ذكرى مجزرة مخيم صبرا.. والمؤامرات ما زالت مستمرة..!

ذكرى مجزرة مخيم صبرا.. والمؤامرات ما زالت مستمرة..!

محمود القيسي

أنظر نحو
نفسي في المرايا:
هل أَنا هو؟
هل اؤدي جيداً دوري الفصل
الأخير؟
وهل قرأتُ نص المسرحية قبل هذا العرض،
أم فرضت عليَّ؟
وهل أنا هو من يؤدي الدور
أَم آن الضحية غيرت أَقوالها
لتعيش ما بعد الحداثة، بعدما
أنحرف المؤلف عن سياق النصِّ
وانصرف الممثل والشهود
*محمود درويش

كان وما زال العدو الإسرائيلي تاريخيًا يتآمر على الشعب الفلسطيني، وينصب ويفخخ ويفجر المؤامرات.. ودائمًا ما يحاول هذا العدو
الغاشم تزوير وتحريف، ومصادرة وسرقة، وحرق، ودفن الحقائق والوقائع، والوثائق، والمستندات، والسندات، والادلة، والبراهين،
والرسوم، والاسماء، والصفات والمسميات… كما يحدث الان في هذه الأيام التاريخية في ذكرى (مجزرة صبرا وشاتيلا )… وفي ذكرى أغتصاب كل ما يشير إلى فلسطين المحتلة من قريب أومن بعيد في ذكرى الاغتصابات اليومية… هذا ناهيكم أيها السيدات والسادة
عن مرور ذكرى ( إتفاق أوسلو ) المشؤوم في هذه الأيام المشؤومة مرور الكرام.. الإتفاق، أو ذلك الشيء الذي تدحرج من اللاشيء إلى
مجرد خارطة طريق مقطعة الأوصال وكلمات متقاطعة.. الإتفاق المهزلة الذي تحول إلى مجرد جدار فصل عنصري..!؟. نحن في هذه الأيام العصيبة والخيانات على أبواب المخيمات.. في ذكرى ما زالت مصلوبة بين فكي عصابة الاحتلال الإسرائيلية
وعصابة القوات الفاشية اليمينية اللبنانية.. الذكرى الراسخة في ذاكرة ألشعب الفلسطيني – اللبناني وكل الشرفاء والأحرار في هذا العالم..
الذكرى التي يحتاج معها الأنسان العاقل إلى من يضمد له عقله من هول المذبحة والدم النازف منذ عقود.. عقود الثنائية الصهيونية
والفاشية وحلفهم المقدس…؟! الصهيونية العالمية وحلفاؤها المكشوفين والمقنعين يعملون جاهدين في هذه الأيام المفصلية والوجودية
انطلاقًا من عاصمة الشتات الفلسطينية في مخيم عين الحلوة من اجل ( تفجير حرب أهلية فلسطينية ) تبدأ من لبنان ولا تنتهي في فلسطين
المحتلة…! أول ما يتذكره الفلسطيني عندما يقرأ أو يسمع اسم صبرا، هو مذبحة مخيمات صبرا شاتيلا في لبنان الثمانينات. نعم، الفلسطينيين الذين
يربطون كلمة “صبرا” بمخيمات صبرا وشاتيلا السابقة للاجئين في بيروت الغربية. خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٨٢، والتي قتلت القوات اللبنانية اليمينية ما يصل إلى عدة آلاف من الفلسطينيين واللبنانيين في المخيمات، بينما حاصرت القوات العسكرية
الإسرائيلية المناطق المجاورة؛ هذا وأعترف وزير الدفاع الاسرائيلي ارييل شارون في تحقيق اسرائيلي في تلك الحرب “مسؤولية
شخصية“ لعدم اتخاذ إجراءات لمنع المذبحة وقتل الشيوخ والنساء والأطفال دون ان يرف له جفن الشعب الفلسطيني في هذه الأيام
الوجودية على مفترق طريق: الوقوع في فخ التآمر والمؤامرات وما يحاك له من مخطط حروب أهلية بكل الأسلحة المشبوهة والأفكار
المشبوهة والتنظيمات المشبوهة والرايات المشبوهة.. أو الوقوف وقفة رجل واحد وامرأة واحدة في وجه كل من يدفعون بهم إلى الموت
في هذه الحروب العبثية المشبوهة من اجل أحتلال ومصادرة ما تبقى للفلسطيني من ارض وحقوق وماضي وحاضر ومستقبل.

كي لا ننسى تاريخ ( ١٦ – ٩ – ١٩٨٢ ) كي تبقى ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا محفورة على جدران ضمائرنا وفي خلايا عقولنا وفي
وعينا الكامل.. كي تبقى مسافة الوعي.. المسافة المتبقية من طريق تحرير فلسطين.. وعي المسافة وضرورة الوعي.. وعي الضرورة..
ضرورة الوعي. السادس عشر من أيلول ١٩٨٢ يومٌ ضد النسيان "مجزرة صبرا وشاتيلا". يومٌ يطبع بذاكِرة الفلسطينيين واللبنانيين عاماً
بعد عام. قنابل مضيئة، سلاح أبيض، أطفال، نساء، شيوخ .. كلها معالم لواحدة من أفظع المجازر في العالم. ثلاثة آلاف شخص وأكثر
قتلوا على يد ميليشيات لبنانية موالية لإسرائيل، وقائدين من جيش الإحتلال الإسرائيلي "أرئيل شارون ورفائيل إيتان" بدمٍ بارد، المجزرة
استمرت لثلاثة أيام في العاصمة اللبنانية بيروت، ولازال المُجرمون طُلقاء يسرحون ويمرحون ويقتلون ويقتلون.. ويخططون
ويخططون.. ما زال المُجرمون طُلقاء في قصورهم وابراجهم ومكاتبهم وأحزابهم ومراكزهم ووظائفهم السابقة والحاضرة واللاحقة
يسرحون ويقتلون يمرحون ويقتلون يقتلون ويقتلون…!

لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا أولى مجازر الاحتلال بحق الفلسطينيين ولا الأخيرة، فقد سبقتها مجازر الطنطورة وقبية ودير ياسين،
وأعقبتها مذبحة مخيم جنين ومجازر منسية أخرى في غزة والضفة الغربية، لكن بشاعة مجزرة صبرا وشاتيلا وطبيعة ظروفها جعلتاها
علامة فارقة في الضمير الجمعي الفلسطيني. ولا تزال الصور التي وثقت مشاهد عشرات الجثث المتناثرة في أزقة مخيم صبرا وشاتيلا
للاجئين في لبنان والمنازل المدمرة، وأشلاء الفتيات الممزوجة بالطين والغبار، وبركة الدماء التي تطفو فوقها أطراف طفل مبتورة؛
حاضرة بكامل تفاصيلها الدقيقة في ذاكرة الفلسطينيين وكل الشرفاء في العالم. لم يكتفِ الاحتلال بتغطية إبادة البشر وتهيئة كافة الظروف
لسحق الفلسطيني الذي هزمه في حصار بيروت، لينتقم يوم الأحد 19-9-1982 بسرقة وثائق مركز الابحاث الفلسطيني وحمل الأرشيف
في شاحنات. ورغم بشاعة ووحشية المجزرة، فإن المجتمع الدولي لم يقدم الجناة وقادتهم إلى أي محكمة، ولم يعاقب أيا منهم على ما
ارتكبه، واقتصر الأمر على لجان تحقيق خلصت إلى نتائج لم تلحقها متابعات قانونية.. وبقي العقاب الدولي والأممي غائب عن الوعي
حتى كتابة هذه المقالة .

كم مرة ستسافرونْ.. والى متى ستسافرون.. ولأي حلم..؟ وإذا رجعتم ذات يومْ فلأي منفى ترجعون، لأي منفى ترجعون؟ صبرا –
تمزق صدرها المكشوف: كم مرةْ تتفتح الزهرةْ كم مرةْ ستسافر الثورة؟ صبرا – تخاف الليل. تسنده لركبتها تغطيه بكحل عيونها. تبكي
لتلهيه: رحلوا وما قالوا شيئا عن العودة.. عادوا وما عادوا لبداية الرحلة.. والعمر أولاد هربوا من القبلة. لا، ليس لي منفى لأقول: لي
وطن.. صبرا – تنام. وخنجر الفاشي يصحو.. صبرا تنادي.. من تنادي: كل هذا الليل لي، والليل ملح.. ويواصل الفاشي رقصته ويضحك
للعيون المائلة.. ويجن من فرح فصبرا لم تعد جسدا: يركبها كما شاءت غرائزه، وتصنعها مشيئته… ويسرق خاتما من لحمها، ويعود من
دمها الى مرآته.. ويكون بحر.. ويكون بر.. ويكون غيم.. ويكون دم.. ويكون ليل.. ويكون قتل.. ويكون سبت.. وتكون صبرا.. صبرا
تقاطع شارعين على جسد.. صبرا نزول الروح في حجر.. وصبرا لا أحد.. صبرا هوية عصرنا حتى الأبد…!

Visited 11 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمود القيسي

كاتب لبناني