أفق: أدونيس في كتاب الغرب
يكتبه: صدوق نورالدين
1/
بات يصعب على قارئ الشاعر والمفكر أدونيس، ملاحقة إصداراته التي تتوالى تباعا من خلال دراي النشر: (الساقي/بيروت)، و(دار التكوين/ سوريا). تتوزع الإصدارات بين الدواوين الشعرية والكتابات الفكرية، إلى المختارات التي يقدم على إنجازها. والواقع أنه وهو في (93 سنة) من عمره، يؤكد على حضوره المتجدد على مستوى الكتابة والتأليف، إن لم أقل بأنه يحقق ما لم يتأت في مراحل سابقة من مساره الحياتي.
2/
أصدر أدونيس في (1961) ديوانه الشعري “أغاني مهيار الدمشقي”. حينها أسال نقودا كثيرة ركزت على مسألة توظيف القناع في الكتابة الشعرية. ويعود الشاعر اليوم إلى شخصية مهيار في محاولة لكتابة سيرة ذاتية مزيج الشعر و النثر، وتحديدا في خمسة أجزاء ظهرت تباعا، ومهد لها بالعتبة:
” لا يؤرخ الضوء لأشعته،
ما مضى يتسلل في ما يحضر
وفيما وراءه.
لما يحضر جذور تتمدد
في حقول ما يأتي:
تلك هي “دفاتر مهيار الدمشقي”
أمس الآن غدا”.
فهذه الدفاتر تختزل مسارا حياتيا وشعريا موثقا ومكثفا، حيث تتداخل اليوميات بالمذكرات وبالنص الشعري جوهر الكتابة والتأليف. يرد على ظهر الغلاف :
” في “دفاتر مهيار الدمشقي”، تبدو الوحدة بين أدونيس الشاعر ومهيار الرمز أكثر تفصيلا وأكثر وضوحا وأبعد توغلا في التساؤل حول الممنوع المكبوت المؤجل، أو الحميم وكل ما يرتبط بالصبوات والشهوات والرغبات”.
3/ تتعدد أسفار الشاعر و رحلاته. في هذا الأفق، لا يفوت أدونيس فرصة تدوين تلك الأسفار. بالتالي التعريف بها، خاصة لما تكون لأماكن معروفة وغير معروفة. معروفة جغرافيا بالاسم، وغير معروفة لما تتحقق الكتابة عن أبرز المعالم التي تتفرد بها. فالعين التي تقدم على التعريف، عين الشاعر المتميزة برؤيتها الجمالية. العين التي تركز على الطبيعة وما تتميز به من خاصات جمالية تبهر الرائي وتدفع به للكتابة عنها ومنحها معنى هي في أمس الحاجة إليه. يقول في ديوانه “أوسمانتوس”(2020) حيث الحوار والشجرة الموجودة في الصين:
” أنت، يا تلك الأشجار الصديقة في بلاد العرب،
أقرأ الآن تاريخا يهز جذوعك
تاريخا لا رأس له. مجرد معدة وقدمين.
لم تعد أي شجرة تلوح لأختها، يقول الهواء العربي.
لم يعد الوادي يتحدث مع جيرانه،
لم يعد الجبل ينحني احتفاء بصديقه.
ولماذا تتكلم همسا، تلك الأبواب التي تحيط بك، والتي تعانق
الريح؟ “
وأما في ديوانه “أدونيادا”(2022) ، العنوان المركب من أدونيس والملحمة “الإلياذة”، فيقع فيما يقرب من : 500 صفحة يتم التركيز فيه على الواقعي كما تقوله الذات، والأسطوري كما يحفل به التراث الإنساني عموما. ظهر الديوان مترجما إلى اللغة الفرنسية، ليصدر عن (دار الساقي) باللغة العربية. يرد في عتبة البداية التي تضيء شمولية المعنى الوارد في الديوان:
” 1
ما يكون الغد الذي
ليس إلا
آلة، أو إلها ؟
2
الأساطير مجروحة
وأنا لست إلا دما
يتدفق منها.
3
إنه الواحد الكثير ،
وآدم جرح في
شرايينه”
3/
يمكن اعتبار “كتاب الغرب”، أهم وأضخم أثر أدبي/ فكري أصدره أدونيس، حيث يقع في ما يقرب من (1000 صفحة) عن (دار التكوين/سوريا/ 2021) التي يديرها الشاعر سامي أحمد. سبق للدار نشر ديوان عن علاقته ببيروت في طبعة فريدة حجما وجمالية “بيروت ثديا للضوء” (2018) فيما يقرب من (1000صفحة) أيضا.
يضم “كتاب الغرب”، جماع ما كتبه الشاعر حول الغرب شعرا ونثرا. إذ أقدم الدكتور على محمد إسبر وهو أستاذ مادة الفلسفة في جامعة دمشق، على توثيق المادة واختيارها وهي المشكلة من يوميات، خواطر وقصائد شعرية كما سلف. والأصل أن لملمة المادة يقع تاريخيا بين (1971/2020). بمعنى أن “كتاب الغرب”، يوفر للقارئ حصيلة التصورات الفكرية والفلسفية لما جاء به وعبر عنه الشاعر أدونيس بخصوص العلاقة والغرب، و بالتالي مقارنة وما يحدث عربيا. يقول أدونيس في تمهيد قصير للكتاب :
” إنه عمل بالغ الأهمية، على مستوى الرؤية والاختيار، خصوصا عندما يقرن بالأحداث الراهنة في العالم العربي وبالجهد التقني الذي قام به الشاعر سامي أحمد، تنظيما وطباعة ونشرا.”
تحقق توزيع الكتاب إلى خمسة أقسام هي التالية:
أولا : قصائد تهجس بالغرب البعيد(يوميات/خواطر)
ثانيا: عذابات الغبار والريح
ثالثا: مسرح اللاشيء
رابعا: استشرافات من أجل الآخر
خامسا: فيما وراء التقنية والعولمة.
ولعل ما يمكن إضافته للسابق، الإشارة إلى أن قصيدة أدونيس الشهيرة “قبر من أجل نيويورك” (1971)، قد أعيد نشرها ضمن هذا الكتاب.
4/
أطلق الشاعر أدونيس حديثا وعن (دار التكوين)، سلسلة شعرية جديدة اختار عنونتها ب: (هي أنت). وهي السلسلة التي سوف تثري الثقافة العربية (2023)، إذ ضمت كتابات شعرية نسائية ظهر منها ديوانان:
_ ” رأس الوعل” ل “رامة وهبة”.
_ و ” كمثل السحب لا أعرف أين أقف” ل “نداء يونس”.
والواقع أن السلسلة تبين عن الرغبة في استمرارية الكتابة والتأليف، كما عن توق جيل جديد لإشهار
إبداعه وإعلانه للتداول والعموم. يرد في كلمة موقعة باسم أدونيس على ظهر غلاف الديوانين:
” _ هكذا، بدأت المرأة العربية تكتب شعر الدخول في عالم الأشياء الحميمة، وبدأت تقول الجنس بشعر هو نفسه شكل جنسي للغة نفسها.
الشعر، بوصفه حياة وحبا: ذلك هو الأساس العميق الذي تنهض عليه اليوم، كتابة الشاعرة العربية”.
5/
تبقى تجربة أدونيس في الكتابة والتأليف وخدمة الثقافة العربية جد متفردة، وتمثيل عن إضافات قوية للشعر والفكر العربيين.