كلنا عالوطن…؟!

كلنا عالوطن…؟!

محمود القيسي

كلنا عالوطن كلنا عالعلم

كلنا سقطنا من عيون الزمن

سيفنا رهينة سيفنا والقلم

كلنا عالوطن كلنا عالعلم

لم يكذب السراب يومًا (نحنُ) مَن اعتقدناه ماءً.. عذرًا سيدتي ومعذرة، عذرًا ايتها الأرزة اللبنانية ومعذرة.. عذرًا ايتها الشامخة عبر التاريخ ومعذرة.. في لبنان أحيانًا، بل في معظم الأحيان في لبناننا يكون من يدّعي الوطنية.. ويدّعي الشرف والأمانة… من يحمل المسؤولية بإسم الديمقراطية، والقوانين التشريعية، والتنفيذية، والوطن، والمواطنة والوطنية هو (المعطل الحقيقي) و (اللص الحقيقي).. هو وزملائه لصوص المغارة – مغارة علي بابا وشركائه من الميليشيات واللصوص والحرامية في قلب الرئاسات الأولى والثانية والثالثة.. من فخامة الرئاسة إلى فخامة التشريعية إلى فخامة التنفيذية.. وإلى محيطها، وإداراتها ودوائرها، والمربعات الأمنية، وأبعادها الثلاثية، والأبعاد السبعة، ووهم الهولوغرام والهلوسات اللبنانية من الزجل الوطني اللبناني والشعر الغنائي التراثي الشعبي و الميجانا… وصولًا إلى معظم الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة والسيرك الإداري والبهلوانيات واللعب على الحبال في سيرك المحاصصة و المحاصصات.. نعم سيدتي، المؤسسات العامة.. والمؤسسات الخاصة وما بينها وما بينهما.. عذرًا سيدتي مرةً أخرى ومعذرة،  أنا المواطن اللبناني.. وأنتِ سيدتي الأرزة اللبنانية الشامخة من ضيّعوا في أوهام حب الوطن والوطنية والمواطنة أعمارهم سدًا من عصر سيدنا سليمان إلى عصر امراء الطوائف – أمراء الطوائف وسادة الطائفية السياسية والحروب في بلاد الارز والطائفية السياسية اللبنانية.. أمراء حروب التوريث السياسي وسادة الوراثة السياسية والموروث والرئاسات المؤجلة والمعطلة رغم أنف الوطن والمواطنة والوطنية.. أمراء الحروب الطائفية ومن خطف الجمهورية والدولة والاستحقاقات الوطنية.. دعونا نطرد الشاعر من المدينة لم تعد تحتمل كل هذا الحزن…!

قبل سنوات قليلة من وفاته في (تشرين ثاني عام 2020)، الكاتب والصحفي الانكليزي روبرت فيسك يصف لبنان كالتالي: “جبال جميلة، وطعام شهي، وسكان متعلمون بشكل استثنائي، لكنهم طائفيون، لبنان الوطن أشبه إلى سيارة رولز رويس بمقاعد جلدية فخمة، وداخلها تلفزيون بشاشة مسطحة وبار كوكتيل، ولكن  بعجلات مربعة حيث من المستحيل ان تسير” … لم يعد الإحباط اليومي في لبنان مجرد مرض نفسي أو جسدي يتداوى منه الناس.. بل أصبح مجرد روتين يومي تعيشه الناس، أو أصبح مجرد عادة يومية تعودت عليها الناس.. هذا الإحباط اللبناني أو هذا الإدمان على الإحباط أصبح بحكم العادة أو الإدمان مخدرات الشعب اللبناني اليومية على الإحباط والإدمان!.. لقد استنفدت طبقة (الكراكيب الحاكمة) كل أنواع التسميات تاريخيًا من رئيس طائفي إلى رئيس عروبي إلى رئيس قومي إلى رئيس مقاوم إلى 8 آذار إلى 14 آذار إلى توافقي إلى ممانع إلى سيادي… رحم الله الفنان (شوشو) الذي قدم في مسرحية (اخ يا بلدنا) مواصفات رئيس جمهورية على شاكلة هؤلا الكراكيب!؟.. دول عديدة في عصرنا الحالي وضعت شعوبها على سلم الصعود إلى الفضاء الخارجي.. وفضاء العلوم والتطور وبناء المجتمعات والمدن والحكومات الذكية.. في حين نحن في لبنان مازالت معظم البرامج “الوطنية”  والمحلية والداخلية تدعونا للعودة إلى “نملية” ستي.. و”جرن” الكبي.. وبرش الصابون.. و”طشت” الغسيل لعدم توفر الماء والكهرباء والكرامة الوطنية..! 

بعض المدائن تُعرف من حزنها إيه بيروت: أنتِ أشد من الحزن في هذه الساعة الأبدية و اعتبريني عشيقاً.. لِمَ تكتمين؟ و قولي لماذا حزينة؟ أتُفرِغُ فيكِ البواخر أحزان كل المواني أم إنه البحر والريح والضجر المستمر .. و تأوي طيور اللغات مزقزقة لشواطيكِ ثم تحب وتنسى تواصل هجرتها… حاكم وحمت أمه عملة أجنبية في يومه فأتى طبقها… وانقلاب بكل الحبوب التي تمنع الحمل يزداد حملاً… والجماهير قد حولت وزنها ضجة… والبلاد إذا سمنت وارمة… ولقد تشرق الشمس من حزننا غاربة… رحمة أيها الشعب ضج بشكل صحيح… لقد تاه قلبي… ولم يبق بيت به فرح كلها شاحبة”… حاكم مصرف مركزي وحمت أمه دولار أميركي في يومه فأتى طبقه.. مسار سياسي متكامل.. نجاسة سياسية تهدف إلى حماية الحاكم المالي السارق وشركائه على حساب المال اللبناني العام!.. هناك تواطؤ مشبوه داخل حكومة مشبوهة، للادعاء زورًا أنّ مجلس المشبوهين لم يمتلك المعلومات الوافية عن بعض المحامين المشبوهين من إحدى الوزارات المشبوهة!؟ هناك خيانات ماليّة عظمى تحت جبل الجليد الذي نراه بحق الشعب اللبناني؟!… “أيها المنتشون بمحض الصراخ الملقن والبث والذبذبة… لحظة الصمت أعظم إن صدقت… يصدق الأنفجار ونيرانه اللاهبة… أيها الجمهور صه لا تصفق… لا تصفق لأنظمة غائبة… مالها تتثائب هذي الجماهير… تهتف وهي منومة”…!؟؟

دائمًا ما يدفعون بنا إلى الفراغ المفتوح.. ودائمًا ما يدخلون البلاد في خطر “اللائحة الرمادية” و “اللائحة السوداء” والألوان الطائفية وألاعيب السياسة وألاعيب الفراغ.. عجيب أمر اللائحة الرمادية والقفازات السود والألوان والفراغ، وكأننا في لبنان نعيش أفضل أيامنا البيضاء المفتوحة على مصراعيها.. من أين يأتون بهذه العناوين المشبوهة في تبيض وجوه البعض المشبوهة!؟ الوجوه المشبوهة الكالحة التي سودت وجه البلد وسودت حياة البشر وجعلت كل أيامنا رمادية وسوداء وملونة في أحسن أحوالها.. وزفت وقطران في معظم أيامنا الرمادية السوداء.. ايامنا التي اختلطت علينا ألوانها من كثرة الألوان الطائفية المشبوهة بإسم الأديان السياسية المشبوهة في بلاد الطائفية العليا المشبوهة والطائفية السفلى الغبية والمشبوهة… يقول ابو الطيب المتنبي: “بعيني رأيت الذئب يحلب نملة ويشرب منها رائبا وحليبا”… وانا المواطن العادي بعيني رأيت يا متنبي اللغة العربية وفيلسوفها كيف إن الطبقة السياسية المالية الحاكمة والمتحكمة في بلاد بنت الصبح التي نساها العرب والعالم عند المتوسط تزرع وتحصد الاشوك والحنظل.. بعيني رأيت كيف ثعالب أحزاب السلطة الحاكمة و ذئابها تحلب ما تبقى من حليب الشعب اللبناني ومدخراته وودائعه.. وتشرب منه ومنها رائبا وحليبا..  وهنا أصبح من الواجب الوطني ان يُستجوب (علي بابا البنك المركزي وشركائه في السلطات العليا والسلطات السفلى) المختبئون مثل الجرذان في أقبية وزارات وادارات وبنوك ومصارف  ومربعات المقايضات السياسية والمالية على جميع التحويلات التي جرت (قبل) و (بعد) 17 – 30 تشرين الثاني 2019 تحت جناح ليل “الحراك” و “سلطة المال السياسي”.. أو تحت جناح لصوص مغارة الجمهورية ومن يمتلك الشفيرة السرية “أفتح يا سمسم”!؟

ما نعيشه الان تحت (قبضة تعطيل الانتخابات الرئاسية)، أو بالأحرى ما نموته الان في لبنان هذه الأيام من العهر والكفر السياسي لم يكن وليد الصدفة التاريخية.. بل وليد الحقيقة التاريخية حين صدر حكم الإعدام الحضوري بحق الوعي والمعرفة والنور والماء والكهرباء… والعودة إلى الشموع والدموع والعتمة وعصر الظلمات دون حسيب يذكر أو رقيب… ليس هناك متسع من الوقت.. نعم، ليس هناك متسع من الوقت للأسف لمشاكلنا وأزماتنا وأمراضنا المزمنة (الصغيرة) على مقياس ريختر المشاكل والأزمات والأمراض العالمية (الكبرى) المزمنة… هذا زمن القضايا العالمية الكبرى المريضة بكل أنواع الأمراض (الوجودية) الكبرى.. والأمراض الوجودية المزمنة!… فتعالي ايتها الأرزة نبكي علينا لأننا لم ننل شيئًا، وكل شيءٍ نال منّا… فتعالي نبكي على هذا اللبنان لبناننا.. هذا اللبنان الممزق بين يسارًا كاذب ويمين أكذب.. نبكي بين سمسارًا من هنا وتاجرًا من هناك و مرابي من هنالك.. تعالى نبكي من ههنا على الأموات ونبكي من ههنا على الاحياء.. الاحياء الأموات!… كتب الشاعر بودلير في أزهار الشر وكأنه يخاطبنا: “الحمق والضلال والإثم والشّح تحتل نفوسنا وتجهد أجسامنا.. ونحن نغذي النّدم فينا كما يغذي المتسول الطفيليات التي تتغذى من دمه.. آثامنا عنيدة وندمنا جبان ونحن ندفع غاليا ثمن اعترافاتنا.. ونخوض طريق الوحل مغتبطين ونعتقد أننا بالدموع ندفع ثمن أخطائنا.. وعلى وسادة الشر يهدهد الشيطان روحنا المسحورة.. ويجتث من نفوسنا معدن الإرادة النفيس.. ويمسك بالخيوط التي تحركنا نحو ما يعاف من المغريات.. وفي كل يوم نهبط لنقترب خطوة أخرى من جهنم دون تقزز.. عبر ظلمات دامسة.. عبر ظلمات نتنة… نعم، لم يكذب السراب يومًا (نحنُ) مَن اعتقدناه ماءً..!

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمود القيسي

كاتب لبناني