مصطفى لخصم في زمن السقوط الحر…
عبد الرحمان الغندور
تضامنا مع المواطن مصطفى لخصم، الذي لا أعرفه، ولا تربطني به أية رابطة، أو قرابة، أو انتماء سوى أنه انخرط في مواجهة الفساد بأسلوبه الخاص، كما انخرطت فيها منذ أول الزمان.
ما حدث ويحدث اليوم لهذا المواطن المسمى مصطفى لخصم، أكبر دليل على السقوط المدوي للوطن بكل مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية والحزبية والجمعوية. فهذا المواطن لم يقم سوى بالقليل من واجبات المواطنة لفضح الفساد، فيتعرض بسبب ذلك لكل أشكال المواجهة والتصدي من طرف خدام الفساد في جميع مواقع التدبير بما فيها القضاء وقيادة الحزب الذي ينتمي إليه، (الحركة الشعبية) والذين يتبرؤون منه كأنه فيروس معدي، قد يصيبهم بوفاء الطهارة.
يتذكر من لا زالوا يحتفظون بذاكرتهم، أن شعبنا خرج في الأيام الغابرة، يريد إسقاط الاستعمار وتحقيق الاستقلال. فسقط الشعب، وتحقق استعمار جديد أشد فتكا من الاستعمار الكلاسيكي نفسه، برعاية قوم ينتمون إلى نفس الأرض التي كافح أبناؤها من أجل استقلالها.
ثم خرجت في زمن آخر فئات من نفس الشعب، تريد إسقاط رموز الاستعمار الجديد بالاحتكام للديموقراطية، فسقط مناضلو هذه الفئات بين قتيل ومختطف وسجين ومنفي ومشرد ومحروم من الرزق. وتربع المستعمرون الجدد على كراسي تدبير حياة الناس ومعاشهم.
ثم جاء ربيع كاذب، فخرج الناس من جديد، يتقدمهم شباب من جيل ما سمي بالاستقلال، وجيل سنوات الجمر والرصاص، وما تبقى من جيل مقاومة الاستعمار، يريدون إسقاط الاستبداد والفساد. لكنهم سقطوا واستأسد الفساد والاستبداد عن طريق الديموقراطية وما أفرزته صناديق الاقتراع النزيهة والشفافة جدا. وأصبح شعار “طحن مو” جوابا شافيا لكل من سولت له نفسه أن يرفع شعار الإسقاط.
لم يبق للناس ما يخرجون من أجله للتظاهر والمطالبة بإسقاطه سوى إسقاط الشعب نفسه. وهذا ما يحدث بالفعل. لذلك حين ننتبه للخريطة البشرية الشعبية في غالبيتها، نجد الساقطين أكثر من الواقفين الصامدين، “الطايح أكثر من النايض” وسبب السقوط هذه المرة، هو إصابتهم بفيروس قاتل ومتحول، خطير وفتاك، يسمى فيروس التفاهة والرداءة والضحالة والسفالة والسفاهة. وكل من أصابه هذا الفيروس، يسقط من تلقاء نفسه دون حاجة لآليات القمع والتنكيل، بل نتيجة لآليات الترويض والتدجين والتمييع والتضبيع والتجهيل، مما يؤدي إلى السقوط في مهاوي الاغراء والاسترزاق والإستطعام والانبطاح والوصولية والانتهازية… ولذلك سقط أغلب الشعب مدحورا، وأسقط بتصويته ” الديموقراطي ” تاريخا من النضال والمعاناة.
فأغلب المنتخبين المحليين وإلاقليميين والجهويين، والبرلمانيين، والوزراء، وكتاب الدولة، وأعضاء الدواوين، وزعماء الأحزاب والنقابات والموالين لهم، سقطوا سقطتهم الكبرى. وسقط لسقوطهم الكثير، من الجمعويين والمثقفين والأكاديميين، والعديد من الفنانين من مطربين ومسرحيين وسينمائيين…. والأغلبية الساحقة من الصحافيين والإعلاميين، وأصحاب القنوات الخاصة، والمحتويات واليوتوبيين والفيسبوكيين والتويتريين والواتسابيين والطوكتوكيين والانستاغراميين…. وأصبح السقوط يولد السقوط دون حاجة للإسقاط. ومن لم يسقط اليوم فهو مؤهل للسقوط غدا.
إننا نعيش زمن السقوط الحر بكل لغات العالم، free fall، la chute libre، freier Fall، caida libre
لم يبق لنا حقا ما نسعى لإسقاطه. فقط سقط كل شيء.
ومع ذلك، وبالرغم من هول هذا السقوط الشامل. وبعد كل ما قدمناه طول العمر، من أجل إسقاط ما اعتقدناه يستحق السقوط، أحرص كل الحرص على أن لا أسقط في فخ الرداءة والتفاهة والسفالة والسفاهة، وأن أساعد الآخرين ما استطعت، للتغلب على آفة السقوط، وفي ذلك أضعف مراتب النضال في ما تبقى من العمر.