رئيس الأكاديمية الفرنسية وشبهة “الفيلق الأجنبي”

رئيس الأكاديمية الفرنسية وشبهة “الفيلق الأجنبي”

 إسماعيل طاهري

هل بلغ الكاتب اللبناني أمين معلوف مستوى الكتاب: محمود درويش او نزار قباني او حنا مينة او عبد الرحمن منيف أو حتى حيدر حيدر او عبد الوهاب البياتي؟ هل حصل على جائزة نوبل؟ ما هو مستوى كتاباته الروائية باللغة الفرنسية على الصعيد العالمي؟

هل يستطيع كتابة رواية باللغة العربية (لغته الأم الدارجة اللبنانية) في مستوى ما كتبه محمد شكري او إدريس الخوري او محمد  زفزاف او محمد برادة أو جمال الغيطاني أو الطاهر وطار؟

لماذا كل هذا الضجيج حول انتخابه سكرتيرا دائما لأكاديمية اللغة الفرنسية ونسب منجزه لكونه من أصل لبناني يحمل الجنسية الفرنسية.

دولة فرنسا تعتمد مثقفين يمكن وصفهم بمجندي الفيلق الأجنبي (كما في الجيش الفرنسي) لاعطاء الدليل على ان الثقافة الفرنسية ثقافة عالمية منفتحة، والحال والتاريخ يؤكد بأنها لغة/ ثقافة انتشرت في لبنان وإفريقيا وأميركا بالحديد والنار والنخاسة والامبريالية والإحتلال والاستعمار والحماية والانتداب وامتصاص دماء الشعوب المستضعفة ونهب خيراتها بما فيها المادة الرمادية/ الأدمغة. وذلك باستغلال الدين والتبشير والمخابرات (الرحلات) والإستشراق وتوظيف فكر الانوار و”الأزمنة الحديثة” كمبرر لنشر الحضارة والمدنية بالقوة. وهذا لا يمنع من الإعتراف بمنجز فرنسا الادبي والفكري والسياسي خصوصا خلال القرن التاسع عشر، وهذا جاء في سياق عصر الانوار والنهضة الاوربية. كما لا يمنع من الجهر بازدواجية الكثير من رموز الانوار اليمينيين/الليبراليين وبعض اليساريين (بما فيهم فيكتور هيكو وتبريره للاستعمار والإمبريالية رغم كونه يحمل فكرا تنويريا قريبا من الفكر اليساري).

كما أن الأكاديمية الفرنسية نفسها رفضت عضوية موليير (الذي تنعت الفرنسية باسمه) وروسو ورغم ادعاء عدم حضور السياسة في اختيارتها فإن السياسة تبقى حاضرة بقوة .. وإلا كيف نفسر إغلاق الأكاديمية مباشرة بعد نجاح الثورة الفرنسية؟

بالأمس استعان الرئيس الفرنسي الحالي مانويل ماكرون بخدمات الكاتبة المغربية ليلى السليماني كمستشارة ثقافية له بعيد فوزها بجائزة الغونكور، واستبعد الكاتبين المغربيين عبد اللطيف اللعبي والطاهر بنجلون الفائزين بالغونكور أيضا، لارتباطهما الوثيق بثقافة المغرب بلدهما الأصلي، كما دفع بالسيدة أودري (نجلة أندرو أزولاي مستشار ملك المغرب محمد السادس) لترأس منظمة اليونيسكو كما دفعت فرنسا ب Louise Mushikiwabo  وهي مثقفة رواندية لرئاسة منظمة الفرانكفونية والعابها ومهرجاناتها التي لا تنتهي. رغم كون رواندا تخلت عن اللغة الفرنسية لصالح الانجليزية وتحقق نسبة نمو مرتفعة بالقارة الافريقية بعد تحولها اللغوي.

انتخاب أمين معلوف صاحب نظرية “الهويات القاتلة” على رأس أكاديمية اللغة الفرنسية لن يساهم الا في تأبيد التبعية الثقافية والسياسية للبنان للمتروبول الفرنسي. وبتبعية الدول المفروض عليها استعمال اللغة الفرنسية كلغة أم “مصطنعة ومزورة” كما هو الحال في العديد من دول إفريقيا بعد القضاء على اللغات الأصلية بها.

الدراسات اللغوية الحديثة حسمت موضوع اللغة منذ دي سوسور مرورا بكريماص وتشومسكي وهذا العالم الأمريكي الذي لازال على قيد الحياة وطروحاته ونظرياته في اللسانيات منذ 1956 تفند كل ما يروج حول موضوع اللغات الحية من إنجليزية وفرنسية وغيرها ..كل اللغات متساوية وتخضع لنفس القوانين السانكرونية والدياكرونية.

والعديد من النخب الفرنكفونية من دول العالم الثالث لم تخرج بعد من عقدة اللغة الفرنسية.

نحن لا نقلل من رمزية النجاح الشخصي للكاتب الفرونكفوني أمين معلوف بوصفه مثقفا لبنانيا هرب من الحرب الأهلية اللبنانية ووصل الى أعلى المراتب في سلم الرقي الإجتماعي بعد حصوله على جائزة غونكور الفرنسية الرفيعة، وتكريمه قبل عامين في قصر الإليزيه من طرف الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ووشحه بوسام فرنسي رفعه إلى رتبة ضابط كبير. بل صار واحدا من الخالدين بمرتبة وزير دائم/خالد لا حق له في الإستقالة من عضوية الأكاديمية الفرنسية مند تعيينه عضوا فيها سنة 2011 وهو الثاني عربيا الذي وصل الى هذا المنصب بعد الكاتبة الجزائرية آسية جبار (2005). وأمام هذا المسار يدعي معلوف أنه مواطن عالمي (؟) وهذه هويته البديلة.

لأنه يصعب عليه أن ينفي هويته اللبنانية / العربية، لذلك فضل الهروب الى العالمية (هوية اللاهوية) ليجد له موقع قدم داخل النخبة الفرنكفونية الفرنسية وقد تم له ذلك بنجاح باهر، وبـ”الصحة والراحة” كما يقول المغاربة.

فاللغة الفرنسية بالنسبة لمعلوف ليست “غنيمة حرب” كما قال الكاتب الجزائري الراحل كاتب ياسين) ودفع ثمن قولته غاليا، ولكنها، برأينا، غنيمة هزيمة هوياتية وسياسية تضرب نخب لبنان ومختلف الدول الفرانكفونية (غير الغربية) في مقتل. وتجعلها أسيرة أجندة الحضارة والثقافة الفرنسية التي تبقى في النهاية ثقافة محلية لحوض باريس فرضتها الدولة اليغقوبية بالقوة على مختلف أقاليم فرنسا. وبعد تحول الدولة اليعقوبية الى الامبريالية فرضت لغة وثقافة حوض باريس بالبنادق والدبابات في أمريكا وإفريقبا وهو الأمر الذي استمر في المرحلة ما بعد كولونيالية والنيوكولونيالية الى اليوم.

Visited 7 times, 2 visit(s) today
شارك الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب