صلاة استثنائية من أجل المغرب وشعبه

صلاة استثنائية من أجل المغرب وشعبه

  بيتن ستيفنس*

ترجمة: عبد العزيز جدير

      ألقيت نظرة خاطفة على قميصي. الجزء الوحيد الذي لم يكن أخضر داكنا مشبعا بالعرق هو الحاشية السفلية. كان هذا القميص ذو اللونين نتيجة لقضاء ليلة الجمعة في رياضة “الكيك بوكسينغ” مع لاعبين محليين يمكن للواحد منهم بمفرده ركل مؤخرة أي شخص، ولو كان من بعض الطلاب الآخرين الذين يدرسون خارج بلدهم في المغرب. عندما سمعت الضحك آت من أمامي، رفعت بصري لأرى مصدره فرأيت ثلاثة أطفال يركبون دراجات الرجل ويتزلجون أمام مبنى رمادي كبير يغطي مدخله بلاط رخامي شبه ناعم، وهو مكان مثالي لممارسة أي نوع من التزلج.

تصادف أن مجموعتنا المكونة من ثمانية أفراد كانت تستخدم ماكينة الصراف الآلي بجوار المكان الذي كان الأولاد يوجدون فيه ويـمرحون. وقد أذهلني وأثار فضولي أن هؤلاء الأطفال الصغار يوجدون خارج بيوتهم على الساعة 10:30 ليلا، لكنني أدركت أن الحياة الليلية في طنجة شيء يجب أن تشاهده وتعرف مكوناته. أدركت أن موجة الضحك كانت بسبب قيام أحد الأولاد بتسليم دراجته الصغيرة إلى طالب منا وانطلق في جولة بجانبنا. ابتسمت عندما رأيت أن رجلا واحدة فقط احتلت بالكامل قاعدة لعبة بحجم الطفل. اندلعت موجات ضحك من مجموعتنا التي تشكلت على عجل وبشكل مرتجل. لقد كان من المدهش جدا مدى ترحاب الأطفال والارتياح لأشخاص لا يعرفونهم بل وفي في بعض الأحيان لا يمكنهم حتى التحدث إليهم. لقد وجدت أن هذه الخصلة واحدة من أجمل الأشياء في شعب المغرب.

كانت رحلة الرجوع إلى الحرم الجامعي مليئة بالنكات وكنا جميعا نتجول ونستمتع بالمدينة ليلا. كان كل شيء جميلا. وكان هناك نسيم خفيف يعبر الشوارع، وأضواء المدينة تسطع من المتاجر الصغيرة والشوارع النابضة بالحياة والصخب. وكانت الأسر تخرج رفقة أطفالها لشراء الطعام من الشوارع ليلة الجمعة. وكان، بالطبع، جلدي يرشح بالعرق، مرة أخرى. وعندما وصلنا إلى الحرم الجامعي على الرغم من درجة الحرارة اللطيفة، ولم أستطع الانتظار لحظة واحدة لأصعد إلى الطابق العلوي، وأستحم، وأفقد الوعي على الفور من شدة الإرهاق. أدركت أنني لم أتحدث إلى أمي نهار اليوم، كما وعدت أن أفي بالوعد الذي قطعته على نفسي قبل مغادرتي الولايات المتحدة: سأبعث إليها رسالة نصية كل يوم. قبل أن أغادر البيت، كانت تذكرني مازحة أن هذه الأشياء هي “دليل حياتها والبينة” أثناء غيابي.

 أرسلت تقريرا سريعا عن أحداث اليوم وقلت لأمي تصبحين على خير، ثم أغلقت هاتفي واستلقيت على السرير. ولن أتمكن من إلقاء نظرة على تلك السلسلة من الرسائل النصية إلا صباح اليوم التالي وأدرك أهمية ذلك التوقيت. كنت بعثت رسالتي على الساعة 11:02 ليلا، وانتهت محادثتنا على الساعة 11:12. وكان التاريخ: هو يوم 8 سبتمبر 2023. وأثناء بعث الرسالة النصية إلى أمي، كان زلزال مدمر بقوة 6.8 درجة يهز الأرض على بعد 600 كيلومتر تقريبا. لقد ذهبت إلى الفراش دون أن أدرك أن حياة الآلاف من المغاربة لن تعود كما كانت أبدا. لم أنم جيدا تلك الليلة، إذ ظللت أتقلب وأتقلب، بين الفينة والأخرى، ولم أشعر بالراحة لحظة واحدة، على غير العادة.

وفي صباح اليوم التالي، استيقظت على عالم من الحزن والألم والخسارة التي لا يمكن تصورها. كان الفرق بين ضحك تلك الليلة وصمت الصباح قاسيا وصارخا ومطلقا. ومع مرور الساعات ووصول المزيد من الأخبار وتحديثها لحظة بلحظة، أدركت كم كنا محظوظين جميعا في تلك الليلة. ما مدى السرعة التي كان من الممكن أن تتغير بها حياتنا جميعا – من الأولاد الذين يركبون دراجات الرجل إلى المواطنين من سكان المدينة الذين يمارسون رياضة “الكيك بوكسينغ”، وكنت قد بدأت للتو في التعرف عليهم، إلى زملائي في الفصل أثناء عودتنا إلى الحرم الجامعي مشيا على الأقدام. لقد أرسلت لأمي رسالة نصية أخرى. دليل فعلي على (أني على قيد) الحياة، وأني لم أصب بأذى جسدي، ولكنني أترنح عاطفيًا. غارقة في الحزن، والحداد.

 وبدا الأذان للصلاة مختلفا بعد ذلك. حزين، وحدادي ومؤثر ويصعب نسيان نبرته. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت أجد نفسي أتوقف وأستمع إليه بشكل أعمق مما كنت أفعل من قبل. عادة، لا أصلي لأنني لست متدينة، ولكن في غضون أشهر وجدت نفسي أصلي مرتين. الأولى، في جنازة جدتي. أتذكر أنني كنت أحمل بطاقة صلاتها، بين يدي، وأدعو لها والمطر ينهمر. والآن، وبعد مرور شهرين فقط، استمعت إلى صدى الصلوات اليومية في جميع أنحاء المغرب في اليوم التالي للزلزال، وأغمضت عيني، وأخذت نفسا عميقا، وصليت مع البلد بأكمله من أجل شعبه.

*جامعة نيوإنگلند، فرع طنجة 

Visited 7 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد العزيز جدير

كاتب ومترجم مغربي