قصة قصيرة: ليلة الزومبي

قصة قصيرة: ليلة الزومبي

عزيز ستراوي

     أنظر. هاهي الحسناء  ذات المايو الأزرق من قطعتين خارجة لتوها من البحر مبلولة عن اخرها مسربلة بضوء الشمس، وكانها لؤلؤة تشع من مفلق محارة .                           

   ما اْحلى نظرتها ابتسامتها وانحناءتها الخفيفة وهي تشد شعرها الكستنائي الطويل وتعصره . جمالها مهيب. متجبر. خطير. أخاف عليك منه، ولا أظنك قادرا على مقاومة سطوة سحره وفتنته؟

   لماذا  لا تصدقني؟   

   أنظر إلى تلك المويجات الصغيرة. إنها تاْبى اْن تفارق اْعتاب اْقدامها، وقطرات الماء تتلكاْ وهي تنزلق على منحنيات واستدارات قدها الأهيف، بل حتى ذلك النورس المسكين ظل جامدا في مكانه يرنو إليها وكأنه ينتظر اْن ترمي له بقبلة قبل اْن يطير ويعود إلى اْنثاه. 

 ومن تكون هذه الغزالة ؟     

لايهم من تكون؟ عارضة أزياء اْو واحدة من نجوم السينما والغناء، اْو سائحة من النرويج  المهم اْنها تنظر اليك وتبتسم لك. نعم إليك تنظر، ولك تبتسم. 

اْتشك في ذلك؟ 

هيا تخلص من خجلك وتحدث إليها. كن لطيفا معها. تغزل بجمالها، ولم لا؟ استدرجها في هذه الليلة المباركة إلى سريرك. عجبا!لم اْنت جامد في مكانك تبحلق فيها واْنت شبق محموم؟ 

غزالة سبحان من خلقها! تريد أن تتركها تفلت من بين يديك؟ 

مغفل! ستغضبها، وتقول بأنك لا تحب النساء، وباْنك معقد، وباْنك عديم  الرجولة… 

 تهزه الرجولة ويفيق من دوخة الحشيش. يغمغم ويشتم. 

 – – لم تولد بعد هذه المراْة التي تتجاسر علي وتنتقص من رجولتي 

ينهض من فراشه. يروي حلقه الجاف بما تبقى في عبوة البيرة. يشعل سيجارة، يحمل “سكوربيو” سكينه الصيني الحاد ذا النصل المعقوف، ويتوجه نحوها عاريا كما دلقته اْمه لحظة ميلاده.                                                                                                                                                        اْمامها يقف منتصبا. هل يكفي اْن ينتزع صورتها من الحائط ويمزقها؟ 

– لا. هذه العاهرة تستحق قتلة تليق بها. 

سينكل بها ويتفنن في تعذيبها كما يفعل عادة للشابات الجميلات اللواتي يتربص بهن في زوايا الشوارع والاْزقة وفي سلالم العمارات، ويسلبهن اْموالهن، وحليهن، وهواتفهن وفي الأخير، وكما يفعل “زورو” يترك بصمته المهنية: ندوب للذكرى على وجوههن النضرة .     

 بداْ الحفل وبسكينه راح وبكل تلذذ يناوش جسدها، يتاني وهو ينحت  استداراته ومنحنياته بدءا بالذراع نزولا عند الخصر والردفين والساقين صعودا نحو السرة والصدر. 

  يصل إلى الوجه، ويتوقف. يشعر وكأن تلك الابتسامة على شفتيها تسخر منه، وذلك البريق الذي يشع من عينيها يتحداه. بسيجارته المتوقدة يطفىء ابتسامتها، ويفقاْ عينيها تاركا مكانهما ثقبين اْسودين، ثم يختم باللمسة الموجعة. يمرر السكين ضاغطا على نحرها من الوريد إلى الوريد. يتراجع قليلا إلى الوراء. يتملى صورتها وابتسامة التشفي تتمطى على شفتيه المشرومتين.

ماذا تبقى من هذه الحسناء ذات المايو الأزرق؟  لاشيء. 

 هاهي الآن قد تحولت إلى مسخ. مفاتنها مشوهة وجسدها مثخن بالجراح . 

– هكذا تكون الرجولة!

يقبل سكوربيو. يطويه، ويعود إلى فراشه ليحتفل بهذا الإنجاز العظيم. 

يروي عطشه. يفتح عبوة بيرة، يكرعها ويتبعها بسيجارة محشوة بالحشيش. يدخنها بانتشاء متوحدا بروائحها، وكاْنه يمارس طقسا تعبديا.

معها شعر باسترخاء لذيذ دب في ضلوعه، وبمزاجه وقد تروّق تماما، وبراْسه وقد غار بكل ثقله في حضن وسادته..                   

ولم تمر سوى لحظات حتى بداْ شخيره يرتفع في الاْعالي،  لكن من اْين تاْتي هذه القطرات؟

قطرات تنزل على وجهه حارقة دبقة كريهة كبول القطط.

ولمن تكون هذان اليدان؟ 

 يدان لزجتان باردتان كالثلج. تزحفان كحيتين على صدره وعند سفح عنقه ترسوان، ثم تلتفان بقوة حول رقبته. 

يختنق. تتسارع اْنفاسه ودقات قلبه. تنفتح عيناه على سعتهما فيجد الحسناء صاحبة الصورة شبيهة تماما بكائنات الزومبي. تحدق فيه  بعينين غائرتين وبوجه محتقن مشوه قد تفسخ جلده .   

– لا اْمتلك عينين، ولكن لدي يدين اْقتل بهما سفاحا مثلك يا عديم الرجولة!

هكذا صاحت في وجهه، فصفعته رائحة فمها. رائحة عطنة نفاذة كرائحة جواربه.

ولم تمهله إذ اْحكمت قبضتي يديها حول رقبته حتى كادت تزهق روحه لولا أنه غافلها واستيقظ في الحين يلهث غارقا في قيئه وعرقه. 

مرعوبا حائرا لايدري مالذي ينبغي فعله؟ 

 هل ينتزع صورتها من الحائط؟  يكتري غرفة أخرى؟  يعترف بجرائمه للبوليس ويختبىء في زنازين السجن؟ يهجر مدينته؟ يتغرب عن بلده؟ 

 اْسقط في يده، واْيقن باْن هذه الزومبية ستظل تطارده لتنتقم منه، ومهما ناْى عنها  في اْرض الله الواسعة “ستدركه كلياليه” وفي لياليه ستزوره. وتقض مضجعه.

فاْين المفر ؟

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عزيز ستراوي

قاص مغربي