أممية اليمين الفاشي في مواجهة اليسار

أممية اليمين الفاشي في مواجهة اليسار

المصطفى روض

     ما يحدث اليوم في الساحة الدولية من تحولات سياسية واجتماعية لا تؤثر بالسلب فقط على الديمقراطية وثقافتها وآلياتها، بل إنها تؤثر، وبشكل أكثر خطورة، على المجتمعات من خلال اجتثات مكتسباتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والرمزية، وهو الأمر الذي يثير انشغالات كبرى عند بعض المهتمين والمراقبين الموضوعيين.

     إن هذه التحولات الجارية اليوم في التشيلي، كولومبيا، البرازيل والمكسيك… يتحكم في مقودها اليمين الفاشي المتطرف الذي لا علاقة له باليمين الليبرالي التي تتصارع أحزابه في بلدان أوروبية على أرضية قوانين اللعبة الديمقراطية ولا تتجاوز شروطها وأحكامها ويكون التباري على أساسها حرا ونزيها وكل تجاوز قد يتعرض للمحاسبة، مع العلم أن أوروبا نفسها مهددة بخطر الانتشار الواسع لليمين المتطرف وبترسيخ ثقافته الفاشية من خلال الوسائط الإعلامية، وفي مقدمتها وسائط التواصل الاجتماعي، ووصولها إلى السلطة في إيطاليا والسويد إلى الحكم هو من المفارقات الغريبة التي تؤشر على أنه سيعمم هيمنته على السلطة في العديد من البلدان رغم أن أحزابه تعتمد برامج وخطابات سياسية عنصرية. 

    ومن يتابع هذه التحولات التي تفرضها بقوة أنشطة أحزاب اليمين الفاشي في بلدان أوروبا وأمريكا اللاتينية يلاحظ أن ثمة خيط رابط بينها فيه انتظام قوي وتنسيق واضح المعالم لتقوية ما يمكن تسميته بالجبهة الأممية اليمينية الفاشية بزعامة، “سانتياغو اباسكال”، زعيم حزب فوكس الإسباني، من أجل هدف كبير وواضح و هو تقويض دور اليسار  الديمقراطي وإجهاض مشاريعه الاجتماعية حتى لا يتمكن من إخراج المجتمعات التي حظي بثقتها من مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية على اساس الحيلولة دون تطبيق برامجها السياسية والاقتصادية التي على أساسها نجحت في الانتخابات وتسلمت سلطة الحكم بعد أن حظيت بثقة الشعب، وبالتالي، هناك استراتيجية إعلامية وسياسية تتبعها أحزاب هذا اليمين الفاشي تتجاوز القوانين وروح اللعبة الديمقراطية بقواعدها المتعارف عليها تفاديا لإشاعة الحرية داخل هذه المجتمعات وسلبها بالقوة حتى لا تتمكن من امتلاك وعي مطابق لمجمل المشاكل والمعضلات الحاجزة لتطورها واستعادة الكرامة المهدورة من قبل أنظمة الاستبداد والتي لا يخجل هذا اليمين من التبجح بثقافتها رغم أنها كانت أنظمة دموية وانقلابية وشمولية  كرست السياسات الليبرالية المتوحشة واستباحت إقامة روابط التبعية للولايات المتحدة الأمريكية التي خدمت هيمنتها على المجال السيادي والسياسي والاقتصادي كما خدمت احتكارها للموارد الهامة التي كانت تطعم بها اقتصادها الضخم من خلال شركاتها الاحتكارية.

   إذا كان انهيار المعسكر الاشتراكي بداية التسعينات يعد من الناحية التاريخية والايديولوجية انتصار للقوى  الراسمالية العالمية لأن ذلك، بالنسبة لها، استهدف سقوط العديد من الأحزاب الشيوعية التي كانت من خلال تجربتها الاشتراكية المحققة، تصارع من أجل تعميم تلك التجربة على كافة بلدان الجنوب ومن أجل سحق هيمنة أنظمة الراسمالية العالمية داخلها حتى تستطيع شعوبها التحرر من استغلال ثرواتها و مواردها الاقتصادية ومن هيمنتها السياسية و من احتكارها الشرس حتى في المجالات الثقافية؛ فإن انتشار قوى اليمين المتطرف اليوم و تقوية ثقافته الفاشية وتعميمها في العديد من البلدان، قد يشكل انتصارا آخر سوف لن تستفيد منه سوى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، وربما، الأخطر فيما قد يأتي به انتصارها مستقبلا هو ذوبان روح الليبيرالية الديمقراطية لتتبلور على انقاضها تحالفات وثيقة بين الراسماليات العالمية وقوى اليمين الفاشي حتى تسود الفوضى ليكي تتوفر لهم فرص التحكم في التحولات السياسية والاقتصادية التي تمكنها من الإلغاء  النهائي لدور الأحزاب اليسارية ومواجهتها بأساليب استبدادية حرمانا لها من حقوقها الديمقراطية وابطالا لديناميكيتها النضالية خصوصا وأن الرهان الذي تقبض بتلابيه قوى اليمين الفاشي، كما بدأ واضحا في كولومبيا والتشيلي، هو محاولة لإنتاج ما يمكن تسميته بـ “مجتمعات اليمين” المتحررة في نظرهم من الشيوعية والاشتراكية التي يتهجمون على قيمها استنادا على تجارب حكومات شعبوية فاشلة واستبدادية التي حكمت شعوبها باسم الاشتراكية علما أن الاشتراكية الحقيقية بريئة كل البراءة سواء من ادعاءات من حكموا تلك الشعوب (كوبا، فنزويلا، نيغاراغوا، بوليفيا..) أو من أكاذيب و اباطيل قوى اليمين الفاشي التي تصدح صباح مساء من خلال وسائل اعلامها بأصوات مليئة بالأكاذيب والافتراءات في حق الفكر التقدمي وضمنه الفكر الاشتراكي والشيوعي  حتى لا يصوت الناس على الأحزاب اليسارية التي تتبناه منهجا وممارسة واستراجية.

(في الجزء القادم سنتطرق لمظاهر الممارسات الفاشية لأممية اليمين المتطرف)

Visited 17 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

مصطفى روض

صحفي وكاتب مغربي