كورونا ووهان في كتاب أدهم السيد: حرب سياسية
ملاك شيخ اسليم
مع بداية هذا العام تصاعد عدد الإصابات بفيروس كورونا في الصين، وسجلت إصابات ووفيات عالية في دول عدة، مما يؤكد أن فيروس كورونا لم ينته، فمنظمة الصحة العالمية لم تعلن انتهاءه وسط حالة تراخي بالإجراءات الاحترازية، بعد نجاح حملات التلقيح في الحد منه، على الرغم من ظهور متحورات جديدة، وأحيانا أعراضها قد تكون خفيفة نوعا ما.
ومنذ أيام ذكرت جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، أن حصيلة الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) حول العالم ارتفعت إلى 675 مليونا و910 آلاف و695 حالة.
وأفادت في إحصائية جديدة بأن إجمالي الوفيات جراء الإصابة بالفيروس التاجي حول العالم ارتفع إلى 6 ملايين و876 ألفا و827 حالة. وأوضحت أن الولايات المتحدة سجلت أكبر عدد من حالات الإصابة حول العالم، والتي بلغت أكثر من 103.6 مليون حالة، في حين تجاوزت حصيلة الهند 44.6 مليون إصابة لتحتل المرتبة الثانية، تليها ألمانيا بأكثر من 38.2 مليون إصابة.
ووفقا لأحدث البيانات، تصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول من حيث عدد الوفيات جراء الإصابة بالفيروس بأكثر من 1.1 مليون حالة، تلتها البرازيل في المرتبة الثانية بـ699 ألفا و276 حالة، ثم تأتي الهند في المرتبة الثالثة بإجمالي 530 ألفا و775 حالة.
وأبرزت دراسة جديدة أن مرضى كوفيد طويل الأمد لا زالوا يعانون من فشل في الأعضاء، وقد تشمل التعب وضيق التنفس وآلام الصدر وآلام المفاصل والصداع وضباب الدماغ وصعوبة النوم والاكتئاب أو القلق.
في الصين منشا الفيروس كما تردد أنها خرجت من مختبرات ووهان وتسبب ذلك في كيل الاتهامات لهذا البلد بنشر هذا الداء الذي لم يكن له دواء، وأدى إلى انكماش اقتصادي، وغيَّر من حياة الناس العاديين وتسبب في أزمات سياسية وفي نزاعات دولية، كما في صراعات من أجل إيجاد العلاجات المناسبة والحد من الأزمات التي عاشتها القطاعات الصحية في العالم.
لكن هذه الأزمة دفعت بالبعض إلى تفتح موهبة الكتابة، وهذا ما فعله طالب الدكتوراة اللبناني في جامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا في مدينة ووهان الصينية: أدهم السيد، الذي نشر كتابا باللغات الصينية والإنجليزية والعربية بعنوان: “كوفيد-19.. هكذا كانت ووهان”. تناول فيه فترة انتشار المرض في ووهان وطرق الوقاية من الوباء ومكافحته من قبل السلطات الصينية، ونقل بواسطة هاتفه النقال وتعليقاته صورا وبث مقاطع فيديو مباشرة، كما كتب مقالات وردَّ على رواد مواقع التواصل الاجتماعي على صفحته الشخصية، بهدف التوعية والإرشاد حول الجائحة الغامضة.
الكتاب الذي ألفه أدهم السيد تضمن تجربته وآراءه أثناء إقامته في الحجز المنزلي في ووهان، وألقى الضوء حول الشائعات المتعددة التي ظهرت حينها، وهو يرى أن السياسة لعبت دورها في استثمار هذه الأزمة لصالح أمريكا ضد الصين.
“السؤال الآن” أجرت مع أدهم السيد هذا الحوار، لا سيما وأن أزمة ارتفاع عدد المصابين في الصين بمتحور جديد لكورونا، مع بداية هذه السنة واستمراره لأكثر من ثلاثة أشهر، أعاد لغة الجدل والاتهامات إلى الواجهة…
*منذ بداية انتشار كورونا في الصين نقلتَ بواسطة كاميرا هاتفك عبر مواقع التواصل الاجتماعي للعالم صورة هذه المدينة والإقفال والتدابير التي اتخذت، هل كان في رأسك إصدار كتاب، أم أن الفكرة جاءت لاحقا؟
ـــ طبعا عند بدء جائحة كورونا لم يكن يخطر في بالي إلا شيئا واحدا، ألا وهو: هل سأبقى في الصين؟ وبحال بقائي هل يمكنني أن أقدم شيئا يفيد البشرية في ظل هذا الواقع المجهول؟ ومن منطلق أن شعوب بلادنا لا توجد لديها معطيات حول أمراض الفيروس المعدية المشابهة لـكورونا، خطر في بالي فكرة البقاء وتوثيق الأحداث في ووهان للعالم بشكل عام، وللعالم العربي بشكل خاص، كوني أتكلم العربية، وفي أواخر عام 2020 خطرت ببالي فكرة أن أصدر كتابي حول تلك الأحداث.
كانت مهمتي منقسمة إلى شقين، الأول توثيق أحداث الجائحة، والشق الآخر هو محاربة المعلومات المضللة وتصحيحها للرأي العام.
*ما هي أبرز الأمور التي تناولتها في تصوير الواقع عن وباءٍ شلَّ العالم، وتسبب بأزمات صحية واقتصادية واتهامات سياسية؟
ــــ الكتاب هو مزيج بين تجربة شخصية عما عاصرته خلال تلك الأزمة، بالإضافة إلى تقييم عن مدى تطبيق الإجراءات الاحترازية ضد الوباء آنذاك، بالإضافة لشرح تسلسلي زمني عن بداية الوباء في المنظمات العالمية وفي الدول الكبرى وبالأخص أمريكا، وكيف أن الحرب الإعلامية لعبت دورا مهما في تشويه صورة الصين بهدف سياسي بحت.
*كيف تعامل الصينيون مع الأزمة في عيشهم اليومي وفي مواجهة الدعاية عن تسريب الفيروس من مختبرات ووهان؟
ــــ يعرض الكتاب بشكل مفصل ما عاصرته مع الصينيين في الدولة آنذاك، وما أثار دهشتي هو الالتزام الكبير من قبل أفراد الشعب، وهذا ما يعبر عن مدى ثقة الشعب بحكامه، على عكس ما يحدث في بلداننا العربية.
*اليوم عادت كورونا لتفتك بعشرات الالوف، وتعود الإجراءات إلى ما كانت عليه.. كيف تفسر ذلك؟
ــــ الإجراء الأول عالميا في ما يخص إغلاق مدينة بأكملها كان في مدينة ووهان والتي يفوق عدد سكان مقاطعتها الخمسين مليون نسمة، وهذا أول الأزمة، ومن ثم انتقلوا لاحقا في العام 2020 إلى إجراء التلقيح، فباتت الحياة طبيعية وصولا للعام 2021 حيث انتشرت في البلاد متحورات جديدة، فعادت البلاد إلى إجراءات الحجر الصحي مجددا، إذ ظهر متحور أوميكرون، والذي شكًل عاما صعبا على الصين عام 2022. بعدها بفترة، وبعد إقامة دراسات من قبل العلماء، اكتشفوا أن الفيروس بدأ يضعف شيئا فشيئا، لدرجة أن نسبة الوفيات من جرائه باتت ضئيلة، وأقل من نسبة الانفلونزا حتى، حينها أخذ القرار بتقليص الإجراءات الاحترازية لعدم ضرورتها.
*لقي كتابك اهتماما هل تفكر في رصد التطورات اللاصقة في اصدار جديد؟
ـــ تأليف الكتاب كان بالنسبة لي تجربة جيدة، ولكن في الوقت نفسه فإن الموضوع الذي تناولته أتمنى أن لا يعاد، وألا أضطر لإصدار كتاب يتضمن محاكاة مشابهة، الجدير بالذكر أني قمت بإصدار بحثين علميين إلى جانب كتابي هذا. وفي المدى المنظور لا توجد نية لي بإصدار كتاب جديد، وأترك الأمر للأيام القادمة.
*ماذا تقول عن هذه التجربة إنسانيا وعلميا، وكيف تنظر إلى تبعتاها وتأثيرها على الصعيد الشخصي والعام؟
ـــ هذه التجربة يمكن أن نتعلم منها على صعد شتى، فعلى سبيل المثال من أخطر ما تعلمناه هو قدرة البلاد الكبرى على تسييس الأزمات لأهدافها الخاصة، والضحية هي الشعوب، ومن بعد عرض الأزمة بتفاصيلها باتت للإنسان خلفية يبنى من خلالها أي أزمة مماثلة يمكن أن تصادف في المستقبل لهذه الجائحة.
أيضا عرض الجائحة في بلاد الصين، ومدى نجاح الحكومة في تلك البلاد على لجم الفيروس وحد انتشاره على كافة الأراضي الصينية، أعطى نموذجا رائعا يمكن الاقتداء به، لا بل يجب أن يلقى الضوء عليه، نظرا للايجابيات التي خلفت من ورائه، من إجراءات وقرارات ترفع لها القبعة حقا.