لماذا عودة سوريا إلى الصفّ العربي مصلحة سعودية؟؟؟
عبد السلام بنعيسي
أكد فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، في تصريح أدلى به خلال منتدى ميونيخ للأمن أن “الحوار مع سوريا مطلوب، وأنه لا جدوى من عزلها”، مضيفا أن “إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أن الحوار مع دمشق مطلوب حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين”. وتابع وزير الخارجية السعودي قائلا: “سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”، مشيرا إلى أن “ذلك، ينبغي أن يمر عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما”. وكانت السعودية قد أرسلت طائرات محملة بالمساعدات، وقدمت مبلغا ماليا لدمشق، لإغاثة منكوبي الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا.
تصريح وزير الخارجية السعودي ليس تصريحا عاديا، يجوز المرور عليه مرور الكرام، فحين نستحضر قانون قيصر الأمريكي الذي يفرض حصارا خانقا على سوريا، والعلاقات التشاورية التي تربط، تاريخيا الرياض بواشنطن، قبل اتخاذ القرارات المتعلقة بقضايا المنطقة، يبدو لنا أن هذا التصريح يتضمن قدرا لا بأس به من الجرأة والرغبة السعودية في تجاوز أوامر الإرادة الأمريكية الهادفة إلى الاستمرار في فرض العزلة على الدولة السورية، ومنعها من الالتحام مجددا بمحيطها العربي.
يمكن القول إن الرياض لا تعبر هنا عن رأي الدولة السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي فحسب، وإنما تخاطب في تصريحها هذا، العالم بأسره، تخاطبه باسم كافة الجماهير العربية والإسلامية والمسيحية، التي لم تعد تطيق السكوت على بقاء الشعب السوري غارقا في المحن التي يعاني منها خلال أزيد من عقدٍ عن الحرب الأهلية التي دَمَّرت عمرانه، وقتلت وهجّرت الملايين من أبنائه، ثم أعقبها زلزال شكّل كارثة، تراكمت فوق الكوارث التي يقاسي منها السوريون. فأصوات عدة في جهات مختلفة من العالم العربي، وحتى الغربي، صارت ترتفع مطالبة بقوة، برفع الحصار عن سوريا.
لكن لماذا لا يكون تصريح وزير الخارجية السعودي بمثابة تمهيدٍ لإعادة سوريا للجلوس في مقعدها في جامعة الدول العربية، في مؤتمر القمة العربي المزمع عقده في الرياض في شهر مارس المقبل، وذلك، كمقدمة لإعادة إدماجها مجددا في محيطها العربي، في أفق كسر الحصار الأمريكي المفروض عليها؟؟؟ السعودية هي الدولة العربية المؤهلة أكثر من باقي الدول العربية الأخرى لإعادة سورية إلى الجامعة العربية، إنها القادرة على إقناع أي من الرؤساء، والأمراء، والملوك العرب الذين يتحفظون، أو يعارضون العودة السورية إلى الجامعة، أو يتخوفون من ذلك، إقناعهم بضرورة قبول هذه العودة، إنها تتوفر على الأدوات المالية، والمكانة الروحية والرمزية، والثقل السياسي لدفع جميع القادة العرب للمضي في ركبها والقبول بهذه العودة.
إذا كانت السعودية قد لعبت الدور الرئيسي في تجميد عضوية سوريا في الجامعة منذ أكثر من عشر سنوات خلت، وإذا كان قرارها ذاك، قد سبّبَ لبلاد الشام دمارا كبيرا ومآسي لا تعدُّ ولا تحصى، وإذا كانت هي التي ظلت تعارض وتمنع عودة سورية إلى الجامعة، فإنه يصعب على السعودية أن تسمح لأي دولة غيرها، بالحصول على شرف إعادة سوريا إلى الصف العربي، إنها تشعر بأن هذه المهمة يتعين أن تكون من نصيبها، وأن تحسب لها قبل غيرها، فإعادة سورية، في أي عاصمة عربية غير الرياض، خصوصا إذا كانت من دول الرفض، قد تفسَّرُ، وكأنها انتصار، على السعودية، لسورية، وللبلد الذي أعيدت فيه إلى الجامعة…
لعل قراءة الرياض للمتغيرات والتحولات الدولية الجارية، هي التي تُحتّمُ عليها التفكير في إعادة سوريا للجامعة العربية، وتكثيف الحوار مع إيران بوساطة عراقية، فعلاقات السعودية بواشنطن تعرف برودا كبيرا، والثقة بين الطرفين أضحت مهزوزة، ولا أحد يعلم المصير الذي قد ستؤول إليه الحرب في أوكرانيا، إنها قد تفضي إلى حرب عالمية ثالثة، أو تنتهي بانتصار روسي وإنشاء عالم متعدد الأقطاب، ومن المحتمل أن تنكسر روسيا في هذه الحرب، وتستفرد أمريكا بقيادة العالم، مع كل الضغائن التي تحملها الإدارة الأمريكية للقيادة السعودية.
المصلحة السعودية تقتضي منها إعداد العالم العربي لكي يكون جاهزا لكافة التحولات والاحتمالات التي قد تطرأ على العالم، والتي قد تكون خطيرة، ليقدر على مواكبتها، وليصُدَّ معها الضغوط الغربية والتدابير الانتقامية التي قد تتعرض لها الرياض، عقب نهاية الحرب في أوكرانيا، بسبب رفضها رفع إنتاجها من البترول لخفض سعره ضدا في روسيا. وطبعا يقتضي ما سلف، ترتيبا للأوضاع في المحيط السعودي، سواء مع إيران، أو في سوريا، أو لبنان، أو اليمن، حيث الحرب تستنزف الطاقات السعودية.
لقد أعطى العرب للغرب وللكيان الصهيوني كل ما هو مطلوبٌ منهم، وكانوا يُمنون النفس بإقامة سلام في الشرق الأوسط، يضمن للفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم، ولكنهم قوبلوا بالصدّ، وبحكومات صهيونية يمينية متطرفة، تُوغِلُ في سفك الدم الفلسطيني، والسوري واللبناني، والعراقي، ولاشك في أن هذه الغطرسة الصهيونية والعدوان المتفاقم على الحقوق العربية يؤذيان الرأي العام العربي، بما فيه السعودي، ويدفعان لبروز الحركات المتطرفة المضادة، مع ما ينتج عن بروزها من حرق، وتخريب، ودمار في المنطقة، وتهديدٍ لأمنها واستقرارها.
التفرغ لبناء السعودية في أفق 2030، كما تريد ذلك وتعمل من أجله قيادتُها، يتعذر أن يتحقق، إذا كانت البلاد محاطة بالنيران من كل صوبٍ، ومن كل جهة، والعلاقات متوترة، وتوشك على الانفجار مع الجارة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية. المقدمة لتنفيس الاحتقان، والاستعداد لكل التوقعات الخطيرة التي قد تواجه دول المنطقة، وفي مقدمتها السعودية، تبدأ من إعادة سوريا إلى محيطها العربي، لأنها ركن أساسي من أركان الأمة. كانت بلاد الشام كذلك في الماضي، وستظل كما هي عليه في الحاضر، وحتى في المستقبل. ونتمنى أن يكون هذا هو المسار الذي تمضي فيه راهنا القيادة السعودية.