المسرحي أكريطيط .. الأثيري والمكافح

المسرحي أكريطيط  .. الأثيري والمكافح

ــجـيب طــلال

اجـتراح قـول :

كل المدن، وكل الأقطا، تزخر بطاقات مبدعة وخلاقة. في عدة مجالات فنية وإبداعية وابتكاريه، لكن اللامبالاة وعَـدم الرعاية الامتدادية، والاهتمام سواء بالتشجيع من لدن الوسط العام أو حتى من رفاق الحي وأصدقاء الفصول الدراسية أو التعْـريف بتلك الطاقات عبر وسائل الإعلام “الجاد” و”النبيل” وبالتالي فعامل اللامبالاة، والتي أمست ظاهرة مستفحلة في كل الميادين والمجالات، تقتل تلك الطفرة الموهبية في أعماق صاحبها، لتتشكل فيما بعد أمراض وعقد نفسية، كالاكتئاب، الانطواء، القلق، الجنون،هلوسات، وهذا يلاحظ في المجال المسرحي، السينمائي، تحديدا، والآن اخترق المجال الغنائي، مقابل هذا هنالك رجالات أعطوا الشيء الكثير، لكن لا أحد أنصفهم ولو بكلمة ماكرة، مخادعة. لما قدموه في مجالهم، حتى الذين صعَـدوا على أكتافهم تنكروا لهم في كتاباتهم أو تصريحاتهم، وحتى الذين يحاولون أرشفة المسرح في المغـرب، لا يعْـرفونهم، لأسباب تكمن في عَـدم المجايلة ، وفي عملية الإقصاء من لدن من يستحضرون الذاكرة في بعض اللقاءات، وفي عدم التنقيب الجاد والبحث المنهجي، الموضوعي، من طرف من يسعى للتوثيق، رغم شبه غياب الوثيقة وغيرها. ومن بين الوجوه والأسماء التي ناضلت وكافحت عِـشقا للمسرح بدون خلفيات انتهازية أو وُصولية:الفنان المسرحي أحمد أكريطيط وبالتالي أي قول يمكن أن نطلقه على هذا الفنان الذي كابد واجتهد وتقاتل من أجل إعلاء صوت المسرح بمدينة الخميسات وخارجها، طبعا رفقة جملة من الأصدقاء ورفاق دربه في جمعية النهضة، إلا ما قاله: أبو حيان التوحيدي في مجلده: “الصداقة والصديق” فقد أمسيت غـريب الحال، غـريب اللفظ، غـريب النحلة، غـريب الخلق، مستأنساً بالوحْـشة، قانعاً بالوحدة، معتاداً للصمت، ملازماً للحيرة، محتملاً للأذى، يائساً من جميع من ترى، لأنه أبى أن يعـود للركح وشغبه، فاكتشف أن تموقفاته وتصوراته الأثيرية والكفاحية: غير منسجمة مع التهافت المادي ، وإنتاج التافه من قمامة التفاهة.

بَـين الإسْـم والـوجه

فالمسرحي أحمد أكريطيط، المزداد سنة 1953، كان اسما لامعا في الخميسات، ويعَـد وجها مسرحيا، وطاقة خارقة في التشخيص، وذلك بشهادة أصدقائه ومن شاهده فوق الركح ، إذ كان له حضوره وقوته في فرقة “الطليعة المسرحية” التابعة لجمعية “النهضة الثقافية” بمدينة الخميسات رفقة العَـديد من الوجوه والأسماء الفاعلة والمناضلة في فضاء أول جمعية ثقافية، مسرحية تأسست بالمدينة سنة 1970 فلا نغـيب هذا التاريخ الذي كان متسما بالاحتقان والتوتر، ورغم ذلك ترأسها – الأستاذ – قيد حياته محمد بالقاضي رحمه الله. رفقة… عبد الحق التمسماني ، لحسن حمامة ، بوعبيد الزعزاع ، لحسن أزدو، طباش فرحاتي، أمينة البوش، بوحسيس عبد القادر، شوقي الحمداني، عبد الحق الحريري، أحمد الحريري، الهائج أحم، حمادي ماني، أحمد المصلوحي، عبدالكريم برشيد، نعيمة عكوط، فاطمة الكداري، سعيدة أبسباسي، عبدالله اعروشن، العربي بوعبيد، محمد الجوهري، محمد الزيدوني، أسماء وفعاليات كثيرة من الصعب ذكرها، بحيث الأخ أكريطيط عَـرف المسرح كجنس أدبي مبكرا، وهو لا زال في الطور التعليم الابتدائيوذلك عبر الكتب التي منحه إياها أخوه الأكبر: وخاصة مجموعة مسرحيات للكاتب الفرنسي راسين وكورني وازداد تشبعه به أثناء ولوجه صفوف التعليم الثانوي، بناء على حضور المسرح وبقوة في ثانوية موسى بن نصير وذلك من خلال مسرحية (أهل الكهف) لتوفيق الحكيم التي كانت مقررة في دراسة المؤلفات، ووجود بعْـض الأساتذة الذين يعشقون الفن المسرحي، والذين ساهموا في تأسيس جمعية النهضة كلحسن حمامة، عبد الله بناني،ع الحق التمسماني، برشيد، عبد الحفيظ الحجامي، ولكن قبل أن ينخرط في الجمعية كان في إحدى النوادي، التي كان  روادها يقومون ببعض السكيتشات والقفشات بقاعة دار الشباب (محمد الزر قطوني) أو في الكنيسة وانخراطه في مجموعة (الموشحات العربية) التي كانت تنشط في المناسبات، ولكن بعْـد تأسيس جمعية النهضة الثقافية التي شكلت فضاء لتجمع المثقفين بالمدينة، كان من بين الأوائل الذين انخرطوا فيها، فـشارك رفقة عبد العزيز النافري، سليمان العامري، أحمد الشناوي، حسن أونير، أحمد الغازي ، محمد حربوش ، لحسن أوزدوا ، أحمد عروشن، محمد بجطيط، بوعبيد العَـربي، في أول عمل لها “مسافر الليل” لصلاح عبد الصبور وإخراج عبد الكريم برشيد. والتي تم عرضها على خشبة دار الشباب محمد الزرقطوني، فتلتها أعمال أخرى: كمسرحية (ثوب الإمبراطور) لعبد الغفار مكاوي وإخراج عبد الكريم برشيد ثم (حكاية جوقة التماثيل) سعد الله ونوس و(رباعيات المجذوب) تركيب (مونطاج) هاته الأعمال كان “المبدع أحمد أكريطيط” له فيها حضور قـَوي، من خلال تعبيرات وجهه ورهافة جسده المطاوع للتشخيص ، لكن حينما تم طرح أحد الأعمال لطاولة النقاش، كان هنالك نقاش  وتحفظات واعتراضات، مما فضل (هـو) الانسحاب من جمعية النهضة.

بين جمعية النهضة والجَـرس

انسحابه تم في 1972 رفقة عبد العزيز النافري، سليمان العمري، محمد المصلوحي، حميد المرداسي، عبد الكريم العمري، ليؤسس جمعية “الجرس للمسرح والموسيقى ” على غرار جرس الكنيسة التي اتخذوها مقرا لهم. والتي كانت بمثابة دار للشباب. وسيكون حميد المرداسي رئيسا للجمعية و أحمد أكريطيط كاتبا عاما. فشرعوا في إنجاز وإنتاج مسرحية “الذياب فالجلاب” من تأليف” أكريطيط”  وإخراج عبد العزيز النافري لكن في 1973 سعـت بعْـض الأطراف الضغـط على الفنان أكريطيط بطرق حبية. للعَـودة إلى جمعية النهضة، وتجاوز الخلافات، مما رضخ للأمر فتجمدت جمعية “الجَـرس للمسرح والموسيقى” ليعـود للجمعية؟ ربما كان يؤمن بمقولة تشي جيفارا إن الطريق مظلم وحالك، فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق؟ ولكن من حقنا هنا أن نتساءل: أليس قانون الحريات العامة يبيح تأسيس الجمعيات، النقابات،؟ أليس في الإبداع اختلاف واختلافات؟ إذن فلماذا يتم  وقتئذ:  حرمان فضاء الخميسات من التنوع والتنافس الفني والإبداعي، ولاسيما أن المنطقة – إثـنية – تفرض الإختلاف والتنوع هل لإبقاء هيمنة بعض الأطراف على المشهد المسرحي بالمنطقة؟ أم لاستغلال قـُدرات ومهارة المسرحي أكريطيط والركوب على طيبوبته وطاقته الإبداعية؟ باعتباره أثيري ومكافح، وهاته الشهادة لو لم تكن لما تنازل عن جمعية الجرس لتبقى أنشطتها متجمدة، إلى حين ظهور شباب جدد شرايينها وحضورها الفني في المشهد المسرحي. من بينهم محمد الصغير، اسويرتي محمد، سلام العـَربي، نور الدين الطرياو.

 فإبان عودة المسرحي أحمد أكريطيطشارك في مسرحية الحومات لبرشيد إخراج عبد الحق التمسماني والتي شاركت في المهرجان الوطني لمسرح الهواة بطنجة. لكن المفاجأة سيتم اختياره من طرف (فرقة المعمورة) التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة !! لينتقل من مسرح الهواة للاحتراف مشاركا في عمل “العنترة في المرايا المكسرة “كتابة لعبد الكريم برشيد وإخراج عبد اللطيف الدشراوي. لتقوم بجولة والمشاركة في المهرجان المغرب العـربي بموناستير- تونس وبهذا يعتبر المسرحي أحمد أكريطيط أول مسرحي من “مدينة الخميسات” يشارك في مسرحية وطنية وذلك سنة 1975. ولكن الفرقة لم تستمر فعاد لجمعية النهضة ليتم تقديم مسرحية ( قابل وهابيل ) من تأليف وإخراج أكريطيط والتي شاركت في المهرجان الوطني لمسرح الهواة الذي أقيم بمكناس سنة 1976، ولهذا العَـرض حكاية تحتاج لتحليل من زاوية علاقة السلطة بالمسرح (أي) كان سيمنع العمل من العرض والمشاركة في المهرجان الوطني؟ بحيث أعطى “عامل المدينة” ذاك الوقت أوامره لمنع دخول الجمهور لرؤية المسرحية والاستمتاع بها…مما أدى المنع إلى احتجاجات وفوضى عارمة  واصطدام بين الجمهور وأعوان السلطة ! أمام…( سينما مرحبا ) . ورغم ذلك تم العرض بحضور لجنة التحكيم ورجال وأعوان السلطة، فقط… وبعد هاته المشاركة في جمعية النهضة الثقافية. انتقل لجمعية الجرس للمسرح والموسيقى بعد تجديدها ليتم إعادة تقديم مسرحية (الّذياب بالجلاب) للمبدع أكريطيط وإخراجه أواخر سنة 1976. وبعد توقف عاد بمسرحية (عبيدات الرمي) من إخراج محمد الصغير سنة 1987 ففي هاته السنة سيهاجر لمدينة بروكسيل، بلجيكا، فأسس رفقة رفيقه في جمعية النهضة  “علال بورقية “فرقة البروليتاري الفنية” لينجز مسرحية (هموم السلوم) لكن بعد عودته لأرض الوطن، توقف نشاطه وشغبه الإبداعي فوق الركح سنة 1990 لأسباب خاصة به، ليعتكف على كتابة وتأليف أعمال مسرحية، لكن لم تـر النور بعْـد؟ من بينها المهرج الغريب،السيرور، القفاز والحذاء.

قـِـف

الإشكال الإبستيمولوجي أي نقف أمام علامة قف المنصوبة في لوحة قصدير، خوفا من” ذعـيرة “مفاجئة  ولا نقف وقفة إجلال، واحترام وقفة ليس فيها ولو نسمة استعباد، أو إذلال. بل وقفة فيها شهامة ومروءة وإنصاف أمام وجوه وبعـض الأسماء التي أمست مغمورة، ومنوجدة بيننا وهي التي عبدت الطرقات الفنية لنا من لا شيء، لتحقيق كل شيء(نسبيا) رغم أننا ضيعنا أجزاء من ذاك الشيء، نتيجة إهمالنا لها، وممارسة اللامبالاة في حقها، فبإعادة قراءة ما خطته ذاكرتنا، وما أرسله لنا المسرحي أحمد أكريطيط بنوع من الاقتضاب، نظرا لعامل النسيان، التقادم :نستشف أشكالا من المعاناة والمكابدة، التي كانت تعانق وترافق هَـذا المسرحي المبدع. الذي هو نموذج ووجه من وجوه مسرحية أعطت وأغنت الساحة الفنية والمسرحية بالعطاء الكثير، لكن لم تنل حظها حتى بكلمات مخادعة: تخفي الرياء والنفاق حتى ولا وجود لها من قبل ولا بعد على صفحات الإعلام، لماذا؟ لأننا لم نعد نحترم أو نخـاف من قف الأخلاقية.

Visited 21 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

نجيب طلال

كاتب مغربي