ماذا بعد استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة؟

ماذا بعد استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة؟
حسين عطايا
    لا شك أن القرار الذي صدر عن مجلس الجامعة العربية في السابع من أيار – ماي في القاهرة، على مستوى وزراء الخارجية العرب ، القاضي بإعادة سوريا الى شغل مقعدها بجامعة الدول العربية وكل المنظمات والأجهزة التابعة لها، كان من أبرز الأخبار التي شغلت العالم العربي من محيطه إلى خليجه.
   فالبعض أدرك أن عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، خبر شكَّل صدمةً للكثيرين، بينما اعتبر البعض الآخر هذا الأمر مريحا للنظام السوري وانتصاراً لمشروع “سوريا الممانعة” المرتمية في أحضان بلاد فارس.
   وعلى الرغم من كون هذا القرار ليس هو بالموضوع السحري الذي سيعيد سوريا إلى الحضن العربي، وكأن شيئاً لم يكن، بمثابة حكم إعدام ضد الشعب السوري، حيث منح صك براءة للنظام السوري، الذي تفنن في تقتيل شعبه، ولم يترك أسلوبا إلا واستخدمه، من قتل وتهجير واعتقال وتعذيب.
 وبالرغم من كون القرار تضمن في متنه بعض الشروط، وترك للدول العربية حرية اتخاذ قرارها السيادي في تطبيع العلاقات مع النظام السوري، كما أكد على اجتماعي جدة وعمان، في أن العودة الفعلية ستكون “خطوة مقابل خطوة”، إلا أن تشديده على ضرورة إقدام النظام السوري على وقف أعمال تهريب “الكبتاغون” وباقي أنواع المخدرات وتصنيعها، والعمل على ضبط حدوده.
إلا أنه غاب عن سمع وزراء الخارجية العرب المجتمعين في القاهرة، أن إقدام النظام على وقف أعمال تهريب المخدرات والكبتاغون، هو مثل من يُصوب السلاح على رأسه، لأن موازنة النظام ووارداته، والتي تُقدر بما يفوق عن عشرة مليارات دولار، هي بأكثريتها، بنسبة ستون في المئة من عائدات المخدرات و”الكبتاغون”، الذي يقوم المقربون من رأس النظام بتصنيعها وتهريبها تحت قيادة كارتيل التهريب، وخصوصاً  ما يعرف تحت اسم “الفرقة الرابعة”، وطبعاً بالتعاون مع بعض المليشيات التي تدور في الفلك الإيراني.
   نعم ستذكر الشعوب العربية أن قرار إعادة النظام السوري وتمكينه من الشرعية قبل أن يُقدم أي اعتذار أو تنازل للشعب السوري، أو فيما يهم عودة النازحين السوريين، والذين تشتتوا في كل أصقاع الأرض، والأغلبية منهم في تركيا والأردن ولبنان.
   من هنا، كان القرار على مستوى الشعوب العربية  في غير مكانه، بينما على مستوى الأنظمة العربية يختلف باختلاف الأجندات السياسية، حيث يُعتبر بداية لافتكاك سوريا من المخلب الفارسي، وستُثبت الأيام والأشهر القادمة أن ذلك القرار خاطيء، لأن النظام السوري لايمتلك حرية قراره أو مستقبله. من هنا كانت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالأمس القريب، لتأكيد المؤكد، بأن سوريا القديمة قد انتهت، فسوريا اليوم تتقاسم أراضيها كل من روسيا والولايات المتحدة وإيران ومليشياتها وتركيا، وبالتالي فإن بشار الأسد لا يستطيع القيام بأي شيء أو أخذ قرار حر ومستقل، فرغم تقاسم بلاده بين دولٍ عِدة فهو يُدين لإيران بستين مليار دولار،  ما عدا عمليات التغيير الديمُغرافي والتشييع التي تقوم بها إيران على مستوى جغرافيا سوريا.
 
   قد يقوم نظام الأسد ببعض الحركات البسيطة، التي من شأنها ألا تؤثر بشكلٍ كُلي على “استراتيجيا المشروع الإيراني”، خصوصا في حال لم تستطع الدول العربية النهوض بمشاريع استثمار كبرى في سوريا، كي تُمكنها من القدرة على مواجهة تصنيع وتهريب “الكبتاغون”، واستبداله بتصدير شرعي من مصنوعات وإنتاجات سوريا، بدل أنواع المخدرات، وهذا الأمر يدخل في نطاق الصعب وغير المضمون.
إذاً، يمكن القول بأن القرار أتى في تاريخٍ وزمانٍ مختلفين، من حيث الوضع الصعب الذي يعيشه الشعب العربي السوري، وسنوات القهر السوداء التي يتجرعها من قمع النظام وأدواته وحلفائه.
   يبقى أن ننتظر المستقبل القريب لما سيحدثه هذا القرار  العربي، وما ستسفر عنه نتائجه المحتملة.
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *