فرنسا.. الاختيار بين الأسوأ والأكثر سوءا!
عبد العلي جدوبي
رسالة مبطنة ملغومة، تلك التي وجهها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون “مباشرة” إلى الشعب المغربي، ألح فيها على ضرورة “قبول المغرب” للمساعدة الفرنسية، بخصوص زلزال الأطلس الكبير، متجاوزا المؤسسات المغربية وكل الأعراف والقنوات الدبلوماسية المتعارف عليها دوليا !
هرولة الرئيس ماكرون تنم عن تخبط واضح في “سياسته” الداخلية والخارجية، طالما أنه يعتبر في الوقت الراهن الأقل تأهيلا في الكلام عن أي شيء يهم قضايا المغرب، ومع ذلك ارتضى لنفسه أن يكون “متعاطفا” مع الشعب المغربي على طريقته الخاصة! والحقيقة أن خرجة ماكرون الفيسبوكية هي ضرب من استعراض الذات وفق حسابات ضيقة الغاية منها :
محاولة خلق احتقان بين الشعب المغربي ومؤسساته في هذا الظرف تحديدا ..
محاولة استقطاب أصوات الجالية المغربية المجنسة في فرنسا خلال استحقاقات الفرنسية القادمة لصالحه ..
الترويج لأطروحات معادية للمغرب الرافض للمساعدة الفرنسية ..
محاوله يائسه لإبراز قوة القرار الفرنسي الموجه لدول العالم النامي ..
والحقيقة أن ما قام به الرئيس الفرنسي يزيد من ركام الأعباء على بلاده على المستوى الداخلي والخارجي، فالهوة تتسع كل يوم بفعل تراكم المشاكل المعلقة التي يتم التعامل معها عبر التخدير الموضعي عوض بثر مواطن الأورام الخبيثة ..
فذاكرة الشعب المغربي حية، وهي تلتقط كل مظاهر الإجحاف، ولا ننسى سياسة الهيمنة، وعقلية الوصاية، ونهب الثروات، والتطاول على التاريخ والجغرافيا .
فبعض التشدد يمكن إستساغه في مسائل ذات أبعاد تكتيكية، لكنه ليس مقبولا في الامور الاستراتيجيه . .
فرنسا ماكرون لم تستطع الخروج من المنطقة الرمادية في سياستها إزاء المغرب، والإدلاء بموقف واضح وشجاع في قضية الصحراء المغربية، وهذا هو السبب الرئيسي في برود العلاقات وتشنجها في أوقات عديدة بين الرباط وباريس .
السيد ماكرون فشل في اختبار قوة الهيمنة والوصاية الفرنسية على مستعمرات فرنسا السابقة، والتي عرفت نهاية من خلال الاحداث الأخيرة ، في عدد من دول غرب افريقيا ، إخفاقات فرنسية متواصلة في افريقيا بدأت في بوركينا فاسو ومالي وجمهورية افريقيا الوسطى ، واخيرا النيجر ، ويتجلى هذا الاخفاق بشكل مثير للدهشة في أن المخابرات الفرنسية لم تتوقع بكل وسائلها صعود الانقلابيين في بلد توجد به عناصر الجيش الفرنسي ، وهذا يشكل صفعة اخرى لفرنسا ! أما الصفقة القادمة فهي رغبة الأفارقة في انشاء اتحاد كونفدرالي يضم كل من بوركينا فاسو وتشاد واريتريا وغينيا ومالي والسودان .
شعور مناهض لفرنسا في افريقيا وفي المغرب يزداد كل يوم ، وأن النخب المغربية لم تعد تكن ودا لفرنسا في خضم شعور شعبي عام مناوئ لها كما أشار في إحدى مقالاته الروائي فؤاد العروي، وكان الكاتب الطاهر بن جلون قد كتب في صحيفة “لوبوان” الفرنسيه مقالا أقر فيه بأن المغرب تجاوز فرنسا حين بدأ في تنويع علاقاته وصداقاته السياسية والإستراتجية ونجاحه في تغيير موقف الجار الاسباني فيما يتعلق بقضيه الصحراء المغربية .
فللكلمات وقعها ، كما للمواقف أبعادها ، وحين يحدث تناقض بين الكلمات والمواقف ، يتم البحث في أقل الأضرار، فقد ثبتت أن السياسة هي في كثير من الأحيان فن الاختيار بين الأسوأ والأكثر سوءا ، والسيد مانويل ماكرون اختار الاثنين معا..!
بعد كل هذه الإخفاقات فهل سيتوقف الديك الفرنسي عن الصياح؟