يوميات من زمن كرونا 2020

يوميات من زمن كرونا 2020

 د. لطفية حليم

     اعتادت على مشاهدة الأفلام زمن كورونا.. تشاهد فيلم «سوليكا»، التي أُعدِمت سنة1834، في زمن جميل كانت (فلسطين) فيه حُرَّة، لا وجود لإسرائيل، ولا للفظ “التطبيع”. لم تتابع الفيلم؛ لأن الأحداث مُتذبذبة والمخرج متصهين. وهمَّت بمشاهدة الأفلام التي تتعلق بطبيعة الحياة في فلسطين على الخصوص سنة 1920، لتقف على الأدلة التي تُثبت وجود دولة كاملة لفلسطين.

تستأنس بمشاهدة فيلم “فلسطين 1920″، الذي فاز فيه المخرج الفلسطيني (أشرف المشهراوي) في مهرجان كان. استطاع المخرج تقديم صورة لأهم المعالم الفلسطينية، بمعالجة فنية وموضوعية مميزة، وردَّ من خلال هذا الفيلم على رواية الاحتلال التي تزعم أن فلسطين أرضٌ بلا شعب. تهمس:

– فلسطين ستعود لأهلها كما عادت الجزائر بعد احتلال دام أكثر من مئة سنة.

تتذكر أن سِبْطَتها (مِيلا) هي التي رَشَقَتْ بِرْوَازَ اللَّوْحة الزيتية التي رسمتها (ماري). جعلت تخفِّف وجع احتلال فلسطين، وتغني، وكأنها فيروز: “القدس زهرة المدائن“.

تقلِّب أركان دارها في زمن كورونا، وأحداث فيلم “فلسطين 1920” تدور برأسها. تجد أن بعض الأحداث تزامنت مع نسج زَرْبِيَّة جدتها رُقَيَّة، يوم 8 مارس 1920، الذي قامت فيه مظاهرة في القدس، وكان المتظاهرون يهتفون:

 لا صهيونية، ولا هجرة يهودية! لا استيطان، ولا كيان! حرية.. واستقلال.. وحدة عربية!

مرَّت مئة سنة على نسج زَرْبِيَّة رُقَيَّة، والزَّربِيَّة نوع من السُّجَّاد.. وقد وَكَّلَتْ أَمْرَ تَرْقِيعها لصديقات أجمل العمر، اقتداءً برأي صديقتها الطبيبة الدكتورة (لميس). بعد أن سئمت من البحث عن موعد آخر للطائرة من (الدار البيضاء) إلى (مونتريال). وهكذا كانت تُقَلِّب أطراف زَرْبِيَّة بَهَتَ لَوْنها، زمن كورونا سنة 2020.

يُخيَّل إليها أنها ترى جدتها (رُقَيَّة)، بأظفارها المخضبة بالحناء، وهي تنسج زَرْبِيَّةً.. فيما كانت تستنشق عطر الأَرْز، وتنشرح بِنُدَفِ الثلج.. تكاشف من خلال الأَرْز والثلج حضارةً ذات علامات منسية، مليئة بالتفاصيل الرمزية، تحكي حكايات الحياة والموت، الوجود والعدم.. تتجلى لها الحياة ويختفي الموت. أجل، إنها ترى (فلسطين) حُرَّة.

صادفتها كورونا يوم ذبح خروف العيد 2020، بمدينة الرباط، وهي ما زالت تنفض الغبار عن زَرْبِيَّة جدتها، وتبحث عن تذكرة سفر إلى مونتريال. نصحتها صديقتها (لميس) أن تُرَتِّقَ فَتْقَها، رُقْعَةً، رُقْعَةً، بِرُفْقة صديقات أجمل العمر، لتخلق من الرتق ثقافة جديدة. (لميس) طبيبة خبيرة بفيروس كورونا، تنبهها إلى أنَّ رَتْق الزَّرْبِيَّة يُساعد على جلاء أشباح كورونا، والهروب من هلع الموت، والدخول في سِلْمِ الحياة. والسؤال المطروح الآن:

 من صنع كورونا؟ الله؟ الطبيعة؟ المختبرات؟ أغنياء العالم دَبَّروها لامتلاك الأرض وحدهم؟

رسومات جَدَّتها تُفصِح عن الذات الأُنثوية. رَتْقُ فَتْق الزَّرْبِيَّة بمئة رقعة ورقعة تعيد إليها الحياة.. تختفي الفجوات برُقَع على شاكلة جلابة سيدي (عبد الرحمان المجدوب)، بمختلف ألوانها، التي يغلب عليها اللون الأصفر. تُرَتِّق وتُرَتِّق.. وتحرِّك البحث عن موعد آخر للطائرة من الرباط إلى مونتريال. رَهَقَ قَتَرٌ انعكس على محيَّاها، عندما علمت بتَوقف خطوط الطيران. ظلت عالقة بأرض أجدادها، تقلِّب زَرْبِيَّة جدتها (رُقَيَّة)، وكأنها (عبيدالله بن قيس الرُّقَيَّات):

رُقَيَّةُ تَيَّمَت قَلبي

فَواكَبِدي مِنَ الحُبِّ

وَقالوا: داؤُهُ طِبٌّ

أَلا بَل حُبُّها طِبّي

نَهاني إِخوَتي عَنها

وَما لِلقَلبِ مِن ذَنبِ!

وها هي في مخدعها تقرأ على صفحة صديقتها (لميس):

كُورُونَا علامة على السقف الذي وصلت إليه أوضاع القيم الكونية.

تبتعد عن كُورُونَا بمئة رُقْعَة ورُقْعَة. تنشر على جِدارِها “الفيسبوكي” كل يوم رُقَعًا بأنامل صديقات أجمل العمر- وكانت قد افتتحت أول رُقْعَةٍ صديقتها (لميس)- مُؤمِّلةً أن تكتمل مئة رُقْعَة عند عودتها إلى مونتريال. لتبتعد عن كورونا وكوابيسها، ركزت حُلمها على الحصول على مئة رُقْعَة كتابية من صديقات أجمل العمر. تردِّد:

– (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا).

ترى على الزَّرْبِيَّة أثر فَتْق ورسومات باهتة، تعكس انهيار السياسة العالمية، وفساد القيم الكونية، واحتلال فلسطين. ترى صِباغَة الزَّرْبِيَّة يغلب عليها اللون الأحمر، وكأنها خليطٌ من عصير زَهْر النُّعْمان وحَبَّات الرُّمان. الألوان تتعارض وتتماثل، بين مُقَدَّس ومُدَنَّس، بين عرس ومأتم، بين زغرودة وعويل.

ثمَّة أناس وطئت أقدامهم زَرْبِيَّة (رُقَيَّة) منذ زمن احتلال الفرنسيين المغرب.. وقبل احتلال فلسطين.

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

لطيفة حليم

أديبة وروائية كندية وأكاديمية من أصول مغربية