لبنان.. والأحزاب والقردة..!؟

لبنان.. والأحزاب والقردة..!؟
 
محمود القيسي
 
“قردة..
سلطات القردة
أحزاب القردة..
كلا … (أشرف) منكم القردة..!
اغفروا لي حزني.. وغضبي..
وكلماتي القاسية
سيقول البعض
بذيئا
لا بأس أروني موقفًا
أكثر بذائة مما نحن فيه”
 
   لم يكن الكاتب والروائيالبريطاني الشهير جورج أورويل يمزح عندما قال إحدي أشهر مقولاته السياسية لأول مرة قبل عشرات السنين: “السياسيون في العالم كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول كله”. المقولة التي اعتقد البعض إنه قالها وهو يمزح مع بعض أصدقائه. لكن يوماً بعد يوم في لبنان أصبحنا وأمسينا على قناعة تامة أن جورج أورويل لم يكن يمزح بأي شكل من الأشكال. وبمجرد نظرة سريعة من أصغر صبيي في بلاد الأرز على أفعال الأحزاب السياسية وأعمالها الهمجية وسياساتها المنحطة، التي يندى لها الجبين من الفساد السياسي إلى الفساد المالي إلى الفساد الأخلاقي، أظن أن أورويل كان رقيقاً. ولكن غير موضوعي في التشبيه والمقارنة والاستعارة والطباق والجناس والصفة والموصوف بين أداء أحزاب القردة السياسية اللبنانية من ناحية.. وطبيعة تعاطي قردة الغابات الطبيعية والبيولوجية والأخلاقية فيما بينها.. القرود التي تدفع وتدافع عن حقوقها الغريزية وحقوقها الفسيولوجية الطبيعية كما تدفع وتدافع عن بعضها البعض داخل الغابات وخارجها حتى الرمق الأخير..!؟
   عذرًا جورج أورويل.. تستطيع قرود الغابات الاستمرار على موزة واحدة يوميًا، في حين معظم السياسيين وبالأخص في لبنان، لا تكفيهم حقول الموز والمحصول والإنتاج والسوق والصندوق والغابات والقرود والبشر والحجر..
  عذرًا جورج أورويل الصحافي والروائي البريطاني الكبير. الذي اشتهرت أعماله بالوضوح والذكاء والتحذير من (غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية). يُعتبر القرن العشرون أفضل القرون التي أرّخت الثقافة الإنجليزية، كتب أورويل في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة (الجدلية).. وأكثر عمل عرف به هو عمله الديستوبي رواية 1984 التي كتبها في عام 1949م، وروايته المجازية مزرعة الحيوان عام 1945م، والاثنان تم بيع نسخها معا أكثر من أي كتاب آخر لأي من كتّاب القرن العشرين. كما أن كتابه تحية لكتالونيا في عام (1938) كان ضمن رصيد خبراته في الحرب الأهلية الإسبانية، والمشهود به على نطاق واسع على أنه مقاله الضخم في السياسية والأدب واللغة والثقافة. في عام 2008م وضعته صحيفة التايمز في المرتبة الثانية في قائمة «أعظم 50 كاتب بريطاني منذ عام 1945». استمر تأثير أعمال أورويل على الثقافة السياسية السائدة ومصطلح “أورويلية” الذي يصف ممارسات الحكم الاستبدادي والشمولي، والتي دخلت في الثقافة الشعبية مثل ألفاظ عديدة أخرى من ابتكاره مثل (الأخ الأكبر)، و(التفكير المزدوج)، و(الحرب الباردة)، و(جريمة الفكر)، و(شرطة الفكر)، والسجون السياسية!؟
 
   تعيش الأحزاب السياسية في لبنان وتترعرع على الموجات الطائفية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الطويلة والمتوسطة والقصيرة.. موجات الطوائف السياسية التي استحضرتها تاريخيًا حاجة الاستعماريين التاريخية في كل المراحل التاريخية – الجيوسياسية والغايات والأدوات والوسائل على جميع موجات الأديان والطوائف والمذاهب والموروث والمذابح، التي كشف ابن خلدون النقاب عن وجهها الحقيقي، وحقيقة وجهها في كل مراحل “تطور” عُصبها وعصبياتها من كل الأنواع القديمة والجديدة والمستجدة.. الأحزاب، وخصوصًا تلك التي جعلت من نفسها آلهة تدير شؤون طوائف ما ملكت إيمانها، والتي تخدم مصالحها العائلية، أو ما يعرف في لبنان بالعائلات الروحية الحاكمة بأمر “كيم أيل سونغ اللبناني” وأبنائه من بعده إلى آن يشاء الله أمرا كآن مقضيا!.. الأحزاب التي استطاعت من اختزال شعوبها على مقياس الآباء المؤسسين والأبناء الحاكمين والأحفاد القادمين.. الأحزاب التي استطاعت فرز تلك الشعوب إلى مجرد طوائف غائبة عن الوعي الذاتي والموضوعي والإدراك الحسي والعقلي التجريبي.. وحولتهم الى مجرد وقود في حروبها العبثية وحروبها العدمية ومزارعها الطائفية والمذهبية والعرقية والاثنية والوثنية، بحجة الموجود والوجود والوجودية على قاعدة الكفر السياسي والكفر الاجتماعي والكفر الاخلاقي: “أنا أو لا احد”..!؟ 
 
   الصراعات السياسية لا بدّ لها من نزعة قبليّة أو دينية، كما يقول ابن خلدون، لكي يُحفّز قادتها أتباعهم على القتال والموت، فيتخيّلون أنّهم يموتون من أجلها. ويضيف فيلسوف علم الاجتماع، الدولة إذا دخلت في سنّ اليأس لا تعود لشبابها أبدًا ولو حاول حكامها التغيير، فلكلّ زمان دولة ورجال. ويستطرد أبن خلدون قبل أكثر من ألف عام، عندما تنهار الدول يكثر المنجّمون والأفّاكون والمتفيهقون والانتهازيون، وتعمّ الإشاعة وتطول المناظرات وتقصر البصيرة ويتشوّش الفكر.. وإذا رأيت الدول تنقص من أطرافها، وحكّامها يكنزون الأموال فدقّ ناقوس الخطر. كما إن انتشار الفساد يدفع بعامّة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش، وبداية لشرخ يؤدّي إلى انهيار كل شيء.. حيث أن الفتن التي تتخفي وراء قناع الدين والطوائف تجارة رائجة جداً في عصور التراجع الفكري للمجتمعات.. وأن رجال الدين أهل شورى في علوم الشرع، لا في الحل والعقد داخل الدولة التي هي لغيرهم من أصحاب القوى الاجتماعية والأفكار المؤثرة. وإذا تعاطى الحاكم التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة. ومن يقرأ القليل في الفلسفة سيتجه بأغلب الأحوال إلى الإلحاد، ومن يقرأ الكثير منها يتجه للإيمان بكل حال من الأحوال.. كان المفكرون قديمًا يرون أن أكتشاف العقل للحقيقة ليس أمراً غريبًا، إنما الغريب هو عجزه عن اكتشافها.
 
  عذرًا جورج أورويل، نحن في بلد محكوم من ثالوث الشياطين المقدس!؟.. الحاكم بآمر الولي الفقيه، والحاكمية المصرفية بأمر المال وقداسة الأحزاب الطائفية… نحن من بلد محكوم بالمسكنات السياسية، والمساكنة الغير شرعية, والسلاح الغير شرعي، ومنصات الدولار بين هالك الفقه السياسي ومالك الدولار السياسي والقابضين على الفكر السياسي؟!.. تقول الكتب السماوية وتردد جميع الديانات في الظاهر كما تعلم: “لا إله إلا الله”.. ويُترك التفسير والنفير بكل أسف لكل ديانة على ما يراه شيوخ أحزابها وبطاركتها مناسبًا لهم ولها وعلى الشعوب تقع الواقعة..!؟ في لبنان المجاعة الطائفية والأوبئة والنفايات السياسية.. والسياسات الفيروسية والبكتيرية والجرثومية نهتف جميعها كذلك وبالصوت العالي: “لا آلهة إلا آلهة الطائفية” وعائلاتها الروحية المقدسة!؟!..
   عذرًا عزيزي جورج، نحن في لبنان تحت سيطرة حاكمية القردة “الآدمية” المنتحلة صفة.. الصفة التي تدّعي صفة الإنسانية والانقلاب على الله مواربة وتورية.. والانقلاب على الداروينية مباشرة. نعم، نحن من بلد حاكمية القردة والأحزاب السياسية القردة.. والقردة فيهم ومنهم وعلى جميع مستوياتهم لا تميز ولا تتميز!؟… حكام القردة.. سلطات القردة.. أحزاب القردة.. حكام وسلطات وأحزاب وأصحاب أحتكار الامتيازات في صناعة وتعليب وتسويق العُصب والعصبيات الطائفية والمذهبية على مقياس ريختر مصالحهم السياسية والمالية والدينية والقردة. كلا كلا… أشرف منهم فضلات القردة..! لقد بالغنا في إيذاء أنفسنا بالركون والركوع والسجود لهم..!؟ وبالغ هذا العالم في ايذائنا والاستخفاف بنا نحن الشعوب الخفيفة في ميزان الشعوب الحرة والأوزان الحرة الثقيلة في مفهوم وتعريف الشعوب..!؟ وأزداد هذا العالم الذي لا يعترف بالشعوب الضعيفة.. أزداد تنقيطا وقردة…!؟
 
   يقول ابن خلدون: “فساد القضاء يفضي إلى نهاية الدولة”.. نحن يا سيد ابن خلدون لم نر في لبنان فاسدًا خلف قضبان السجون، رغم جهنم التي نعيش فيها ولا نرى.. جهنم التي نموت فيها ولا نرى في عصر يشبه الإنسان فيه ما يرى!؟.. حيث إن بعض القضاء اللبناني الطائفي الفاسد في حقيقة الأمر هو أساس الدولة العميقة للمنظومة الحاكمة وأحزابها العميقة.. هو أساس الدولة العميقة وأحزابها الفاسدة. نحن في لبنان نعيش ونموت على وقع لعبة “الغميضة” الجديدة عليك، وتنويم الوطن والمواطن والمواطنة والقوانين النائمة أساسًا وخصوصًا وبالأخص وتحديدًا.. نعيش لعبة “طالعة يا نازلة” الأشهر تاريخيًا في لعبة الدولار غير البريئة في البلد المدولر الغير بريء..
   أعرف يا سيد ابن خلدون أنها لغة غريبة عليك.. لعبة الدولار والدولرة والركوب على كتفي الليرة والهتاف ضد أمريكا التي لم تكن موجودة في أيامك ولم يكن لها مثيلا..!؟ نحن يا فيلسوف علم الاجتماع رغم أنف الفيلسوف الألماني هيغل ما زلنا نبحث في لبنان “بمساعدة” غربية من ههنا وشرقية من ههنا، عن هوية الرئيس إلى أن غطى “الشعشبون” جدران قصر “الشعب” في بعبدا.. كما غطى الشعشبون وتجار الدين والأفيون السياسي ولعبة الدولار والمال السياسي عقولنا وشوارعنا وبيوتنا وطعامنا وشرابنا، وينام معنا في السرير.. أيها الماضي والحاضر والمستقبل لا تسألنا من نحن!.. 
 
   نحن أخشى ما نخشاه ان نعرف من نحن ومن نكون!؟.. نحن أخشى ما نخشاه في لبنان عنقاء الرماد بعد كل هذه الانهيارات والكوابيس والكواليس والحراك والتفتيش والنحت والبحث والتنقيب وكاليش والمطابخ والجوع والتجويع والفساد والمنصات والصواريخ والتفجير والهزات والزلازل والصلوات والمواعظ والتنجيم وميشال حايك وليلى عبد اللطيف.. أن يأتي رئيس “قوي” آخر من طبقة العلة والسبب والأمراض والأحزاب المزمنة..!   
   أيها التاريخ لا تسألنا من أنتم؟ فنحن أيضًا لا نعرف..! نحن كما تعلم من بلاد الآلهة القدماء.. الآلهة القدما الذينا يغادرون متاحفهم في هذه الأيام، ليشاركوا في لملمة الاشلاء، وإزاحة الركام والجوع والبرد القارس والموت البارد.
   لقد رأيتُ دمعة وهي تفرّ من عين عشتار.. لقد رأيتُ قدموس ينقل جثث الأطفال الرضع على ظهره وعلى كتفيه وبين يديه. إنها اللحظة التي يزهر فيها الحجر لعلنا نصاب بعدوى الزهر والأخلاق والكرامة..
   إنها اللحظة التي يكتسي فيها التراب بالجلود الآدمية في بلاد التراب والجلود الآدمية.. في حين يختبئ قردة السياسة وورثتهم خلف جثث الكائنات المجلدة قاطبة رغم العيون المجلدة ورغم الغمازات المجلدة والموت الصامت تحت الأنقاض والحضارات…
   لقد سمعت كذلك شاعرًا يئن ويبكي من الحزن تحت أنقاض ثقافة الحياة واللغة وركامها في عصرنا الجليدي المتوحش هذا.. سمعته يهزي قبل غرغرة الروح.. قبل الخروج من سجن الجسد:
   “يا حياة لا تكوني بخيلة كالفرح.. كوني سخية كالحزن.. كالانتظار… كالشتاء… وتعالي ولو مرة ملئ الحقيقة.. فقد سئمت أشباه الأشياء فيكِ”..
   وأنا كذلك، سئمت أشباه الأشياء فيها.. وكذلك قال كذلك…!؟!
Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمود القيسي

كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *