الكتابة في عالم متخلف

الكتابة في عالم متخلف

مصطفى معروفي

    الكاتب الحقيقي هو انعكاس للواقع الذي يعيش فيه، وهو إذ يعبر لا مناص من أن يأتي تعبيره مغلفا بواقعه إن سلبا أو إيجابا. وبما أن الواقع العربي تجري فيه كثير من الأمور خارج السياق الذي ينبغي أن تجري فيه فهو عادة أو غالبا ما يكون غير مفصح عن نفسه بما فيه الكفاية التي تجعل الكاتب يتناوله عن تبصر وفهم لما يعتلج فيه، ولذا فقد تأتي نصوصه مشوبة بنواقص الإبهام أو الغلو أو الخلو من الدقة المطلوبة أو الوقوع في مطب الالتباس. ثم إنه ينبغي أن لا يغرب عن بالنا أن قول الحقيقة عارية في مجتمعنا العربي و خاصة في المواضيع التي تشكل طابوها قد تكلف الكاتب عنتا و تجشمه مصاعب لا حصر لها، مصاعب ربما تبدأ لكي لا تنتهي، حتى صار قول الحقيقة يشكل لديه عقدة مؤلمة وفوبيا لا يرد لها جماح.

السؤال هو:

   هل نلوم الكاتب في مجتمعنا إذا تجنب قول الحقيقة كماهي أم نلتمس له الأعذار في ذلك؟

إن الكثير من الكتاب يعون هذه الحقيقة ولكنهم لا يميلون إلى النكوص والامتناع عن الكتابة آملين أن يتغير الواقع إلى واقع أخر أفضل فيه تجد الكتابة مناخها الطبيعي، مناخا تمارس فيه بلا خوف ولا وجل، ويقتنع هؤلاء الكتاب أن استمرارهم في الكتابة هو ما سيمكنهم من خلق هذا المناخ، وأن انسحابهم ربما قد يزيد الواقع تأزما وتعقيدا وبالتالي سيؤخَّر حصولَهم على مناخ الكتابة الطبيعي إلى أجل غير مسمى قد يكون قريبا وقد يكون بعيدا.

   في اعتقادي الشخصي أن الكتّاب أصحاب هذه الرؤية هم متفائلون، والتفاؤل من سمات الكتاب العظام، إذ أن الكتاب المتشائمين هم عدميون أساسا، ولا شيء ترجى من الشخص العدمي المنفعة.

   وكما أشرت سابقا ففي واقع يتسم بالغموض والتعقيد يجد الكاتب نفسه ينتج نصوصا شبيهة بواقعه على الأقل إلى درجة ما، وفي هذا الأمر قد يتفهمه البعض من القراء، وذلك بتفهم وضعه العام داخل الواقع، بينما لا يتفهم البعض وضعه فيلاقي منهم صنوف الإعنات ويُرمى بالسطحية والسذاجة وما إلى ذلك من الصفات التي تسلبه أهم مواصفات الكاتب الألمعي القادر على جذب القارئ وحلحلة الوضع القائم على سلب الحريات والدعوة إلى مناهضته ومجابهته.

   إن الكاتب في العالم الثالث يعاني الأمرّين، فهو من جهة يجد السلطة والرقابة الاجتماعية واقفين له بالمرصاد، فهو لا يتحدث في موضوعات معينة تعتبرها السلطة خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، ويرى المجتمع أن الحديث فيها إنما هو استهتار بالقيم وضرب للثوابت، ومن جهة أخرى يجد القارئ لا يتفهم موقفه، فيكون هذا الكاتب عرضة للمشاكل النفسية والاجتماعية إلى درجة قد يفكر في التخلي عن الكتابة وقد يندم عن اليوم الذي أمسك فيه بالورقة والقلم وبدأ يدون أفكاره و ينشرها في الناس.

   وجوابا عن السؤال الذي طرحته أعلاه أقول:

   الكاتب ينبغي له أن يتحلى بالشجاعة لأنه بدونها لا يستطيع أن يكتب كتابة تخدم الفكر والأدب، كتابة ذات قيمة، و نحن ينبغي أن نلتمس له الأعذار في تناوله لبعض المواضيع التي ـ حتى لو أراد ـ لا يمكنه أن يستخدم في معالجتها إلا جزءا معينا من شجاعته، فيكتب عنها تلميحا أو إيماءا ويترك القارئ يتكلف بالبقية فيقرأ هذا ما بين سطور الكاتب ليصل إلى ما يسعى إليه هذا الأخير من قول وطرح لو أمكنه استعمال شجاعته كاملة غير منقوصة.

   الكتابة في العالم الثالث المتخلف لها محاذيرها و لذا كانت هي ذاتها تطرح نفسها كإشكالية في هذا العالم.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

مصطفى معروفي

كاتب وشاعر مغربي