الموت كمدخل للأبدية
باريس – المعطي قبال
موت بعض المشاهير من الكتاب، الشعراء، الفلاسفة وأعلام السياسة هو مدخل للأبدية. الموت في هذه الحالة حياة لحضور رمزي مع غياب دائم. تشتغل الذاكرة والذكرى لإحياء الميت مع عرض تفاصيل حياته، مآثره، إنجازاته وعثراته. هكذا يحفظ التاريخ الأعلام التي بصمت زمانها بأعمالها الروائية، الفلسفية، الشعرية. على أي يكسب هؤلاء يوميا قراء ومحبين جدد. من أفلاطون إلى دريدا مرورا بهيمنغواي، فولكنر، أغاثا كريستي، جيمس جويس، ألبير كامي، جان جونيه، هينينغ مانكيل، مالارمي، سان جون بيرس وآخرين لا تزال أصوات هؤلاء الأموات تصدح بإبداعية لا تنضب رغم تقادم غياب منتجيها. يقبل جمهور القراء والطلبة بنفس الشغف الذي أقبل عليه الجمهور لدى صدورها، لكن ثمة ظاهرة انبثقت مؤخرا مع اكتشاف مخطوطات جديدة للروائي الفرنسي لوي فيرديناند سيلين (1894 – 1961)، وغياب الروائي التشيكي ميلان كونديرا. منذ أن عثر الصحفي جان-بول ثيبودا على حقائب بداخلها مخطوطات مفقودة لسيلين، إلى صدور أول نص من هذه المجموعة، وهي رواية «حرب» تلتها «لندن» و «إرادة الملك كروغول»، بعث الكاتب من أنقاضه مجددا حتى وإن كان دائما محط اهتمام من لدن الإعلام والقراء.
هكذا تربعت النصوص الثلاثة لقرابة ستة أشهر على رأس قائمة المبيعات حيث بيع من رواية «حرب» وحدها 180 ألف نسخة في ظرف ستة أشهر! وإلى اليوم لم تسحب هذه النصوص من رفوف المكتبات مما يدل على الطلب الذي لا زالت تحظى به.
تمثل الحدث الأدبي الثاني في غياب ميلان كونديرا الذي لفه في السنوات الأخيرة نسيان غير مبرر. لكن بوفاته سارع ناشره دار غاليمار إلى سحب كمية هائلة من أعماله. وقد بيع ما مجموعه 100,000 نسخة مباشرة بعد غيابه. وكان الطلب بشدة على رواية “خفة الكائن التي لا تحتمل”.
عاش هذان الكاتبان حياة مفعمة بالبؤس المادي والنفسي، بالخوف من الملاحقة والقتل، تعايشا مع هوامش الحياة ولو كانا على قيد الحياة، لكانت أعمالهم قد ذرت عليهما أرباحا سخية، لكنهما رحلا وسيكتفيان بمجد الأبدية.