سيمون دو بوفوار – نيلسون أليغرين: أشعرتني نظرات عينيكَ بكوني فعلا امرأة
ترجمة: سعيد بوخليط
* الأربعاء 2 يوليو 1947
نيلسون،حبيبي.كم جميلة الرسالة التي بعثتها إليَّ ! جعلتني أبكي شوقا وأذرف دمعا فوق وردة بيضاء. أحبُّكَ، أنا سعيدة.
سعيدة لأنكَ أخبرتني بأنَّ هذا الحب جيد، وكنتُ مقتنعة بتلك الحقيقة.
بداية رسالتك طويلة، وحينما تأتي رسائلك على هذا المنوال يمكنني حينها إعادة قراءتها طيلة أسبوع بأكمله قبل استظهارها عن ظهر قلب، ثم تأتي التالية.
ثانيا، وصلتني سريعا، أرسِلَت يوم السبت والبارحة بين أناملي، طريَّة تنبض بالحياة.
ثالثا، خاطبتني بمتعة، وهدوء ثم محبة، كما لو نحن معا نقبع داخل مأوى بشارع وابانسيا (شيكاغو)، نستمتع بارتشاف أقداح نبيذ البوربون ، أو مستلقيين على السرير التوأم هناك في نيويورك، نثرثر، ملتصقين تماما.
هل تعلم، مدى خشيتي بداية من اتساع فجوة ابتعاد أحدنا عن الثاني،لاسيما وأن رسائلكَ الأولى تمسكت بموقف الدفاع، ولم تتضمن شيئا ذا أهمية ؛ تماما كاليوم الأول، بحيث بدوتَ منشغلا، أخرس، هاربا باستمرار.
مقابل ذلك السياق، أعتقد بأنَّكَ تدنو، هل ينتابكَ نفس الإحساس؟
أنا سعيدة بأنَّكَ حدثتني قليلا عنَكَ، مسألة أعتبرها مهمة جدا ، مادمتُ أرغب في معرفة الكثير.
أولا، لماذا تتوخى باستمرار الإبقاء على مسافة بينكَ والآخرين؟ مسألة مهمة لكنها تثير الفضول كذلك.
أستوعبُ الأمر جيدا لكن شريطة أن تحيطني بالأسباب.
ثانيا، وفق أيّ منحى خيب أملكَ الحزب الشيوعي؟
لا أستعجل جوابكَ، لكن في نفس الوقت أتطلع حقا بهذه المناسبة لو أمكنكَ التحدث قليلا.
حبيبي،
فخورة لفكرة أنكَ تشعر بمزيد من الوثوق بطاقتكَ وكذا دماغك، إذا “ارتديت ملابس داخلية حريرية”! اشترِ أيضا سجائر إن سيطرت عليكَ هذه الرغبة!
شيء واحد لايشعرني سواء بالسعادة ولا الافتخار، أقصد درس الفرنسية.
نعم، تواجدكَ داخل الفصل الدراسي، موقعه خلف الشخص صاحب العينين الكبيرتين والجاحظتين، ونصكَ المترجَمِ سلسلة أخطاء بحيث لم يبلغ مستوى تقييمه النصف، وفيما يتعلق بخطِّكَ الفرنسي، فلم أفهم شيئا يذكر. لستَ بالتلميذ النجيب.
عموما، سأرسل لكَ غدا كتابين ضمن عناوين مؤلفاتي، وآمل أن تتمكن مستقبلا من استلهام القدرة على تفكيك مضمونها.
قلتَ عن بداية علاقتنا بأنكَ كنتَ تجهل هوية مع من تتواصل. بدوري، لم أسمع قط عن اسمكَ، وضع في غاية الغرابة بخصوص حكايتنا معا.
أعلمُ يقينا بأنكَ جذبتَ اهتمامي حينما هممتُ بمغادرة شيكاغو للمرة الأولى، دون أن أعرف قط من تكون.
أذكر وصولي إلى مدينتكَ شيكاغو وأنا مجهدة نتيجة جدالات، أتعبتني أجواء العالم المجرَّد التي لاحقتني خلال أنشطتي في مدينة نيويورك، وتطلعي نحو التخلص من الشعور بكوني فقط امرأة ضمن إطار ”النموذج المثالي”.
هكذا، استعدتُ تحديدا أمام نظرات عينيكَ، الإحساس بكوني أساسا امرأة، فأعجبني الوضع لأنكَ أشعرتني بالمتعة. لكن ما الذي حدث بالضبط؟ هل انجذبتُ نحوكَ منذ الوهلة الأولى؟ لذلك تعمدتُ استئجار غرفة في الفندق.ثم سلبتَ مزيدا من اهتمامي بكَ طيلة اليوم، واستمتعتُ أكثر بعناقكَ وقبلتكَ، وكنتُ سعيدة وأنا أقضي الليلة صحبتكَ.
فقط خلال اليوم التالي، اكتشفتُ هويتكَ الحقيقية، مبدئيا كنتُ مرهفة الحس نحو الكيفية التي أحببتني بها، بعدها عشقتكَ بكل بساطة.
حاليا أحس كما لو أعرفكَ منذ فترة طويلة، قد جمعتنا صداقة طيلة حياتنا،رغم أن حبنا حديث العهد.
حبيبي،
أشعر ليلا ونهارا، بكساءِ عشقكَ، يحميني من كل شيء: ينعشني حينما يكون الطقس ساخنا، ويدفئني لحظة هبوب رياح باردة.
بقدر ماتحبني لن أشيخ بتاتا، بل ولن أموت.
عندما أتخيَّلُني بين ذراعيكَ، أحس داخل بطني بالرعشة التي تحدثتَ عنها، بينما يبقى الجسد بأكمله متألِّما.
مصدر الرسالة:
Simone de Beauvoir :un amour transalantique (1947 -1964); Gallimard1997.PP :56.59