العدوان على غزة وعرب التطبيع!

العدوان على غزة وعرب التطبيع!

عبد العلي جدوبي

  اشتعلت دورة جديدة من دورات العدوان الإسرائيلي على غزة، بواسطة غارات أربعين من الطائرات الإسرائيلية المقاتلة، استشهد خلالها عدد كبير من الفلسطينيين وثلاثه من قادة من حركة الجهاد الإسلامي حماس. ويشار إلى أن عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام الحالي بلغ 138 شهيدا، بينما قتل 19 إسرائيليا خلال نفس الفترة، حسب وكاله فرانس بريس. وتواصل فصائل المقاومة الفلسطينية المواجهة مع الكيان الصهيوني بضربات صاروخية تصل إلى العمق الإسرائيلي.. وفي هذا الصدد أعرب مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط (تورنيسلاندا)عن شعوره بـ”القلق العميق” من أعمال العنف الأخيرة، ووصف مقتل المدنيين بأنه “عمل غير مقبول”. فيما طالب البيت الأبيض جميع الأطراف وقف التصعيد، رغم اعترافه بحق إسرائيل في “حمايه نفسها”.!

   وترى تل أبيب أن التزام الولايات المتحده الامريكيه بأمن إسرائيل هو “التزام أخلاقي “أساسه أن إسرائيل هي واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط، كما حذر نتنياهو من أن أي تصعيد من جانب حماس في غزة سيقابله رد ساحق..!

وللتدكير،  فإن إسرائيل حققت منذ العام 1980 قفزات جديدة في علاقاتها مع واشنطن، حيث وقعت مذكرة للتفاهم الاستراتيجي عام 1981 دعمت حضورها   على كل الواجهات، وهذا الدعم الامريكي أتاح لها حسب المحللين السياسيين ضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية،  وشجعها على التمادي في تحديها للمنتظم الدولي، والاستمرار في اعتداءاتها المتكررة على الشعب الفلسطيني وعلى بعض دول الطوق، وهذا ما جعل الكيان الصهيوني لم يطبق ولم ينفذ بندا واحدا من كل الاتفاقات المبرمة، بل إنه تمادى في اعتداءاته المتكررة على الفلسطينيين وعلى العرب..

   قام الكيان الصهيوني بغزو لبنان، وأعلن ضم القدس والجولان، ودمر المفاعل النووي العراقي، وأغار على منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، واغتال رموزها وقادتها، وشرع في طرد الفلسطينيين من أراضيهم وتهجيرهم وفتح الباب أمام مهاجرين من الاتحاد السوفيتي السابق ومن اثيوبيا ومن بعض دول الساحل الافريقي، ومن دول أوروبا الشرقية، لتوسيع دائره المستوطنات ..

   فما الذي تغير بعد العديد من اتفاقات واللقاءات الفلسطينية – الإسرائيلية على مدى سنوات طوال؟ وما الجدوى من كل تلك المفاوضات إن لم تظهر نتائجها على أرض الواقع العربي الفلسطيني؟ وما هي الفائدة والنتائج المحصلة من عملية تطبيع بعض الدول العربية  مع إسرائيل؟!

   للتاريخ ذاكرة، والعرب كما يقول أعداؤهم – أو إنهم في الواقع أعداء أنفسهم – لا يقرؤون التاريخ، الأمر الذي عرضهم لأخطار متعددة،  وحملهم على دخول مواجهات ومغامرات عسكرية لم يكونوا مستعدين لها، بسبب مؤامرات ودسائس قوى كبرى وإقليمية، كان من نتائجها أن تغيرت خريطة الشرق الأوسط، وتبدلت بسببها معادلات ومفاهيم، ودخلت معها المنطقة سلسلة من الحروب، مما تسبب في مشاكل وتوترات دائمة، وخلق آثاراً مريرة تسيء إلى العلاقات بين  بين دول عربية وأخرى، وبينها وبين دول في قارة أخرى !

   ومن الصعب على أي مراقب أو محلل إغفال نزاع الشرق الأوسط، الذي امتد طويلا، والحرب الأهلية اللبنانية التي انطلقت شرارتها الأولى في العام 1975،  وحدوث الغزو الإسرائيلي الثاني على لبنان في العام 1982، وكان الهدف مرة أخرى هو محاولة إجلاء الفلسطينيين على المنطقة الأمنية الإسرائيلية باتجاه الشمال، وتضييق الخناق على بيروت الغربية للقضاء على الفلسطينيين نهائيا..  لكن المقاومة الفلسطينية أحبطت كل المخططات، بعدما اعتقد الإسرائيليون دائما بأن عامل الزمن سيعمل لصالحهم، وأن أهميه القضيه الفلسطينيه تتضاءل إلى أدنى حد مع مرور الوقت، ومن ثم تختفي تدريجيا.. لكن العكس هو الذي حدث، حيث ظلت المقاومة الفلسطينية  حاضرة في كل وقت وآن، تقوم بدورها البطولي الذي أربك مخططات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. أما العرب الذين هرولوا للتطبيع مع إسرائيل بدون مقابل، دون فرض شروط معينة، فلم يبتدعوا في مسعاهم باتجاه تحديث متطلباتهم لتحقيق سلام منصف ودائم (مبدأ الأرض مقابل السلام)، بل اكتفوا بتطمينات أمريكية لحل الصراع وفق حل سلمي يخص الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني !!

   إلا أن هذا المسعى كان يواجه بمواقف إسرائيلية متشددة تستمد على منطق القوة وهو ما يحدث الآن، وتعتمد على مبدأ الاستيلاء على المزيد من الأراضي العربية، وبناء العديد من المستوطنات التي بلغ عددها إلى نهاية العام 2020 إلى 90,000 وحدة سكنية في القدس، و13,000 في الشطر الشرقي من القدس الذي احتلته ضمته إسرائيل عام 1967 .

   فالحدود التي تشبثت بها إسرائيل هي في الحقيقة لا تضمن لها السلام،  وإن العوامل النفسية هي التي تقرر حالة السلام وحالة الحرب، في حين تظل تل أبيب متمسكة بمبادئ سياستها العدوانية منذ قيام كيانها في أرض فلسطين، والتي تتلخص برفض قيام الدولة الفلسطينية،  بالرغم من الدخول في مفاوضات عديده دون جدوى، وإن سياسة الهجوم المتواصل على الفلسطينيين، كما تعتقد إسرائيل، هي السبيل الوحيد لردعهم وتخويفهم، وبالتالي العزوف على المقاومة، والرضوخ إلى الأمر الواقع.. ويعترف صراحة نتنياهو أن الأهداف الأسمى لإسرائيل هي  سياسة الحرب الدائمة، واغتيال القادة الفلسطينيين الذين يعتبرهم يشكلون خطرا على أمن تل أبيب وعلى حاضر ومستقبل بلاده.

   وما يمكن تأكيده هنا أن الدور الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط لم يعد وفق ما كانت تعول عليه الأطراف الداعمة لإسرائيل، بل إنه بعكس ذلك أصبح عبئا على المنطقة وعلى العالم…!

شارك الموضوع

عبد العلي جدوبي

صحفي مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *