صور ومواقف من حياة الحاج عمر بن عبد الجليل

إصدارات:
من دُرر المؤلفات التي رصع بها “أبو بكر القادري” المكتبة المغربية وذاكرة المجتمع، كتب عمل من خلالها على توثيق سير وتراجم عدد من الرجالات الوطنيين والأدباء، رسم فيها صورا من المجتمع والتاريخ والسياسة والثقافة. من بين هذه التآليف، كتاب ” الحاج عمر بن عبد الجليل، صور من حياته ومواقف من جهاده”، والذي جاء في 317 صفحة، تصدر فصوله تقديما عاما وسردا بمراحل حياته ونشاطه بشكل مفصل يبرز قيمة وأهمية الرجل فكرا وممارسة.
باقي مواد هذا الكتاب رتبها أبو بكر القادري في ثلاثة فصول، فصل يتضمن عشر شهادات متنوعة في حق الحاج عمر ومسيرته ونشاطه المتفرد؛ الفصل الثاني تضمن 18 مقالة من مقالاته التي تعكس فكره التنويري والوطني في قضايا حول قضايا شغلت المغرب والمغاربة، كتبها برؤية تحليلية ونقدية وحس وطني كبير؛ نفس الشيء في الفصل الثالث الذي تضمن 7 مقالات باللغة الفرنسية. وجميع هذه المقالات هي مختارات فقط من كتابات شتى نشرها على مدى عقود، أسهم بها في إذكاء الوعي النقدي وتلك شجاعة منه انتبه لها أبو بكر القادري كما كان قد انتبه إليها سعيد حجي الذي قال فيه ( سنة 1932) “تستطيع أن تتعرف إلى شخصيته (ج) عمر بمنتهى السهولة، له موهبة في ميادين الأعمال الهادئة، واستعداد للمناقشة، ودرس المسائل العويصة، وهو متدين للغاية، صدوق في كل معاملاته، يثابر على الأعمال بكل هدوء وسكينة ويستجلي غوامضها”.
أما أبو بكر القادري فيقول عنه في تصدير هذا الكتاب : لم يعش الحاج عمر بن عبد الجليل لنفسه، وإنما عاش لشعبه وأمته وعقيدته، كافح وناضل وجاهد وصابر، وأوذي وتحمل، فما وهن لما أصابه في سبيل الله، وما ضعف وما استكان، لم يكن همه في الحياة أن يتمتع بزخارفها ومشتهياتها، ومناصبها ومراكزها، ولكن همه كان مع الضعيف يواسيه، ومع المظلوم يكافح عنه، ومع الرفيق ينصحه، ومع الصديق يخلص له، ومع الأبناء يرشدهم، ومع الأحباب يوجههم، ومع الوطن يحميه ويذود عنه.
وهب نفسه لله والعقيدة والوطن، فكان مثال المؤمن الصادق والمسلم الملتزم، والوطني الذي تضرب به الأمثال. عاش حياته كلها وطنيا ملتزما، منذ أن كان شابا يافعا، إلى أن لقي ربه راضيا مرضيا، فما عرفنا أنه تأخر عن أي عمل وطني فيه مصلحة للشعب سواء في أوقات الشدة أو في أوقات الرخاء.
لقد كان من الجماعة الوطنية الأولى التي أعطت العهد، وأقسمت اليمين على أن تخلص للدين والوطن، فبر بوعده، ووفى بعهده، وأدى رسالته على الوجه الأكمل، غير منتظر جزاء ولا شكورا من أحد، إلا من الخالق الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
لم يكن من أولئك الأشخاص الذين عبدوا أنفسهم، وتعشقوا الزعامة، وداخلهم الغرور، وأخذتهم العزة بالإثم، ولم يكن يعتبر الوطنية مرقاة يرقى بها إلى الجاه والنفوذ وحب الذات والتعالي على الناس، ولكنه كان يعتبر الوطنية خدمة لهذا الوطن، وتفانيا في سبيل المواطنين، وتربية إسلامية تتربى في ضوئها وعلى أساسها الأجيال.