توافقٌ عجيب بين مكة الثوار وفرنسا الإمبريالية!!!

توافقٌ عجيب بين مكة الثوار وفرنسا الإمبريالية!!!

عبد السلام بنعيسي     

     ما يثير الاستغراب في الحملة الإعلامية المشنة على المغرب بسبب الاكتفاء بقبوله أربعة عروض فحسب، من إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، للمساعدة على مواجهة آثار زلزال الحوز، هو كون هذه الحملة تتمُّ على نسق واحد، وكأنها مكتوبة من ذات المحبرة، وتصدر عن دولتين يفترض أن يكون لكل واحدة منهما، موقفها الخاص بها، والمتميز عن الأخرى تجاه المغرب. والدولتان المعنيتان، هما الدولة الجزائرية ونظيرتها الفرنسية.

إعلامهما بات هذه الأيام متشابها ومتطابقا في استعمال نفس المفردات، وبذات المعجم عن المغرب، صار كله هجوما كاسحا على الدولة المغربية، وارتدى هذا الإعلام ثوب الحداد، وانهمك في ذرف دموع التماسيح، وأضحى يتظاهر وكأنه يحنُّ ويشفق على المغاربة ضحايا الزلزال أكثر من دولتهم، وصار يعاتب دولتهم ويُقرِّعها لأنها، وفقا لما يروج له، تمنع عنهم مساعدات فرنسية وجزائرية هم في أمس الحاجة إليها.

المفارقة هي أن الإعلام الجزائري يصف، في لحظات الأزمة، فرنسا بالدولة الامبريالية، ويحملها تبعات الحقبة الاستعمارية وما نتج عنها من مآس للشعب الجزائري، مآس لا يزال إلى اليوم يعاني الجزائريون من مخلفاتها، ولا يتردد هذا الاعلام في أن يستل من قاموسه كل المصطلحات الرنانة التي تتحدث عن القمع، والبطش، والنهب، والاستغلال، والظلم الفرنسي الممارس على الدول الإفريقية ومن ضمنها الجزائر، كما أن الإعلام الفرنسي يردُّ على نظيره الجزائري باتهامه بتوظيف ريع الذاكرة، واستحلابه واستغلاله أشد الاستغلال للتغطية على الفشل في إيجاد الحلول الملائمة للمشاكل التي يعاني منها الجزائريون. حفلة التراشق الإعلامي بين الطرفين التي كنا نعاينها بانتظام، توقفت اليوم، وانصب اهتمامهما، وتكاثف جهدهما معا، وتسلط على الدولة المغربية.

من أين جاء هذا التوافق، وكيف حصل هذا الانسجام بين من يفترض فيهما أنهما نقيضان؟ كيف صار إعلام الدولة التي تعتبر نفسها مكة الثوار، ومؤيدة الشعوب في حقها في تقرير مصيرها، وممارسة حريتها وسيادتها على أراضيها، متناغما مع إعلام دولة استعمارية امبريالية تنهب خيرات الشعوب وتنزع منها ثرواتها، وتسعى لتصادر منها حقها في تصريف شؤونها بالطريقة التي تبدو لها مناسبة؟؟؟ ألسنا أمام تحالف غريب وعجيب بين الدولة الفرنسية ومثيلتها الجزائرية، تحالفٌ موجه ضد المغرب البلد الجار والشقيق للجزائر؟؟

فرنسا التي تتهم المغرب، ظلما وزورا، بالتجسس على رئيسها ماكرون ببرنامج بيغاسوس، وتتهم الرباط بتقديم الرشاوى للنواب الأوروبيين، وفرنسا التي تستصدر التوصيات التي تدين المغرب في البرلمان الأوروبي، وباريس التي ترفض تأييد المغرب في مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية، على غرار ما قامت بذلك إسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا التي تحجب تأشيرات الدخول إلى أراضيها عن مغاربة يستحقونها، تأتي في وقت الزلزال لتركب على هذه اللحظة المأساوية، وتتقدم في ثوب الحمل الوديع، لتستغلها فرصة لتبييض وجهها الكالح أمام الرأي العام المغربي، وتبدو وكأن لا مشاكل لديها مع الشعب المغربي، وأنها تقدم له المساعدات، وتقف إلى جانبه، ببعض البطانيات وأكياس الحليب المجفف والبسكويت، وبعض المواد التي توشك أن تصبح غير صالحة للاستهلاك!!!

أليس هذا تحايلا على المغاربة، وقلبا للمعطيات رأسا على عقب؟ ألسنا أمام اختزال لمشاكل عويصة بين الطرفين وتشويه لها؟ هل بهذا الأسلوب في التعامل مع المغرب، تُصفى الأزمة القائمة بين الدولتين، ويُعثَرُ على حلولٍ لها؟؟؟

أما الجزائر التي أغلقت الحدود البرية مع المغرب منذ ما يقارب الثلاثين سنة، وأغلقت مجالها الجوي في وجه الطيران المغربي، والتي أوقفت تدفق الغاز العابر لأراضيه صوب إسبانيا، والجزائر التي أعدمت ميدانيا للتو مغربين تاها في عرض البحر، وتحتجز مغربي ثالث، وتزود في هذا التوقيت بالتحديد، ميليشيا البوليساريو بالسلاح، وتحرضها على قصف الجيش المغربي، وترفض أي شكل من أشكال التفاوض مع المغرب لوضع حد للأزمة القائمة بينهما، ولا تقبل حتى مجرد وساطة كعربون على حسن النية.. الجزائر هذه، تريد أن تقدم للمغرب مساعدات لمواجهة تداعيات الزلزال!!!

 أي معنى لمساعدات تندرج في هذا السياق؟ إنها مساعدات بلا أفق تصالحي يؤطرها ويشجّع عليها، إنها ليست حتى مساعدات بالمعنى النبيل والشريف للكلمة، نحن إزاء حفلة علاقات عامة، للخروج من العزلة التي تعاني منها الدولة الجزائرية، نتيجة التضامن العالمي الكاسح مع المغرب جراء الزلزال، والعزلة الناجمة عن أخطائها الفادحة والمتراكمة تجاه الرباط. من حق المغرب أن يرفض مساعدات ليست نابعة من نيات صادقة، ومساعدات بمضامين ومحتويات مشبوهة وملغومة. 

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي