عناية الترجمة بالمعنى
عبد العزيز جدير
تعتبر الترجمة من أقدم الممارسات الإنسانية، ورغم بعدها الاجتماعي، خدمة التواصل بين الناس والتفاهم، فلها بعد أسطوري إذ ارتبطت نشأتها ببرج بابل، أي بلبلة لسان البشر وتفرقتهم، ولصعوبة التخاطب فيما بينهم شرعوا يترجمون. وقد تكون البشرية انتقلت من التواصل بلغة واحدة إلى عدة لغات. ومن يومها أصبحت الترجمة ضرورة ملحة للتقريب بين بني البشر، ولم شملهم، ومقاومة الوحدة. للقضاء على التعدد أم لتعايش المختلفين؟ أيبرر التعدد وجود الترجمة؟
والترجمة هذه كانت محور أول نشاط بعد استئناف فرع بني مكادة لجمعية الشعلة للتربية والثقافة. ويمثل هذا النشاط الدورة الثالثة من الأسبوع الثقافي..
تساءل، محمد بوزيان، في البداية حديثه هل وجدت الترجمة لخدمة البشر، وخدمة الأدب وهل كانت رحمة حلت بالبشر؟ لعل الأمر أن يكون كذلك. ثم أورد عدة تعريفات لعدد من المهتمين بالشأن الترجمي، وكان يتأبط قبل بداية النشاط كتاب أحد شيوخ هذا العلم المعاصرين (إمبرتوإيكو، “أن نقول الشيء نفسه تقريبا”) إن الترجمة تمكن من تملك القارئ للعمل الأدبي، وتساءل مع السان جيرم هل نترجم الكلمات أم المعاني، لأن الترجمة تعبير عن المعنى بالمعنى، وإذا قال الإيطاليون إنها خيانة فالخيانة وفاء للنص لأنها تمكن من التعاون مع النص والكاتب في اللغة الأصل، ثم أشار إلى الخيانة التي ارتكبت في ترجمة القرار الأممي (242) الخاص بالأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة (1967) كما تقول الترجمة الفرنسية والإسبانية، لكن الصيغة الإنجليزية تشير إلى الانسحاب من أراضي (1967)..
وذلك كما حدث لما كان الرئيس الراحل محمد مرسي يلقي خطابه وهو يثني على الثورة السورية وأكد تضامنه معها، وكان المترجم شيعي المذهب فترجم العبارة بالتضامن مع الثورة البحرينية مما أحدث للرئيس الراحل بعض المشاكل.
ويحدث ألا تعرف نصوص كاتب كبير الترجمة المناسبة، الموفقة، مثلما حدث لأعمال نجيب محفوظ حين ترجم إلى اللغة الألمانية..
وقد ترجمت النصوص المدرجة في كتاب “مأساة غريغوريو” مع عنوان فرعي “قصص مختارة من الأدب العالمي” عن اللغة الإسبانية؛ وهي لغة وسيطة بالنسبة لبعض النصوص منها النص الأطول والأهم وهو “مـأساة غريغوريو”، وقد ترجم مرات إلى اللغة العربية واختير له من العناوين “المسخ”، و”التحول”… ويبرر هذا الأمر أن العالم العربي تعرف على إبداع دوستويفسكي عبر ترجمة اعتمدت لغة وسيطة هي الفرنسية أنجزها الرائد سامي الدروبي. وأما القصص المكتوبة باللغة الإسبانية فقد تعرف عليها المترجم واختارها لأنها كانت “موضوع دراسة وبحث في ورشات الأدب الإسباني التي كان يؤطرها الأستاذ سيرجي رويث بمدينة طنجة لخمس سنوات”.
وفي كلمته، أشار محمد العمراني إلى عتبات منها العنوان “مـأساة غريغوريو”، والعنوان الفرعي المشار إليه آنفا مع ورود أسماء أصحاب القصص المترجمة على الصفحة الأولى من الغلاف قبل عنوان الكتاب. سبعة يكتبون باللغة الإسبانية ماركيز، وأنا ماريا ماطوطي، وخوان رولفو، وخوليو كورطاثار، وأوجوستو مونتيروسو، وخوليو رامون ريبيرو، وتشيكي واحد (فرانز كافكا)، وإيبرلندي (أوسكار وايلد)، وروسي (تشيخوف). ويشير المترجم في المقدمة إلى أن من بين مسوغات الاختيار تميز تجارب الكُتاب، والإعجاب بهم. وما رأى محمد العمراني في الترجمة عن لغة وسيطة نقصا قد يلتهم من النص المترجم بعض سعته، لأن هذا الأمر شكل تقليدا منذ ترجم ابن المقفع “كليلة ودمنة” عن الفارسية. ولإبراز قيمة النصوص المترجمة أشار إلى خصوصية تجربة كورطاثار الذي عني بالتجريب، والتجريب على مستوى الشكل، وخلخلة البناء..
وفي كلمته، أشار مبارك الغروسي إلى أن الترجمة مفاوضة بين المترجم والنص، وأن اللغة الوسيطة ضرورة حضارية، وأن العنوان لا يحتاج ترجمة بل الترجمة تحتاج عنوانا، ولذلك وجب على المترجم مقارنة الترجمات الإسبانية لنص كافكا للاستفادة مما أنجز. ورأى أن عنوان الترجمة العربية لكتاب “الكوميديا الإلهية” ليس موفقا، بينما توفق ابن رشد في ترجمة كلمتي كوميديا بالهجاء، وتراجيديا بالمدح لأن الكلمتين من قلب الثقافة العربية. وتتجلى هذه العناية بالعنوان أيضا في عدم التصاق عنوان الترجمة بالعنوان الأصلي، مثل ترجمة رواية باولو كويلو “الخيميائي” بالاحتفاظ بالعنوان ذاته، بل اختيار “ساحر الصحراء” مثلا كما جاء في ترجمة مصرية للنص ذاته تميزت بالحرية. وأشار الغروسي إلى عدم عناية هذه الترجمة بالروابط بين الجمل، والبياضات بينها، وعلامات التنقيط. كما أكد على أن الاطلاع على اللغة الألمانية، ولو عبر الاعتماد على قراءة گوگل، سيبين أن اسم الشخصية الرسمية هو گريگور زامزا..
وانتهى اللقاء بحوار بين الحضور والمترجم ومقدميه..