السينما كأحد الفنون الديمقراطية

السينما كأحد الفنون الديمقراطية
 
باريس-المعطي قبال
 
      بعد سنتي الكوفيد العجاف استردت قاعات السينما، على مهل، عافيتها كما استأنفت المهرجانات أنشطتها الموسمية أو السنوية. ويأتي مهرجان كان، أكبر مهرجان سينمائي عالمي، في نسخته 76 ليوفر البرهان على تعافي المهرجان والسينما بشكل عام. هكذا عقدت الصلة مجددا مع السجاد الأحمر، مع صعود الأدراج، قاعات العروض، بدلات السموكينج وفساتين آخر صرعة وليالي الصخب… إنها أحلام من صنع شركات الإعلان الكبرى التي تغدق بسخاء على المآدب والنقل واللباس. غير أن هذه الأحلام الجديدة تتعارض مع ماهية السينما التي نشأت على شكل عروض عمومية وجماهيرية في الساحات العمومية لما كانت السينما أحد الفنون الشعبية الموقظة لأحلام البراءة.
   هنا تطرح مسألة علاقة السينما بالديمقراطية. هذه التيمة هي التي يعالجها ويقف عندها كتاب «السينما والديمقراطية» لجان ميشال آرنو، الصادر عن منشورات تيليماك في 221 صفحة. والمؤلف يشغل منصب مدير قصر المهرجانات وهو مكلف أيضا بإنجاز مشروع «المتحف العالمي للسينما ولمهرجان كان». فالبلدان الديمقراطية هي التي ساد فيها إلى وقت قريب نموذج الشاشة الكبرى المجانية التي يحج إليها مساء ملايين المتفرجين للتسلية والتثقيف.
   وقد سبق لشارلي شابلن وهو أحد مؤسسي الثقافة السينمائية الديمقراطية أن قال بأن «السينما هي ديمقراطية الفن»، وأنها تشكل في المعاش اليومي لكل واحد منا مكونة أساسية. وتقدم الإحصائيات في هذا الشأن برهانا على ذلك، إذ يتردد كل عام على قاعات السينما قرابة 7 مليارات من الأشخاص في العالم.
   بفرنسا بلد السينما، تعتبر السينما الفن الأكثر رواجا والفن المفضل لدى الفرنسيين. كما أن السينما في هذا البلد تستفيد من شبكات واسعة لصالات السينما الممولة من طرف السلطات العمومية. غير أن هذا الفن كما أظهرت سنوات الكوفيد يمكن أن ينهار بسرعة تحت تأثير أية جائحة كما يمكن أن يفقد تأثيره بفعل منافسة منصات الستريمينج من أمثال نيتفليكس، أمازون، ديزني التي أمطرت المشاهدين بوابل من الأفلام لما كانت قاعات السينما مغلقة..
   على أي يذكر مؤلف هذه الدراسة بأن الثقافة في جوهرها سياسية. كما أنها تخلق وتصلح الرابطة الاجتماعية. لذا فهي بدون ثمن لأنها استثمار في خدمة المجتمع. وأنها ملك أساسي بالنسبة للأنظمة الديمقراطية. وأن السينما هذا الفن الأكثر ديمقراطية من غيره هو افضل ممثل لها. بصفته «أغورا معاصرة»، فإن الفن السابع هو تجسيد لتجمع الشعب ضمن مخيل مشترك، هو مجال للنقاش وفي نفس الوقت سوقا، ملكا عموميا ومكانا لتجلي وانجلاء الحقيقة . لذا فإن السينما هي هذه «الأغورا المظلمة » التي تنهل منها رغباتنا الديمقراطية لمحاربة العزلة والانكفاء على الذات.
Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".