أنهم أصبحوا معها يعيشون في الرعب وفي الفزع، أكثر مما كانوا يعيشونه في انتفاضة الأقصى خلال تواتر العمليات الاستشهادية. التصعيد اليميني من جانب الكيان الصهيوني، سيقابله تصعيد آخر من الجانب الفلسطيني، وابن الشاة يأكله الذئب كما يقول المثل. الكيان الصهيوني طارئ ومصطنع في المنطقة، والشعب الفلسطيني صاحب الأرض ومغروس فيها، ولا يمكن اقتلاعه منها، ويملك مؤهلات الصمود والانتصار في المعركة الوجودية المندلعة بين الطرفين، ويبدو لنا الإصرار الفلسطيني على التضحية والنضال للانتصار، في أبهى صوره، في الاحتفالات الرائعة التي يخصصها هذا الشعب بكامله، لكل عملية فدائية يتطوع لتنفيذها واحد من أبنائه..

   بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، كوزراء في الحكومة الصهيونية الحالية، والذين يخوفوننا بهم حاليا، ليسوا أكثر تطرفا من سابقيهم إيريال شارون الذي اضطر للهروب مهزوما من قطاع غزة بعد أن أنهكته المقاومة، وقضت عليه الانتفاضة إلى أن أذهبته لنحبه، ومن مناحيم بيغين الذي مات منعزلا ومكتئبا في منزله، لأنه صُدِمَ بتورطه سنة 1982 في غزو لبنان واحتلال عاصمته بيروت، حين برزت مقاومة شرسة، تصدت لجنوده، وكبدتهم أولى هزائمهم سنة 2000 على أيدي المقاومة الإسلامية ممثلة في حزب الله.

   وها هو التاريخ يعيد نفسه، فمن الأفضل لنا أن يبادر الكيان الصهيوني لاتخاذ أقصى ما يبدو له من قرارات، وليحظى بدعم الشرق والغرب، والعرب والعجم، وحين يُفرغُ كل ما في جعبته، ويقف على حقيقة أنه أمام شعب يقاومه، ويرهقه، ويقف شوكة في حلقه، وقتها سيضطر للاعتراف بحقيقته، كيانا احتلاليا، ويدخل في منعطف التفكك والزوال من فلسطين، لتعود لأهلها التاريخيين… إنه المصير المحتوم لكل احتلال. وهذا اليوم، يرونه بعيدا ونراه قريبا…

Visited 48 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة