رمضان الذي نريد!
الصادق بنعلال
العبادات التي شرعت في الإسلام واعتبرت أركانا في الإيمان به ليست طقوسا مبهمة من النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمال غامضة وحركات لا معنى لها. كلا كلا فالفرائض التي ألزم الإسلام بها كل منتسب إليه، هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة: محمد الغزالي.
يشكل الصيام قاعدة أساسية من قواعد إسلامنا الحنيف، هو فريضة دينية تحفل بكل ما هو رفيع وشامخ على مستوى القيم والمبادئ بالغة النبل والسمو. بيد أننا نسعى إلى استكناه أبعاده ودلالاته وتمظهراته على أرض الواقع، حتى لا يظل كما هو شائع في وسطنا الاجتماعي اليومي. الصوم ليس مجرد “امتناع عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الشمس إلى غروبها”! بل هو بالإضافة إلى ذلك خلق قويم وسلوك إنساني سليم في تعاطينا مع الذات والمجتمع والعالم. إن الأعمدة الأساسية للإسلام من صلاة وحج وصوم وزكاة ليست مجرد “أفعال” مجردة تحيا في دنيا الخيال أو عالم المثل، بقدر ما أنها تروم تقويم الأخلاق وترقية السلوك نحو الأجدى، لبلورة مجتمع متجانس متناغم ينبني على محددات العدل والحرية والكرامة، مجتمع يرنو إلى الفضيلة في أسمى صورها.
وفي هذا المسعى لسنا في حاجة إلى التنبيه على أننا بعيدون جدا من هكذا مطلب بالغ المكانة، يكاد أن يكون صومنا في هذا الشهر الفضيل تخليا عن الأكل والشرب لفترة زمنية محددة، في حين المرتقب والمأمول هو بذل الجهد من أجل إعادة النظر في مسلكيات غير سديدة، والعمل على القطع مع العادات والتقاليد والأعراف المتعارضة والمنطق الداخلي الوهاج للصوم. فإذا كنا مهيئين طيلة أشهر السنة لانتهاج سبيل النور والصواب، فإن شهر رمضان مدرسة نتعلم فيها مزيدا من الدروس والعبر والمضامين الروحانية المفصلية، أقلها الصبر والحِلم والمحبة والتسامح والصلح والأخوة .. بين الأفراد والجماعات.
لعمري لن يكون الصوم “سالما منعما” ومجتمعنا طافح بالصغائر مليء بالخطايا، فالاحتكار وارتفاع الأسعار والعنف المادي والرمزي والغش، والدهس بالأقدام على القوانين المنظمة للحياة العامة، والاستعداد لإشعال فتيل الخصومة لأتفه الأسباب، كل ذلك يعني من جملة ما يعني أننا في الغالب الأعم لا نجي من ثمرات رمضان إلا الهزال. قال الله عز وجل في الآية 183 من سورة البقرة: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”، فالغاية الأسمى والهدف المنشود من الصوم ابتداء وانتهاء هو العمل بطاعة الله ، عبر الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه، قصد استنبات مرتكزات الحياة الإنسانية النظيفة من الأوحال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. المتطلعة إلى غرس الفضائل ونشر قيم المودة والتضامن والتآخي والتراحم، ألم يطلعنا نبي البشرية محمد صلى الله عليه وسلم على أنه بعث لهدف واضح ومرمى صريح هو إتمام مكارم الأخلاق!؟