قصة قصيرة: الماء نار مبللة
إدريس خالي
أبحث عن كتاب “الماء والأحلام'”في مكتبة. على ظهري حقيبة صغيرة. حقيبة عملية. لقد مررت إلى بيسري واقتنيت ماء. الماء في قنينة، والقنينة ينقصها أربع جغمات أو أكثر لتصبح ممتلئة الريز الريز. ممتلئة بالكامل. إذا امتلأت القنينة عن آخرها فلن يسمع للماء صوت. لن يتقلقل. لن يتكلم. القلقلة صوت. كلام. وكلام القنينة التي في حقيبة الظهر فاضح. نمَام. إنه ينبه الغافيلين، أولئك الذين أمر بالقرب منهم، إلى مكانه. إنه يبدو كما لو أنه يقول للآخرين:
– انظروا إليه. إنه يخفيني في حقيبةعلى ظهره. هل أبدو متهما؟
ويتقلقل حين أنحني قليلا لأسحب كتابا من على الرف. يفعل ذلك لينبهني إليهم. إنني أخلقهم حين أهتم بهم. أجعلهم يتكاثرون حين أستمر في إخفاءه.
حرك الماء يْبانْ العطشان. والعطشى أنواع وأشكال. أخطرهم عطشى الفضيلة والمعروف.
الماء المتقلقل، الماء المتكلم ربما يحرك شهيتهم لمعرفة ليس فقط مصدر الصوت بل أيضا الدافع الذي دفع هذا الذي صار يُنعت بالحاج لوضع قنينة في محفظة ظهر. الأكثر من هذا: قد يتساءل بعض آخر:
– هل الماء الذي في القنينة هو نفس الماء الذي نتوضأ به. هو نفس الماء الذي نشربه؟
أترك الأسئلة في سماء أصحابها وأستمر في التحرك بين رفوف المكتبة. المكتبة التي توجد في قبو عمارة. ينبغي أن أترك جانبا تأفف الكتب المحتمل للصوت المزعج المخنوق والخانق لماء آخر. ماء يُسمع صوت جريانه بين لحظة وأخرى في أنابيب الصرف الصحي الملتصقة بجدران المكتبة.
لقد ألف العاملون الصوت المنبعث من تلك الأنابيب. وربما اندمج نزول وجريان الماء مع باقي الأصوات التي تعرفها المكتبة.
كل شيء يجد مكانه مع الوقت. كل شيء يتكيف.
أحرك جسدي. أحاول ألا يتقوس ظهري حين تسحب يدي كتابا من الرف. إذا أحنيت ظهري بسرعة فسيتقلقل الماء أكثر وقد تلتف العيون نحوي. يذكرني صوت الماء المحبوس في القنينة بصوت الزيت في الأوعية التي كانت تحرص أمي على عدم ملئها بالكامل. كانت تقول لي بجدية المؤمنات إن الأوعية تختنق مثلنا تماما.
– علينا أن نترك قليلا من الخواء للزيت في كل وعاء كي يمد أطرافه. للزيت أطراف، كانت تضيف. وحين تتحرك الأطراف، يتنفس الزيت. إن التنفس يساعده على الحفاظ على مذاقه.
في كل حركة بركة.
حركة الزيت في أوعية أمي، حركة الماء الذي على ظهري داخلية. إنها حركة في نفس المكان. وهي تنتظر دوما من يحررها. في حريتها لذة لعشاقها ومحبيها.
الكتب في الرفوف. والعيون على العناوين والماء في القنينة. والقنينة على الظهر. والظهر لم ينحن بعد. لا زال في الجسد ما يحفز على البحث عن الجديد. والجديد قد يفاجئك وأنت تجلس إلى طاولة في مقهى.
أرفع عيني لأسرق نظرة إلى الأحمر الذي يعبر باب المقهى. إنه لا يتقلقل كما الماء الذي كنت أحمله على ظهري في المكتبة. إنه أحمر يتحرك بخفة موزونة. ويمكن لي الادعاء أن الأحمر يطير برشاقة فراشة.
ليتقلقل الماء إن شاء. وليجلس الأحمر أنى يشاء. أنا الآن في ضيافة “الماء والأحلام”*، وعيناي مسمرتان على هذه النافذة:
الماء نار مبللة**
___________________
* الماء والأحلام، غاستون باشلار
<
p style=”text-align: justify;”>** نوفاليس في “الماء والأحلام”، غاستون باشلار.