ثلاثاء نيعقوب وسحر “تمغربيت”
حسن عثمان
وأخيرا أدركت أنه لم يكن مقدرا لي أن أرى ثلاثاء نيعقوب، المعلقة فوق قمة أحد جبال الأطلس وما يليها من أسراب السحب المهاجرة إلى جميع الأمكنة والأزمنة. كان مفترضا، قبل سنوات عديدة، أن أزورها لأجمع ما تفرق من دمي بين المدائن بعد أن أصبحت تلك القرية الصاعدة إلى الأعالي جسرا يصل سودانيتي بأمازيغية أبنائي، ويدفعهما معا تجاه إنسانية لا حدود لرحابتها وقدرتها الفذة على تجاوز الفارق إلى الجامع. ولكني، يا لحسرتي، لم أذهب الى ثلاثاء نيعقوب ولم أشرب شايا تحت شجرة لوز ولم أقضم طرف خبز معجون بالحب والود الأمازيغي الحميم. ربما عطلني رهاب المرتفعات وأعاقني السعي المضني خلف ما لا يستقيم من صغائر الأمور.
الٱن يحق لي أن أبكي ثلاثاء نيعقوب التي أخذها الزلزال عنوة واقتدارا قبل أن أراها موطنا وخيمة أهل ووشيجة دم، وقبل أن تراني زائرا يقتفي ٱثار دمه بين قمم الأطلس الشامخة. ولكن لا شيء يزعزع إيماني بأن ثلاثاء نيعقوب ستنهض من عثرتها لتجمع ما تساقط من اللوز، وتجفف ما ساح من دموع المحبين، لتؤكد أن معجزة “تمغربيت” ليست وهما أو فلتة مخيال جماعي يحتمي بالحلم من قسوة الواقع وزلازل الأوقات العصيبة.
والشاهد أن”تمغربيت”، هذه التي أراها تسعى بين الناس، ليست كلمة مما تزخر به القواميس وتقاربه اجتهادات اللغويين ولكنها حالة شفيفة من ارتباط الإنسان بالأرض والإنسان بالإنسان، على امتداد حدود المغرب واتساع قلوب المغاربة وسعيهم لعمارة الدنيا بالحب والمعروف.
لنقل إنها كلمة لا تسمع إلا نادرا في منطوق الكلام ولكنها ترى وتتجسد بتلقائية لا شبيه لها، كل ما مد مغربي يده ليمسح دموع مغربي ٱخر دون أن يعرف اسمه ووسمه وشجرة عائلته في غابة هذه الدنيا الغشوم.
ربما يكون مبلغ جهدي أن أجمع من دلالات هذه الكلمة ما يعنيني الٱن، في مقام حزني على ثلاثاء نيعقوب. وسأقول إن سحر”تمغربيت” لا يقف عند حدود “أن تكون مغربيا”، ولكنه يتجاوز ذلك إلى ضرورة أن يصبح المواطن هو الوطن، بكل ما يعتمل فيه من حزن ومسرة ومقارعة جسورة لتقلبات الوقت وتحدياته العديدة.
ولأن تمغربيت تظل في أصلها خزان فخر ومباهاة بوطن قادر ومقتدر، سيجوز لي أن أضرب موعدا قادما مع ثلاثاء نيعقوب عندما يعود التراب إلى رشده وتنتشر قرب الجدول روائح اللوز والخبز والشاي، لأن سحر تمغربيت الذي لا يخلف موعده قد سرى هذه الأيام في أوصال المملكة الٱمنة المطمئنة.
وداعا ثلاثاء نيعقوب وبيننا موعد قادم إن مد الله في الأعمار.
Visited 17 times, 1 visit(s) today