فلسطين تعري الصهيونية العالمية
لحسن أوزين
الصهيونية ليست فقط مفهوما جغرافيا مرتبطا بدولة الاحتلال الصهيونية الإسرائيلية، بل هي مفهوم جيوسياسي استعماري، عنصري واستيطاني. وله ارتباطات موضوعية كبيرة بالهيمنة الرأسمالية الامبريالية في التحكم في ثروات و مقدرات، وكفاءات، و مسارات واختيارات ومصائر الشعوب التي ناضلت وقاومت الاستعمار العسكري التقليدي والحديث. كما له ارتباطات بالسوسيولوجيا والاثربولوجيا الكولونيالية التي سيدت المقاربات الثقافوية والدينية، الى جانب صورة القطيع والحيوانات البشرية المتخلفة والشرسة والمعقدة والعدوانية. وأيضا الصهيونية مفهوم له امتدادات سياسية بالاستبداد والأنظمة المحلية، في سياقات التوافق السياسي الاقتصادي الذي يعمل على تأبيد السيطرة والتبعية والقهر السياسي والاجتماعي بمستوياته المادية والرمزية، الفكرية والثقافية، والإنسانية…
1/ الوجه الدموي للديمقراطية الأوروبية والأمريكية
صحيح أن الغرب متعدد ومتنوع ومختلف، وأن مستويات الشرط الحضاري المادي والفكري، خاصة أبعاده النقدية، تجعل كل المجتمعات المقهورة تحلم وتطمح الى اكتساب الأسس المادية والرمزية الفكرية والعلمية والتكنولوجية التي جعلت من بلدانه بلدانا، متقدمة وديمقراطية محليا. لكن الوجه الدموي لهذه الديمقراطية تاريخيا يتمثل في علاقاتها بشعوب العالم المستعمر والمتخلف، في إطار وحدة التاريخ العالمي الذي فرضته السيرورة التاريخية للتوسع والتراكم الرأسمالي والهيمنة الامبريالية، هذا الوجه البشع الدموي الذي قلما تنتبه إليه أقلام وتيارات سياسية وفكرية…
فقد قامت ونهضت هذه الديمقراطية الساحرة محليا في بلدانها على أنقاض وجثث وأشلاء شعوب المستعمرات، التي احتلتها سابقا، والمقهورة سياسيا، الآن هنا، باستبداد” وطني”، أقرب في ممارساته السياسية الى المصالح والسياسات الغربية في السيطرة والهيمنة، وفي تأبيد التخلف والتفكك والتشظي المجتمعي والسياسي، إنه استبداد وتسلط أقرب الى نوع من استمرار السيطرة والاحتلال الكولونيالي، وذلك من خلال معاودة إنتاج أشكال سياسية محلية للاستعمار المستحدث.
واليوم تعري فلسطين هذا الوجه الهمجي للديمقراطية الغربية بكل معاييرها المزدوجة والبشعة في التعامل مع باقي الشعوب غير الغربية الاوربية والأمريكية. فالدعم والسند ومختلف أشكال الفعل السياسي والإعلامي تقوم به الدول الغربية وعلى رأسها الوحش الدموي الأمريكي الذي حول العالم الى بؤر للحروب والتوترات…
فهذا الوجه الدموي حاضر بقوة سياسيا واعلاميا وعسكريا في جرائم الحرب التي ترتكبها الصهيونية العالمية، سواء الإسرائيلية، أو الغربية والأنظمة الاستبدادية المحلية الخنوعة والمنبطحة، والمكرسة للسطوة والهيمنة والسيطرة الكولونيالية المستحدثة.
لذلك صار واضحا لمن كان جاهلا أو حائرا تجاه هذا الوجه الخفي للديمقراطية الاوربية والأمريكية. وهو وجه النهب والدم والإبادة والتهجير والقتل العاري للإنسان من أية حرمة واعتبار للقوانين الدولية و المؤسسات الدولية الحامية والقائمة على احترام قيم السلام والعدالة والكرامة الإنسانية…
هذا الوجه الهمجي المتناقض كليا وبالمطلق مع كل الشرائع والمواثيق والأعراف والقوانين والمبادئ الإنسانية. وبالتالي فنحن أمام إرهاب فظيع حجته ومسوغاتها ومبادئه هي القوة والعنف والقتل والابادة، على أساس التغلب الهمجي في فرض القوة والدمار في حق الشعوب التواقة للحرية والكرامة والعدالة والتحرر من الاستعمار الصهيوني العالمي.
2/ فلسطين تعري الاستبداد العربي والإسلامي
تعري فلسطين طبيعة وحقيقة هذا الاستبداد المنخرط بشكل حثيث في مشاريع الامبريالية والصهيونية العالمية. باعتباره جزءا عضويا غارقا في الدم والخراب والتخلف الذي طال المجتمعات في كل القطاعات والمستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. تواطؤ رهيب على تنفيذ سياسات الوجه الدموي للديمقراطية الغربية في النهب والسطو والاستغلال والمصادرة. والقبول بكل ما تمليه همجية هذا الوجه العنيف والجشع لديمقراطية الغرب من السياسات الاقتصادية والمالية والايكولوجية…
وتقديم بلداننا هدية مجانية للمؤسسات المعولمة كالشركات المتعدية الجنسيات والمؤسسات النقدية والمالية في التحكم في زمام مصائرنا بالمديونية ومختلف أشكال السياسات والتعاملات والتبادلات اللامتكافئة المكرسة لاعادة إنتاج السيطرة والهيمنة.
3/ القهر والقهر المضاعف
صحيح بأن شعوب العالم الحرة الواعية جدا بالوجه الدموي للغرب الرأسمالي الامبريالي، تحتج وتندد وتدعم الشعب الفلسطيني، ولا تختزل حقه في تقرير مصيره في هذا الفصيل أو ذاك. حيث يسمح لها فكرها النقدي ورؤيتها السياسية الواسعة والملمة بمختلف الديناميات والتناقضات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية على المستوى الوطني والعالمي، أن تتضامن مع الإنسان المهدد بالابادة والجرائم الحربية ضد الإنسانية، بغض النظر عن أي اعتبارات عرقية اثنية دينية…
وصحيح أيضا أن شعوب المجتمعات العربية والإسلامية تحتج وتندد وتشعر بالعجز المضاعف لكونها مقهورة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا…
ويزداد سؤالها النقدي رعبا وحيرة وألما وهي ترى علم الصهيونية الاسرائيلية يرفرف في بلدانها متحديا ارتباطها العضوي الانساني بالمسألة الفلسطينية. قهر سياسي يفرض نوعا من الخيبة القهرية في حدها الأقصى الذي يشعرها أن احتجاجها كشعوب مشبوه لكونها تتلقى الضربات نفسها التي يعانيها الشعب الفلسطيني وهي لا تقوى على أبسط أشكال الفعل الإنساني في الشعور بذاتها حرة مستقلة وذات إرادة في فك الارتباط بالمشروع الصهيوني الذي ينهال عليها بضربات القهر النفسي والسياسي…في وضعية رهيبة ومروعة من عذابات الألم النابع من القهر المضاعف محليا وأجنبيا.
إزاء هذا القهر المضاعف الذي نكرس إعادة إنتاجه والقبول به بشكل أو بآخر، هل نستطيع الهروب من شبهة التورط في الدم الفلسطيني، والقبول بالمشروع الصهيوني، والوجه الدموي للديمقراطية الاوربية والأمريكية؟