التجربة التشكيلية المركبة للفنان أحمد بن يسف
باريس- المعطي قبال
لما نتحدث عن أحمد بن يسف، من مواليد تطوان عام 1945، نتحدث عن فنان تشكيلي بقي وفيا لمحيطه وفضائه المزدوج: تطوان-إشبيلية. نتحدث عن فنان ركز كل طاقته في مشغول الرسم والتشكيل. ولربما هذا ناتج عن تربيته الفنية التي نماها منذ صغره قبل أن يصقلها لما سافر للدراسة لإشبيلية ثم هنغاريا.
مسار ونتاج أحمد بن يسف جدير بأن يكون مادة روائية كما يشير محمد المطالسي في المؤلف الذي خص به هذا الفنان الكسموبولي تحت عنوان “بن يسف، فرادة وثراء نتاج” والصادر مؤخرا عن منشورات مليكة. (172 صفحة).
في الصورة بالأبيض والأسود التي تتصدر الكتاب يبدو بن يسف، اقفا بمحترفه خلف لوحة لم يكملها بعد وهو ينظر إلى عدسة الكاميرا، الغليون في اليد اليسرى والعكاز في اليد اليمنى. تذكرنا هيئته بالرسام هنري ماتيس بلحيته البيضاء الكثة وملابسه السوداء. في الصفحة التالية جملة موقعة من مدينة سطات عام 2010 جاء فيها: “ولدت رساما وإن شاء الله، سأغادر هذا العالم، دائما رساما”.
وزع محمد المطالسي كتابه على ثلاثة أقسام رئيسية: القسم الأول خصه للإنسان بن يسف: مصير فنان. عالج القسم الثاني بن يسف والحقل الفني المغربي. في القسم الثالث والأخير قارب بنية النتاج مع دراسة إيكونولوجية.
لم يكتف المطالسي بتصفح المواد الإيكونوغرافية أو القصاصات والمقالات لكتابة هذه المونوغرافيا بل قضى يومين كاملين رفقة الفنان لمساءلته وتسجيل المحيط الذي يتحرك فيه بريستينغا التي يملك بها الفنان بيتا. ويعترف الكاتب أنه لم تتح له فرصة تصفح الأعمال بأكملها. غير أن هذه “لدراسة تقترح مساءلة ماضي أحمد بن يسف بالارتكاز على ما صرح به لنا ببساطة، بحماس ومودة في موضوع الأحداث المميزة في حياته والتي مكنته من تكوين شخصية مركبة، وذلك متابعة طريق بدل آخر والسير في المسارب السرية للإبداع”.
مسار أحمد بن يسف مرتبط في مراحله الأولى بمدينة تطوان المشبعة بتاريخ الأندلس.
ولد في 24 من أكتوبر 1945 بتطوان (تتحدث موسوعة الويكيبيديا عن تاريخ 26 أكتوبر !)، في أحضان عائلة محافظة حيث حرص الأب على تربية ابنه، الابن الوحيد بعد أربع فتيات، تربية دينية دفعته إلى إدخاله للمسيد لحفظ القرآن. أما والدته فلقنته التقاليد الشعبية. لكن في ثنايا هذه التعاليم الأسرية، نما بن يسف ملكة فنية وهي تعاطيه للرسم، الشيء الذي لم ينل استحسان والده. وهو بالقسم، كان يتعاطى للرسم بدل الانتباه ومتابعة دروس التاريخ والجغرافيا. حبا في الفن، تسجل، خلسة، في الدروس العمومية لتعلم الرسم. كان تسجيله بمدرسة الفنون الجميلة لتطوان خيارا صعبا، تحديا موجها للأب وخلاصا بالنسبة للفنان الذي تمكن من تحمل عشقه والانخراط في درب صعب لم يحد عنه. تابع إذا، على غير علم من عائلته، وبجدية دروس الرسم، التشكيل، النحت. ولما علم والده بالخبر، بعد أن أخبره رئيس لجنة الآباء، بتغيب ابنه، دخل الأب والابن في صراع لم ينته إلا فيما بعد. منذ تلك اللحظة اعتمد بن يسف على إمكانياته الخاصة لتغطية المصارف المترتبة عن دراسة الرسم. لاحقا وبفضل المعارض التي نظمها بكل من تطوان وطنجة، تمكن من بيع لوحاته وتأسيس شبكة من المتتبعين والمهتمين بأشغاله. واعترف له بقية الرسامين بتمكنه الفائق في مجال الرسم. بعد حصوله على دبلوم مدرسة الفنون الجميلة (1966-1967) غادر بن يسف المغرب متوجها إلى هنغاريا حيث التحق بمدرسة الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة لسانت إيزابيل. بعدها تلقى منحة من الحكومة المغربية. كان أول طالب يحصل على هذه المنحة. وعليه تابع لمدة 5 سنوات (1967-1972) دراسته بإشبيلية، حيث تعلم تقنيات جديدة وغير مألوفة. كانت إسبانيا آنذاك ترزح تحت حكم فرانكو الذي اعتبر الفن، مساندا من طرف الكنيسة الكاثوليكية، هرطقة. غير أن بن يسف حرص على جني ثمار إقامته بإسبانيا وذلك بتنظيمه لمعارض داخل المغرب وإسبانيا. حتى بعد نهاية حكم فرانكو، تابع بن يسف مشواره الفني من دون أن يتأثر سياسيا أو فنيا بهذه الواقعة.
ظهر بن يسف في الستينيات وفي ظرفية ثقافية وسياسية تميزت فنيا بانبثاق مواهب شابة بعضها سليل مدرسة الفنون الجميلة لتطوان والبعض الآخر سليل مدرسة الدارالبيضاء. انضافت هذه المواهب إلى الأسماء المؤسسة للفن التشكيلي المغربي الحديث من أمثال الشرقاوي، الغرباوي، الشفاج، بلكاهية، المليحي.
يتراوح أسلوب بن يسف بين الرسم التشخيصي أو التصويري، (بورتريهات، مناظر طبيعية، حيوانات وطيور، وبالأخص حضور الحمامة في لوحاته)، بين التجريد والانطباعية والواقعية.
<
p style=”text-align: justify;”> في هذه المونوغرافيا؛ حرص محمد المطالسي على مقاربة الرسام ونتاجه سعيا إلى سبر أغوار عوالمهما المركبة بل المعقدة والتي تنضح على سطح اللوحات الناطقة برغبة الإمساك بالمعاناة، الفرحة والابتهاج، وآثار التاريخ على الواجهات بإشبيلية أو تطوان أو شفشاون. وبذلك قدم للمهتم بالفن التشكيلي المغربي عملا نقديا يستحق الاكتشاف والمتابعة.