آلان تورين.. غياب مثقف مشع بالذكاء والفضول
كاركاسون- المعطي قبال
بوفاة آلان توران في التاسع من شهر يونيو الماضي عن 97 عاما، تكون السوسيولوجيا قد فقدت أحد كبار منظريها النشطين والحيويين. هذا في الوقت الذي أصبحت فيه السوسيولوجيا محط، لا انتقادات فحسب، بل هجومات عنيفة من طرف سياسيين ضايقهم البحث السوسيولوجي على مستوى توجهاتهم ومشاريعهم السياسية. ولم يجد هؤلاء السياسيون من أداة تهجم سوى فزاعة الووك Woke وهو في الأصل التنبيه إلى التحيز والتمييز العنصريين. وقد انتظمت جوقة شارك فيها جان- ميشال بلانكير، وزير التربية والتعليم سابقا، وزيرة البحث العلمي، دومينيك فيدال سابقا، مانويل فالس، الوزير الأول الأسبق، وكذا العديد من المثقفين والإعلاميين الذين يصعب عليهم الاعتراف بوجود وتفشي العنصرية في أركان المجتمع الفرنسي.
رحل توران إذا بعد أن أشرف على توجيه العديد من الباحثين في فرنسا، وبالأخص في أمريكا اللاتينية وتحديدا بالشيلي الذي كان بلده الثاني. ولد توران في الثالث من غشت 1925 بمنطقة الكالفدوس بشمال فرنسا وكان ينتمي إلى عائلة ميسورة. تابع دراسته بباريس بأهم المدارس مثل ثانوية لويس لوغران ومدرسة المعلمين. قام بسفرة دراسية إلى هنغاريا درس خلالها المزارع الفلاحية وذلك في عز الإصلاح الزراعي الذي أطلقته هنغاريا في نهاية الستينيات.
بعودته إلى فرنسا، استقر تورين بشمال فرنسا ليعمل بأحد المناجم خلال عام. كانت هذه التجربة مستهلا لانخراطه واهتمامه بعالم الشغل، بالطبقة العاملة والحركات الاجتماعية التي كانت القلب النابض لأبحاثه السوسيولوجية. اهتم في أولى أبحاثه بقضايا الشغل والحركات العمالية وبخاصة بمعامل شركة رونو للسيارات. بعد أحداث ماي 1968 وسع دائرة أبحاثه لتشمل كل الحركات الاجتماعية بوضعه لمنهجية دراسة هذه الحركات وذلك تبعا لمبدأ «التدخل السوسيولوجي» الذي طبقه على أكثر من حركة وبالأخص على حركة سوليدارنوسك التي كان يتزعمها ليش فاليسا ببولونيا. اهتم أيضا بفكرة «الذات» التي أخذت حيزا وافرا في أعماله وذلك منذ إصداره لكتاب « نقد الحداثة ». انصب اهتمام تورين بدءا من 1956 على أمريكا اللاتينية. نشر عام 1988 كتابا هاما في عنوان «الكلمة والدم» وهو عبارة عن تحليل شامل، سياسيا واجتماعيا لأمريكا اللاتينية على مدى نصف قرن. انخرط تورين في حلبة النقاش السياسي والاجتماعي والثقافي توجته عدة إصدارات من بينها «سوسيولوجية الممارسة»، «حركة مايو أو الشيوعية اليوتوبية»، «المجتمع ما بعد الصناعي» ، «ما الديمقراطية؟»، «البحث عن الذات: حوار حول الذات» مع فرهد خوسروخافار.
سياسيا كانت لألن تورين مواقف مفكر يساري. تتلمذ سوسيولوجيا على يد جورج فريدمان. من هنا مقاومته للفكر الليبرالي. وسبق أن صرح بأن «ما يهمه هو الصراع والمجابهة». ساند ترشح الكوميدي الساخر كوليش للانتخابات الرئاسية الفرنسية. عارض سنة 1989 طرد الفتيات المحجبات، ساند حركة «السترات الصفراء». متابعة المجتمعات بل ملاحقتها، تحويل صراعاتها إلى مادة للسرد والتحليل السوسيولوجي، كان ميلا طبيعيا لدى هذا المثقف المشع بالذكاء والفضول المعرفي.