فرنسا والديمقراطية المغيبة
باريس- المعطي قبال
لم تنجح قوى المعارضة (يسار، فصيل من اليمين والوسط) في سحب الثقة من حكومة الوزيرة الأولى إليزابيث بورن، وبالتالي إلغاء قانون 49,3 الذي فعَّلته الحكومة الفرنسية لتطبيق قانون التقاعد. وما أن صوتت الأغلبية الرئاسية مدعومة بحزب الجمهوريين، حتى خرج آلاف المتظاهرين في أغلبية المدن الفرنسية للتظاهر ورفع شعارات مناهضة بالأخص للرئيس ماكرون، المهندس الحقيقي لمشروع تعديل نظام التقاعد. ولم يتردد بعض المتظاهرين في إحراق صور ماكرون. ويقوم هذا المشروع على تمديد الشغل لسنتين إضافيتين، فيما تطالب النقابات وأحزاب المعارضة والمجتمع المدني بالحق في التقاعد ابتداء من 60 سنة.
تفعيل قانون 49.3 سلاح قد يرتد على الوزيرة الأولى وعلى ماكرون. لذا ومباشرة بعد تصويت البرلمان لصالح إقرار القانون المذكور، تحرك هذا الأخير في كل الاتجاهات لدرء مخاطر الانفلاتات السياسية والأمنية، خصوصا وأن المتظاهرين، بإحراقهم لأكياس القمامات، تكسيرهم لواجهات المتاجر والمخادع، أظهروا أنهم لن يتراجعوا عن خطة العنف والمواجهة مع قوات البوليس والشرطة. لذا وضع ماكرون خطة لتجميع صفوف الأغلبية، إعطاء التعليمات لبعض الوزراء السياديين، فتح حوار مع رئيسي مجلس النواب ومجلس الشيوخ، فتح حوار مع رؤساء الأغلبية، إعطاء مقابلة للقناة الأولى والثانية..
هل ستعيد هذه الخطة الثقة في رئيس أظهر استفتاء نشرته “لوجورنال دي ديمانش” أن 70% من الفرنسيين غير راضين على سياسته؟
هل سينجح في تهدئة غضب النقابات، التي بتآلفها لأول مرة في التاريخ نجحت في تجميع صفوفها، وخوض إضرابات ضاغطة في قطاع الطاقة، النقل، النظافة، التعليم؟
لقد ربح ماكرون المعركة، لكنه لم يكسب الحرب مع النقابات ولا مع الفرنسيين، وهذا رهان غير هين عليه خوضه. لكن خسارته الكبرى هي معركة الديمقراطية، ذلك أنه بفرضه بالقوة لقانون 49,3، بدل إتاحة الفرصة للبرلمانيين فتح نقاش ديمقراطي في مسألة التقاعد، أعطى صورة حاكم مستفرد بالسلطة. كما أعطى فرصة للإعلام الأجنبي للتهكم على الديمقراطية على النمط الفرنسي.
غدا، خلال استجوابه من طرف القناة الأولى والثانية، هل سيصحح هذه الصورة ويقدم تنازلات تخدم المواطنين والوضع الأمني، أم سيستمر في سياسة «ليشربوا البحر»؟…
هذا هو السؤال، من بين عدة أسئلة، الذي يشدد عليه المحللون السياسيون وغالبية كبرى من الفرنسيين.
على أي، ستكون فرنسا يوم الخميس القادم على موعد مع المظاهرة الكبرى، التي ربما لكانت آخر طلقة ضمن سلسلة المظاهرات التي عرفتها فرنسا إلى الآن.
Visited 33 times, 1 visit(s) today