محمد حمودان يقدم كتابه “أن تصير”

محمد حمودان يقدم كتابه “أن تصير”

أحمد لعيوني

تواصل المكتبة الوسائطية بخريبكة تنفيذ برنامج متنوع من العروض الثقافية والفنية. فبعد اللقاء الذي افتتحت به موسمها الثقافي بحضور الكاتب فؤاد العروي، حل الشاعر محمد حمودان، المقيم بفرنسا، يوم السبت 07 أكتوبر 2023 ضيفا على الجمهور االخريبكي لإحياء أمسية شعرية، باستعراض محتوى مؤلفه الصادر مؤخرا “أن تصير” Devenir . يضم الكتاب مجموعة دواوين نشرها الكاتب ما بين 2003 و2021، وتتضمن أشعارا تتطرق لمواضيع مختلفة، استلهم الشاعر بعضها من إقامته ببلاد الغربة بفرنسا، وأخرى تتوق إلى الحنين لأرض الوطن، الذي تستمر ذكرياته عالقة بذهنه.

أشرف على تسيير جلسة هذا اللقاء الأدبي، قاسم باسفاو، الأستاذ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والباحث المشارك في المركز الوطني للبحث العلمي، ومعهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي إكس أون بروفانس بفرنسا. قام في بداية الجلسة بتقديم الكاتب لجمهور الحاضرين، بكون محمد حمودان من مواليد 1968 ببلدة المعازيز بإقليم الخميسات، تابع دراسته بسلا، حي تابريكت. نشأ بين أحضان الكتب التي كان يوفرها له أخوه الأكبر، والتي نهل منها الشيء الكثير باللغتين العربية والفرنسية.

 رحل محمد حمودان إلى فرنسا سنة 1986 لمتابعة دراسته الجامعية، وسكن بالضاحية الباريسية. ظهرت أول انتاجاته الأدبية بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث صدر له ديوانان  عن دار النشر الفرنسية لارماتان بعنوان : “قصائد من بعد موسم الصمت” سنة 1992، و”صعود قطعة عارية في وضعية سقوط” سنة 1994. واستمرت انتاجاته بشكل مسترسل لدى العديد من دور النشر، وجاءت فكرة إصدار مؤلف يحتوي على مجموعة دواوين، أطلق عليه اسم أن تصير، لعدة أسباب، أهمها، كون أغلبية دور النشر التي طبعت الدواوين أغلقت أبوابها بوفاة أصحابها، نظرا لطريقة التسيير الشخصية في إطار الملكية الفردية الخاصة، التي تجعل المقاولة تتوقف بمجرد رحيل صاحبها إلى دار البقاء. ومن جهة أخرى إتاحة الفرصة للقارئ بالحصول على مجموعة من أعماله، منها : “محاولة اغتيال” سنة 2002 بدار لاديفيرونس، و”بلانش ميكانيك” سنة 2004 بدار المنار، حيث تتيح الاطلاع عليها بطريقة ميسرة، وتريح من البحث عنها متفرقة، خاصة وأن دور النشر التي أنجزت الكتب لم يبق لها وجود.

أنتج الكاتب كذلك روايتين باستعمال أسلوب يميل إلى الشعر، بمقاربة الأدب المهجن، يخلط بين الذوق الفني، والخروج عن القواعد النحوية النمطية، وإدراج المواقف الحرجة، ومقاطع أجناس أدبية مختلفة، كأنها قطع متناثرة لتكون لوحة مشوقة. كما تطرق مسير الندوة إلى أعمال الكاتب في مجال الترجمة، واعتبرها ذات قطبين، تسير في اتجاهين، خلاف المترجمين المتخصصين بنقل النصوص من لغة إلى أخرى. فهو يتوفر على المهارة والكفاءة العالية حيث يترجم من الفرنسية إلى العربية، ومنها إلى الفرنسية. من أعماله المترجمة، “معراج” شعر ل Pierre Louÿs ، ومجموعة قصصية لنبيل دريوش، و”أربع ساعات  بشاتيلا” لجان جوني، ولإدريس الشرايبي رواية “أم الربيع” ، و”التيوس”، “المعركة الأخيرة للكابتين نعمت” للروائي الراحل محمد لفتح، و”لن تعبر المضيق” للروائي والناقد المغربي الفرنسي، سليم جاي، و”مقابلة مع ليلى شهيد” لجيروم هانسكينن، و”رسائل إيف” (إيف سان لوران). ومن العربية إلى الفرنسية :”ورد ورماد” أو حرائق الأدب المغربي.. رسائل متبادلة بين برادة وشكري. فهو من جيل المهاجرين الموسوم بحساسيات ورؤى متعارضة بين الشعر والسرد، وخاصة الذين جاؤوا إلى بلاد المهجر، مثل محمد حمودان، بعد أن درسوا في أرض الوطن بلغة مزدوجة. بقي وجدانه متشبث بجمالية اللغة العربية، وإن لم يكتب بها، فإنه يترجم لها.

 يمارس محمد حمودان الفن التشكيلي، فإن لم يكن أقام معارض لوحاته بعد، فقد أعلن خلال هذا اللقاء بأنه سيعرض قريبا بالرباط. وهو من خلال أعماله، ينشئ قنطرة بين الشعر والرسم، وإخراج قصيدة في شكل لوحة فنية. أشعاره تقدم في قالب متنوع التوجهات والمعاني، يصف  من خلالها حركية المدينة والضواحي. نجد في قصائده فن عمارة المدينة الراقية، وأيضا العمران الهامشي. أما بناء القصيدة وشكلها، فيشتغل فيه على جرسية النص، وربطه بالإيقاع الموسيقي، واستخدام لون “سْلام” الذي يمكنه تشكيل لوحة موسيقية بدون آلات، وينطلق من التحدث بصوت عال في مكان عام، وبلغة يتم اختيار كلماتها بشكل يخدم الإيقاع. تُدخِل قصائده في عناصرها استكشاف مساحات التعمير بحواضره وهوامشه، فهو شعر تهجير وانتقال، وبداخله تفاعل وهيجان، يتجاوب مع مجال التيمات التي يشتغل عليها بسيمياء تقتحم الأجساد والحواس، أو هي انزلاقات جسدية، تتحدث عن مختلف أعضاء الجسد دون حدود، ودون رقيب، وهو ما يعرف بالأدب خارج التعبير – الضغط، وذلك بمحاولة الخروج من دائرة الضغوط الداخلية، وإزاحته إلى خارج الجسد والتخلص من الشحنة الزائدة. إنها استعارة يتصف بها التعبير في الكتابة لدى محمد حمودان، تتميز بقذف وطرد ما بداخل الذات، في كل أعماله، وعلى الخصوص مجموعته “أن تصير” كيف تَحدَث الكتابة، وما يمكنها أن تُحدِث، أو تؤثر في تغيير هذا العالم. الأشكال الحاضرة في قصائده، تدل على البناء والهدم، بفعل عوامل الضغوط الاجتماعية، وضغط الخطابات السياسية والدينية ومختلف الخطابات النمطية. الكتابة لديه بين هذه العوامل، وعلى شتى المستويات. يقرض الشعر الممزوج بالسرد، ويكتب النثر الذي يميل إلى الحس الشاعري. يستعمل الكلمات النادرة والقليلة التداول، وتستميله الجاذبية نحو التعبير المهجن، كعناصر للتمرد والاستنساخ.

***

أورد محمد حمودان من خلال حديثة لتوضيح أسباب إخراج مؤلفه الجديد الذي جمع فيه العديد من الدواوين السابقة، بعد استيفاء عقده مع الناشرين واسترجاع حقوق التأليف، نتيجة إغلاق دورهم، وأيضا  من أجل توفيرها للقارئ، باستثناء ديوانين نشرا بدار “لارماتان” التي ما تزال تحتفظ بحقوق النشر.

كما أضاف أنه بدأ الكتابة منذ بلوغه سن الخامسة عشر من عمره، كان حينها يعرض نصوصه على أساتذته، الذين نوهوا بها. ويرى أن الكاتب تطرح عليه أسئلة، وتعرض عليه مشاكل،  آنذاك يجد نفسه في وضعية البحث عن حلول، أو تقديم اقتراحات، كما أنه بدوره يطرح أسئلة تهتم بالعالم من حوله. وبالنسبة له، يرى أن من سبل العيش في هذا العالم، هو التفكير وإعادة التفكير فيما يدور حولنا، والذي أصبح شيئا ضروريا بالنسبة له. يقول حينما اكتب أحس بأنها مسألة ملحة تلزمني القيام بها. وهناك أشياء وأحداث تدفع من الداخل، من الأعماق، وتحث على الكتابة، والتي تكون بهذه الطريقة أو تلك.

وعن ديوان “حالة الطوارئ”، يقول بأن الناشر هو من أشار عليه بإدخال الرسوم. وفعلا كان لهذه الصور تبادل في المعنى بينها وبين النص، حيث هناك أحيانا لوحات فنية تنبعث من الكلمات، وتشكل عملا منسجما يربط المعنى بهذا النص في مجمله. النص يحتاج إلى إيقاع موسيقي، وأن يجد القارئ فيه صورا تنتقل وتتتابع في نفس السياق، صور تندلع من القصيدة، لتضفي عليها رونقا وجمالية، مع توضيح المعنى. ويضيف، تنتابني أحيانا حالات، وأكاد أعبر عنها بنداء داخلي يدفعني للكتابة، وأجد نفسي مضطرا لذلك وفق طريقة معينة. كتاباتي ليست مجرد تجميع كلمات، بل إنني أحرص على أن يمر النص بصوتية تعتمد رنات موسيقية متجانسة. أريد بذلك جعل القارئ يشعر وكأنه يشاهد صورا في تسلسل متناغم مع أحداث القصيدة، بتناولها وصف ظواهر مجتمعية كما لو كانت شريطا سينمائيا، لكنه شريط مفروم، بعرضه صورا متنوعة. حسب منهاجي في الكتابة، أعتبر الكاتب كأنه مصور يتجول في الشوارع الغاصة بالناس، المحاطة بالمقاهي والملاهي، ومختلف وسائل التسلية  بالمدن الكبرى، يحمل كاميرا على كتفه، ويسجل الأحداث كما تقع.

تحدث الشاعر عن طريقة بناء القصيدة، والأهمية التي تشكلها بالنسبة لأعماله. القصيدة لديه تتكون من الحس والصوت والصورة. وهي بذلك تتطلب هندسة متينة كما هو الشأن بالنسبة للتشييد العمراني. وأشار بالمناسبة لما كتبه في مقدمة الكتاب، بأن “الكلام هش مادامت قيمته ثمينة” لذا يتطلب صناعة ذات جودة راقية. وأضاف بأنه كتب قصيدة سنة 1990 تتحدث عن شجرة السنديان، ذلك الشجر المتين، الصلب، الذي يقاوم تقلبات الزمن وعنفوان الطبيعة. ويضيف، استمرت أعمالي على هذا المنوال لتكون قوية، وتصمد لوقت طويل، ولا تنهار لأبسط ارتجاج.

وفي نهاية اللقاء تقدم الشاعر بقراءة قصيدتين جديدتين لم تنشرا بعد، مذكرا الحاضرين بأن تلاوتهما تتم لأول مرة أمام جمهور المكتبة الوسائطية بخريبكة. الأولى بعنوان : سفينة من ورق تتخبط وسط الصحراء – Un bateau en papier qui patauge dans le désert  من ثلاثة فصول. والثانية بعنوان : الارتجاج – Le séisme . 

 

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد لعيوني

باحث في تاريخ امزاب