نـَفـْخة في رماد لليوم العَـالمي للمسرح!!
نـجيب طلال
استسمح أيها القارئ المفترض: بقـَولي هذا أن”شيطاننا” ظل يُوسوسُ لنا منذ منتصف شهر أذار ؛ بالتأكيد ! شهر منعِـش للمخطط الأخضر، قبل اليوم العالمي للسعادة وللشعر وللمسرح! ولم تكفيه الوسوسة، فأمسى في هزيع الليل يحرضنا أن نصرخ صرخة مسرحية، كعادتـنا في اليوم “العالمي للمسرح” لكن “القرين” استيقظ من صمته، وانتظاريته، فأضحى يمنعُـنا من الصرخة؛ ويحاول أن يُـفشل دماغنا، ويشـُلَّ تفكيرنا كي لا نفكر ونكتب، عن يوم عشقنا الأبدي، عشق سيزيفي لمعانقة أريج ديونيزوس. فهل شيطاني على حق إلى أبعد ما ستحمله هاته الورقة من كلمات مبعْـثرة، كأيامنا؟ أم قريني على ضلال، لكي لا أخط على هاته الورقة ما ستطفو به قريحتي من كلمات، تجاه اليوم العالمي للمسرح؟ ولكن قريحتي هي قريني؟ إنّه (“قريني”) أوّل من يسَعى لصَّفاء سبلي، ومنطلقات تفكيري، إنه لم يتخل عني يوما ، إنها حقيقة الإحساس بذلك. ولكن من يدري؟ فهل تحول”شيطاني” إلى “قرين” ؟ أم العكس؟ ممكن، وليس مستبعـدا! لأننا نعـيش(الآن) زمنا ما هو عَـبثي ولا مشرق ولا سوريالي ولا اعتباطي ولا مظلم ولا عشوائي… ولكن هنا تذكرت ما قاله {أبو حيان التوحيدي} في كتاب«مثالب الوزيرين» [«إذ أنت مُخش مجَـش محِشّ، لا تهُـش ولا تبُش ولا تمْتـَش، فقال له فيروزان… كـَلّمنا بما نعْـقل علي العادة التي يمليها العَـمل، واللّه ما هذا من لغة آبائك الفرس، ولا لغة أهل دينك من هذا السواد، فقد خالطنا الناس فما سمعْـنا منهم هذا النمط، وإني أظن لو دعوت اللّه بهذا الكلام لما أجابك!» ولكن سمعْـنا مثل هذا الكلام في قبة البرلمان، ليتذكر القارئ المفترض (هـذا) لكن لماذا يحرضني شيطاني أن أصرخ؟ وقريني يحرضني أن نصمت؟هكذا سألت نفسي، ووقفت أتـأمل! وأفكر بدون سند. لأن كلا الطرفين ذهـبا في مهمة ديبلوماسية، حسب روايتهم.
طبعا في كل سنة نكتب عَـن “اليوم العالمي للمسرح” بجوارحنا؛ أعماقنا؛ ذهننا. كغيرنا من الإخوة الفاعلين والغـيورين على هذا الصرخ الفني/ الإبداعي/ الروحاني/ لكن لا تفاعل ولا استجابة ولا تغـيير في منظومة الاحتفاء وما بعْـده: موت مؤجل! وصمت شبه مطلق! بين فضاءات المدينة، أما البادية فلا تعْـرف المسرح، هكذا قالوا: عَـفوا هكذا زعموا! ولكن لماذا البادية عرفـت الزوايا؟ ثم انخرطت في الأحزاب السياسية؟ أليس هنالك رؤساء جماعات قروية؟ يبدو أن كلماتي هلوسات بعدما افترق عني قريني لحظة! أو لربما أضعـف من أن تجاوز سن القلم، بعْـدما انسحب شيطاني؟ ولكن ندرك بأن المعنيين (المسرحي) لايقرأون؛ وإن قرأوا فتلك الكلمات تتخندق في إطار اللامبالاة، وفي المنطوق الضمني أنت يا (هـذا) تنفخ في رَمادٍ. باعتبار أن ما دوِّن ويُدوَّنُ من أفكار ومقترحات وتحفيز للأمل، مجرد نـَفـْخة في رماد. أليس كذلك يا قـريني؟ هَـذا ما كـنت تود قوله: أنني أضيِّع وقتَي، ووقـتـك فيما لا فائدة فيه.
لنعـتـرف سويا أننا نـبْذلُ جهوداً لا طائِلَ من ورائها ! لأن المسرحي والفنان والمثقف تخلى عن أدواره الطلائعية واتجه أغلبهم يهَـرولون تجاه الريع والبحْـث عـن منافد المصادر المالية، أبرزها (الإشهار) للمواد الاستهلاكية والمعـيشية، التي أصيبت بسعـار الأسعار، وحولت المواطن إلى تائه، لا يدري أيـن المستقر! وفي المواد (التزينية / التكميلية) وإن أمست ضرورية كـ(الهاتف النقال – مثلا) فلم يـعُـد يلحقها المواطن/ المشاهد البسيط. هذا الأخير كيف سيثق ويتواصل بعَـطاء أي (مسرحي) ثم نتساءل أين الجمهور؟ ولكن لم نسأل من نـَفـَّره من متابعة العروض المسرحية وملء القاعات؟ رغم قلة العروض، ناهينا عَـن بعْـض من تفاهتها. وضآلة القاعات بمواصفات تقنية / تكنولوجية؟ أليست مسلكية المسرحيين/ الفنانين؟ لأن الإبداع الحق هو المخلص الأساس من القبح النفسي الذي يعْـتري البشر، ويسيء إلي علاقاتهم. فالمسرح الفعال صورة النفس. لكن اي مسرح سيكون فعالا ويرنو للتطور أمام مسلكيات وسلوك الانتهازيين والوصوليين، وصناع الظلمة! فالظلمة رمز للموت وللدمار، فهل المسرح في المغـرب بدأ الموت يقترب منه، أم أنني أتوهـم ؟ ربما لا أتوهم، مادامت عدة مكتسبات ضاعت في غفلة أمام صراع المسرحيين، فانتشرت الدسيسة والشرّ والكولسة والإقصاء والعداء بيننا، لنعترف بذلك؟ فهل اعـترفت وبرأت ذمتها تلك {الزمرة} في اليوم الدراسي(مؤخرا) والذي نظمته وزارة الثقافة المغربية حول القطاع المسرحي؟ بالعكس كان الإطراء والمديح والنفاق الإجتماعي كالعادة؛ وقبول الوصاية، لأن الفضاء (الفندقي/ المخملي) ينسف نضالية المناضل، ويدحض الأفكار والتصورات النيرة؛ إنها عملية بسيكودرامية من زاوية؛ ومن زاوية أخرى يستكين المسرحي المتحمس للتخدير اللاسلكي؛ الذي ينتجه (الفضاء/ الأوطيل) ربما أن شخصيتنا هشة / ضعيفة/ مهترئة/ أمام الإغـراءات ولو وهمية! ولقد أشرت إلى “الفندق المصنف” في أعلى درجات في إطار المهرجان العَـربي في دورته [13/ الدارالبيضاء] وأكررها هاهنا، لأن “شيطاني” أراد أن أصرخ: فالمسرح مهما حاولنا أن ندجنه؛ ونهربه لفضاءات بعيدة عن شغـب / حضور المهتمين والمتتبعين الحقيقين، وليس المزيفين. سيبقى جماهيريا؛ لأنه سليل الشريحة الكادحة، ومنبثق من الشعـب [الأثيني/ الإليجي/ الروماني] وليس الأنظمة! وبالتالي فأي مناورة تجاه المسرح، فأصحابها ورهطها ستنطبق عليهم (الآية الكريمة 83) من سورة الحجر: – فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُصْبِحــين. ولقد أخذتهم وهم لا يدرون بذلك.
ولكن ما أتعجب فيه باستمرار، هناك أصوات تنادي بخروج المسرح كنشاط أدائي للساحات العمومية، وهناك من يدافعون بقوة على مسرح (الشارع) حتى أن هنالك لجنة شاركت في اليوم الدراسي! وهناك من يقترح أن الفرجات المسرحية لا يمكن لها أن تتحقق إلا خارج اللعبة الإيطالية! فكيف لبائع النعناع الأخضر/ ولطالب معْـرفة أن يعـرف أهمية مسرح الشارع، حسب ماهو معروف عندنا (الآن)؟ ومناقشته مهربة حيث لا يصل إليها ذباب الله تعالى، قبل الذباب الإلكتروني، إنه اسم / صفة متميزة ومائزة. ربما الذي أطلقها أول مرة وُلـِد في مزبلة ! وهم الذين…
ألم يكـُفِّ حراس المسرح القديم، من تخريب المسرح؟ وساهموا في ردمه؛ واندحاره! لأنهم مستبدون بأيادي ناعمة، وبلاغة بيانية. لأنهم شعـروا ما مَـرة بأن مصالحهم في دهاليز مؤسسات القطاعات المشرفة، والفوائد النفعية خارج الوطن، مهددة ولن تدوم، فأرادوها أن تدوم، ولقد ساهمت معهم بعض الأيادي المسرحية، لكي تدوم؛ لأنهم متواطئون؛ ومستفيدين من الهبات والدعم والريع المحلي والوطني! لسنا ضد الاستفادة، ولكن بالفائدة المرجوة، والصادقة للفن الإنساني ونبل منبعه. فشكسبير كان يكتب لكسب المال. وفي نـَفس الوقت بهدف لجذب الجمهور الاليزابيثي في عصره.
ولكن حراس المسرح القديم، وبعض الحواريين، يهدفون لكسب المال وتهجير الجمهور المغربي من المسرح! وهاهم لازالوا يصهلون ويناورون حتى في اليوم الدراسي. أليسوا هم الذين اغتالوا مسرح الهواة؟ ونسفوا المسرح المدرسي بشقيه؟ وشوهوا مسرح الشباب؟ ورغم كل شيء فإن العديد من، الشباب المولعين بالفن الرابع، يرفضون اليأس والاستسلام ويصرون على مواجهة الواقع المؤلم الذي أوصل “شقهم” المسرحي لحافة الاندحار؛ على أيدي زبانية المحاصصة؛ والإفساد! هؤلاء ومن سعى لتشتيت المسرحين شذر مذر عبر تعدد النقابات، ألم يتحَـربؤوا لتنصيب أنفسهم جوانية اللجن، وكانوا مطأطئ الأكتاف، يشخصون من حيث لا يدرون فرجة (سيدي الكتفي) لأولياء نعمتهم؛ التي جعلتهم يناقشون ملفات العُـروض؛ ويساومون على دعمهم ! أليس كذلك يا شيطاني؟ ربما قـريني يرفض هذا. أعلم جيدا أن الصرحة هي نـَفـْخة في رماد أو صيحة في واد، ولكن ما دمت رفيقي؛ نسيت ما قـاله “عبدالرحمن الكواكبي” نفسه في توطئة كتابه: (وهي كلمات حق وصيحة في واد، أن ذهبت اليوم مع الريح، فقد تذهب غدا بالأوتاد..).
ولكن هل تصدقني إذا أنبأتك كيف طفرت من عَـيني دمعة، حينما سمعْـت أن هناك بعْـض المسرحيين يقدمون أظرفة لبعْـض المواقع الإلكترونية، من أجل تلميع وجودهم ؟ ومحاصرة هذا عن ذاك، لعْـبة قذرة، بالأيادي القذرة حسب رؤية “سارتر” إننا ندمر مسرحنا بأيدينا وليس بأيادي الآخرين . وهُـناك (صحفي) محسوب على الجسم المسرحي؛ قيل قلبا وقالبا ويدافع عنه من موقع نقابي؛ يصادر مقالات ودراسات تمس فكريا وثقافيا بعْـض الباحثين أو المخرجين، الذين يرشون عَـليه بعْـض الفتات، أو يستدعونه هنا أو هناك. ولكن عذره في عقليته التي تعِـيش زمن [الرايخ الثالث] فالمشهد المسرحي في مغـرب اليوم، بدوره مسرحا؛ ذو طبيعة [تراجيكوميديا] فكيف ياترى؟ سنحتفل باليوم العالمي للمسرح، لأننا عمليا سنحتفل على ممارستنا (نحن) وعلى سلوكياتنا لبعضنا البعض، كيف سنحتفل، ونحن تخلينا عن معاناة من عشنا معهم في الحواري والأزقة الرثة والضيقة، كيف سنحتفل ونحن تخلينا عن قضايا الجماهير؛ قضايا ساخنة تزيدها الأسعار لهيبا، وينضاف إليها القلق اليومي ليزيد للقضايا تعقيدا، أليس المسرح لسان من يرقصون على الجمر وبجِـلـْد الماعز، جـِلدُ العذاب اليومي، والبكاء المهموس والمعْـلن لأسر الهشاشة، فكل الأفكار والتجارب المسرحية / النضالية ، أمست مجرد أحلام أو كومة ريح معسول ذهبت أدراج الرياح، مثل هذه السطور التي يقينا، ستبقى صيحة في وادي ونفخة في رماد، واذهب أنت وشيطانك وقرينك لتحتفل باليوم العالمي للمسرح؟ ولكن فمن سيهمس هذا القول، نقول له بقول “المقابسات” لأبي حيان التوحيدي{… كذلك فاعلم أنك لا تصل إلى سعادة نفسك، وكمال حقيقتك، وتصفية ذاتك، إلا بتنقيتها من درن بدَنـِك وصِقالها من كـَدر جـِبـلَّـتـك}
فــاس، 25 مارس/2023.