ليل غزة الطويل: دم ودمار
السؤال الآن ــــ وكالات وتقارير
كان ليل غزة طويلا في اليوم الــ 17 للحرب عليها بعيد تنفيذ “حماس لعملية طوفان الأقصى”، إذ شهدت مناطق القطاع المحاصر غارات إسرائيلية مكثفة ووصل عدد ضحاياها خلال الــ 24 ساعة الأخيرة 400 شخصا معظمهم من الاطفال.
ومنذ بدء العدوان على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، استشهد 4741 فلسطينيا بينهم 1873 طفلا و1023 امرأة، بالإضافة إلى أكثر من 14 ألف جريح، مقابل أكثر من 1400 قتيل إسرائيلي.
هذا وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، اليوم الإثنين، أن إسرائيل وافقت على طلب واشنطن تأجيل الدخول البري إلى غزة حتى وصول قوات أميركية إضافية.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس جو بايدن، نصحت إسرائيل بتأجيل الغزو البري لقطاع غزة بهدف كسب الوقت لإجراء مفاوضات بشأن “الرهائن” والسماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وقد تركز القصف الاسرائيلي على جباليا وبيت لهيا شمالا، والمحافظة الوسطى وحي الرمال، ومخيم الشاطئ غربا، وخان يونس ورفح جنوباً، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية. هذا تستمر معاناة سكان غزة المدنيين نتيجة الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشونه مع شح المؤن الغذائية والطبية، ومعاناة المستشفيات المتبقية التي ترزح تحت ضغط تدفق المصابين والجثث، وسط تهديدات إسرائيلية ودعوات لإخلائها.
ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى إطلاق تحذير ومناشدة بتأمين ممر دائم لإدخال المساعدات إلى غزة.
وقال مدير عام المنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في تغريدة اليوم على منصة “أكس”، إن هناك حاجة إلى ممر آمن ومستدام لإدخال المساعدات الإنسانية. وأضاف “يجب السماح بإدخال الوقود إلى غزة من أجل المرافق الصحية وشاحنات النقل، هذه القرارات تتوقف عليها أرواح“.
بدوره دعا المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إلى فتح معبر رفح بشكل دائم وتدشين ممر آمن لإدخال الاحتياجات الإنسانية لإنقاذ الوضع “الكارثي”.
وقال في بيان على صفحته على فيسبوك أن قوافل المساعدات التي وصلت القطاع وقوامها 34 شاحنة حتى الآن “أقل بكثير من حاجة غزة التي كان يدخلها أكثر من 500 شاحنة محملة بمختلف الاحتياجات اليومية”.
إسرائيل لن توقف النار
وبينما تستمر الدعوات من مصر والأمم المتحدة من أجل وقف مؤقت لإطلاق النار، لتأمين دخول قوافل الإغاثة إلى قطاع غزة، وإخراج الأجانب العالقين في جنوب غزة، والانتهاء من ملف الأسرى الشائك، يزداد التعنت الاسرائيلي، إذ أكد مسؤول إسرائيلي رفيع أنه “لن يكون هناك وقف لإطلاق النار”، رغم الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والمساعي القطرية لإطلاق سراح أكثر من 200 أسير تحتجزهم حماس.
كما نفى اطلاعهم على الدعوات الأميركية لتأجيل العملية البرية الإسرائيلية المتوقعة في غزة، قائلاً “لا علم لنا”. وشدد على أن بلاده وواشنطن تريدان إطلاق سراح جميع الأسرى “في أسرع وقت ممكن”.
وعن إمكانية وقف النار بغية لتأمين دخول المساعدات قال “لا يمكن السماح للجهود الإنسانية بالتأثير على مهمة تفكيك حماس”.
واليوم قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هغاري، اإنه يوجد بحوزة الجيش الإسرائيلي أكثر من 1000 جثة لمقاتلي حماس إضافة إلى أسرى من مقاتلين حماس. وأضاف أن قوات سلاح المدرعات وسلاح المشاة يواصلون التوغل في قطاع غزة، بادعاء البحث عن معلومات حول مفقودين وأسرى إسرائيليين. وتابع أنه تم إبلاغ عائلات 222 أسيرا إسرائيليا الذين تم نقلهم إلى قطاع غزة.
وتطرق هغاري إلى اجتياح بري يشنه جيش الاحتلال، وقال إن المقاومة في القطاع تتواجد في عشرات المواقع، “وكلما مر الوقت نحن نحسّن الجهوزية من أجل تنفيذ الاجتياح بأفضل شكل”.
سكان تل أبيب يتسلحون
وعلى الرغم من أن الوضع في تل أبيب يبدو طبيعيا للوهلة الأولى، إلا أن سكان المدينة الإسرائيليين يعربون عن صدمتهم لشعورهم فجأة بأنهم “عرضة للخطر” وعن فقدان الثقة بـ”المنظومة الأمنية”، وفق فرانس برس. وأكد خبير البرمجة المعلوماتية عوفر كادوش البالغ من العمر 46 عاماً أن الثقة فقدت بالمسؤولين الأمنيين، قائلا “فقدنا الثقة بمنظومتنا الأمنية.. كيف لا؟”. وأضاف “استعادة هذه الثقة ستحتاج إلى وقت طويل. بانتظار ذلك سأشتري سلاحا”.
كذلك، أعرب ميشال حداد وهو فرنسي إسرائيلي يبلغ 63 عاما أتى من مرسيليا في مطلع الثمانينات للإقامة في إسرائيل، عن شعوره بالخطر وانعدام الثقة. وقال: “لم أفكر قط أنه سيحل يوم أفكر فيه أن أحدا في عائلتي سيشتري سلاحا بغرض الحماية”.
كما أكد أنه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر تنام ابنته مع سكينين على الطاولة المجاورة لسريرها فضلا عن عصا بيسبول، ولا تتوقف عن التحقق من أن بابها موصد بإحكام وتراقب الشارع من شقتها في الطابق التاسع.
ووسط تلك الأجواء، ينتشر جو من الشائعات عن هجمات محتملة. ما دفع الشرطة والناطق باسم الجيش الجنرال دانيال هاغري إلى توجيه نداء إلى السكان لالتزام الهدوء وعدم الاكتراث بما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن العديد من السكان لم يأبهوا لهذا التطمين، واشتروا ألواح خشب لتدعيم أبواب مداخل شققهم ومنازلهم وعدم السماح بفتحها من الخارج.
وأقر مجلس النواب الإسرائيلي إجراءات قانونية جديدة لتسليح المدنيين. وكشفت جلسة برلمانية أنه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر تقدم نحو 41 ألف إسرائيلي بطلب رخصة حيازة سلاح في مقابل ما معدله 38 ألفا سنويا.
صاروخ مستشفى المعمداني
أكد غازي حمد، أحد كبار مسؤولي حماس، أن الصاروخ الذي قصف به مستشفة المعمداني “ذاب مثل الملح في الماء”، مضيفًا “لقد تبخر، ولم يبق منه شيء”، وفق ما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”. وأردف: “أنتم تتجاهلون كل المجازر الأخرى”.
من جهته، قال سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي الذي تديره حماس: “من قال إننا ملزمون بتقديم بقايا كل صاروخ يقتل شعبنا؟ على العموم، يمكنك أن تأتي وتبحث وتتأكد بنفسك من الأدلة التي بحوزتنا”.
وكانت اسرائيل رفضت إسرائيل تقديم سجلات لجميع أنشطتها العسكرية في المنطقة وقت الغارة. كما رفضت تحديد مقطع الفيديو الذي استندت إليه في تقييمها لمسؤولية الفصائل الفلسطينية.
وكان مصعب البريم، المتحدث باسم حركة الجهاد قال “لقد ارتكبنا أخطاء، لن أنكر ذلك، لكنها ليست أخطاء بهذا الحجم.”
يذكر أن إسرائيل كانت زعمت أن صاروخا من الجهاد أطلق بشكل غير صحيح وسقط في ساحة للسيارات ضمن المستشفى.
وقال الأدميرال دانييل هاغاري، “وفقًا لمعلومات استخباراتنا، فإن حماس تحققت من التقرير، وأدركت أنه صاروخ من حركة الجهاد لم ينطلق بشكل صحيح، وقررت إطلاق حملة إعلامية عالمية لإخفاء ما حدث بالفعل”.
ولم تأتي التصريحات الإسرائيلية حول موقع إطلاق الصواريخ متسقة. ففي حين أشار هاجاري إلى أن الصاروخ الطائش أطلق من مقبرة قريبة من المستشفى، بينت الخريطة التي نشرها الجيش على الإنترنت أن موقع الإطلاق كان بعيدًا. لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن دعمت مع ذلك رواية إسرائيل، حيث قال مسؤولون إن خيوطا متعددة من المعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك بيانات الأقمار الصناعية بالأشعة تحت الحمراء، أظهرت إطلاق صواريخ من مواقع داخل غزة.
في المقابل، شككت مجموعة فورينسينك اركيتيكت، وهي مجموعة تحقيق بصرية مقرها لندن، في الرواية الإسرائيلية، قائلة إن الذخيرة أُطلقت من اتجاه إسرائيل.
جنرالات اسرائيل والهجوم البري
من جهة ثانية، استعرت الخلافات بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، حول موعد وشكل الاجتياح البري، وفق ما أفادت “يسرائيل هيوم” المقربة من رئيس الحكومة. إلا أن جنرالاً وحيداً خرج مناصراً خيار التأجيل وداعماً نتنياهو.
فقد اعتبر الجنرال المتقاعد إسحاق بريك، أن الاجتياح أشبه بـ “مصيدة ضخمة” ستوقع خسائر فادحة، وقد تفجر حرباً إقليمية.
ووصف اللواء المتقاعد البالغ من العمر 75 سنة المتحمسين للاجتياح بالمغرورين الذين لا يفقهون شيئاً في الحرب، كما حذر الرجل السبعيني الذي يسميه اليمين المتطرف “نبي الغضب”، لأنه تنبأ بهجوم السابع من أكتوبر، من هجوم مشابه سيقوم به عشرات ألوف المسلحين الفلسطينيين على المستوطنات في الضفة الغربية، وفق ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”.
وقد التقى بريك قبل أيام مع نتنياهو، وحذره بشكل شخصي من “مكيدة اجتياح غزة”، وكيف يمكن أن تتحول إلى كارثة بثمن كبير.
وطالب بإقالة قائد اللواء الجنوبي في الجيش الإسرائيلي فوراً، ومنعه من قيادة الجيش في المعركة، وكذلك رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، بسبب مسؤوليتهما عن الإخفاق الكبير الذي أتاح هجوم حماس
وقال خلال لقاء مطول مع محرري «قناة 14» التلفزيونية، التابعة لليمين والمناصرة لنتنياهو، إنهما تلقيا إنذارين على الأقل قبل يوم واحد من هجوم حماس وليلة الهجوم بالضبط، أي قبل ساعات من الهجوم، بأن حماس تعد لحرب. لكنهما لم ينذرا رئيس الأركان، وبقي رئيس الاستخبارات يستجم في إيلات!. كما أكد أن تصفية حماس تشكل تحدياً كبيراً للقوات الإسرائيلية ولا يمكن أن تنتهي خلال أشهر.
وختم قائلا: “إذا دخلنا الآن إلى غزة فسوف ندخل في حرب إقليمية ليس فقط مع حزب الله، وليس فقط في الشمال، بل ستنفجر جبهة في الضفة الغربية. وسيهاجم عشرات آلاف الفلسطينيين المسلحين في الضفة المستوطنات هناك، كما من الممكن حصول هجمات مشابهة من عرب إسرائيل في الداخل“!