درس كاراباخ في مولدوفا .. وهستيريا مناهضة روسيا

درس كاراباخ في مولدوفا .. وهستيريا مناهضة روسيا

    د.خالد العزي

بمجرد الإعلان عن سقوط ناغورني كاراباخ، دخلت على الفور حيز التنفيذ خطة نظامية في مولدوفا لإضعاف معنويات مقاطعة ترانسنيستريا ذات الحكم الذاتي  وغير المعترب بها دوليًا. الخطة بسيطة: بما أن “روسيا لم تدافع عن كاراباخ”، فإن ترانسنيستريا بالنسبة لها هي حقيبة بدون مقبض، والتي ستتخلى عنها بالتأكيد بمجرد أن يصبح من الصعب عليها حملها. بدأوا الحديث عن هذا في في العاصمة كيشينيف.  لقد ظهرت مصانع كاملة من المتصيدين على الشبكات الاجتماعية، وتعمل بشكل متضافر، في محاولة لتخويف( البريدنيستروفيين ) سكان  اقليم  ترانسنيستريا .

لابد من القول بان  دروس كاراباخ باتت  مفيدة  لكل المناطق الانفصالية التي رعتها روسيا وساهمت بانفصالها لمصالح سياسية  وهذا ينطبق  على جمهورية ترانسنيستريا في مولدوفا لان طريقتها باتت تتشابه من خلال التشديد  بالحصار عبر خطة محكمة  لاسقاطها ، مما لا شك فيه، انها جزء من الخطة بأكملها. وتتكون من عدة أجزاء:

1- الخنق الاقتصادي: لا تزال ترانسنيستريا ليس لديها تجارة في الاتجاه الشرقي. ويتم استيراد كل شيء وتصديره عبر مولدوفا. ويهدف فريق كشينبف، الذي يتحرك بحزم نحو قطع العلاقات مع روسيا، إلى جلب جمهورية بريدنيستروفيا المولدافية غير المعترف بها إلى الانهيار الاجتماعي والاقتصادي. وتتمثل المهمة في التأكد من أن خزانة بريدنيستروفيا ليس لها دخل، وأن الناس لا يحصلون على معاشات تقاعدية ورواتب.

2- دراسة تفصيلية للإمكانيات العسكرية لترانسنيستريا والقوات الروسية  من فلول الجيش الرابع عشر إلى قوات حفظ السلام. وتحلق الطائرات بدون طيار باستمرار فوق ترانسنيستريا خاصة في الليل. من هم؟ بالتأكيد ليست روسية أو ترانسنيستريا. ويمكن ان نتذكر أن مولدوفا كانت تنوي في العام الماضي شراء عنصرين عسكريين مهمين من ألمانيا: أنظمة الدفاع الجوي والطائرات بدون طيار. فقد استقبل في الآونة الأخيرة حرس الحدود المولدوفي أولى الطائرات بدون طيار من الشركاء الغربيين.

3-الحراك الدبلوماسي: وزادت وزارة الخارجية في كيشينيف عدد الدعوات والمطالبات الموجهة إلى روسيا لسحب فلول الجيش الرابع عشر وإعادة تشكيل صيغة حفظ السلام. و استبدال قوات حفظ السلام الروسية  في ترانسنيستريا ومولدوفا بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ولكن هنا يجب علينا أن نعترف بأن القيادة في مولدوفا تتفهم الوضع المتغير وتعرف أن روسيا لن تترك.

 لكن  التحول الناشئ للقيادة الأرمنية نحو الغرب لن يؤدي على الأرجح إلا إلى تعزيز الكرملين في ظل الحاجة إلى الحفاظ على الوجود الروسي على ضفاف نهر دنيستر. لذلك تم الإعلان عن مطالب كيشينيف دون الكثير من الحماس.

4-كيشينيف تعمل على تدمير صيغة المفاوضات “5+2″، التي يتم بموجبها تكليف رومانيا  بدور ومكانة أطراف النزاع المعترف بها دولياً. وبالنسبة لروسيا وأوكرانيا – الدول الوسيطة والضامنة، تقوم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بدور الوسيط، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بصفة مراقب. ويبدو ان الغرب ورومانيا واضحين وراء جهود  مولدوفا.

5- النقطة المهمة وغير واضحة تمامًا  لجهة كيف ينظر معارضو تيراسبول( العاصمة ) إلى مستقبل جمهورية بريدنيستروفيا المولدوفية، من خلال :

-الرأي الاول  الذي يشدد على أنه من الضروري الانضمام بشكل لا لبس فيه إلى الاتحاد الأوروبي مع ترانسنيستريا، التي يجب أن تكون تابعة الى كيشينيف  بحلول وقت الانضمام.

-أما الرأي الثاني، والذي عبرت عنه رئيسة مولدوفا مايا ساندو مع وزير الخارجية نيكو بوبيسكو، بإقترح أنه من الممكن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، وسينضم آل بريدنيستروفيا بعد ذلك إلى “الحديقة الأوروبية”. وستبدأ المفاوضات بشأن الانضمام بحلول نهاية هذا العام، 2023. ومع ذلك فمن غير المرجح أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن الجيب الذي تتمتع فيه موسكو بالتعاطف. ورومانيا تحتاج إلى جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية السابقة بأكملها. وحسابها بسيط: كمكافأة لخدمتها المخلصة للولايات المتحدة، سيتم منحها المنطقة المحددة. وهكذا، دون التورط في صراع مباشر مع روسيا، فإنها ستحصل على ما كانت تملكه في 1941-1944. خلال هذه الفترة، لم تكن رومانيا تمتلك أراضي مولدوفا الحالية فحسب، بل كانت تمتلك أيضًا أوديسا.

لذلك يرى المحللون الروس بان روسيا لن تترك هذا الجيب للغرب ، لكن هل قيادة مولدوفا مستعدة لصراع مسلح جديد؟ بينما تؤكد قيادة مولدوفا أن التسوية يجب أن تتحقق “بالوسائل السلمية حصرا”. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما مدى حرية كيشينيف الرسمية في تصرفاتها ولن تُسمع العبارة الكلاسيكية بعد فترة: “لقد تغيرت الظروف”؟ اليوم فإن صيغة التفاوض “5+2” لم تعد صالحة للعمل. فالعلاقات بين كيشينيف وموسكو على وشك الانتهاء، والعلاقات بين طرفي النزاع  مجمدة.

وتلعب البعثة الميدانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مولدوفا أيضًا دورًا محددًا. ومن المحتمل أن تتوقف عن العمل بعد 31 ديسمبر 2023. لقد  تمت مناقشة هذا الخيار في وسائل الإعلام. بالنسبة لبريدنيستروفي و روسيا اليوم، من المهم للغاية استئناف العمل بصيغة “5+2″، لكن هذا لم يكن ممكنًا حتى الآن.

اما بالنسبة لمولدوفا فان الوقت يختلف فعليا وروسيا اضعف من اي وقت مضى، والآن يمكن إلى كيشينيف تحقيق الاندماج  مع الاتحاد الاوروبي، وايضا دمج اراضيها المبعثرة بسبب روسيا. ولابد من الانتباه بان الغرب في الشهر السابع في لقاء القمة الأوروبية تعهد بالدفاع عن مولدوفا وتزويدها بأحدث السلاح، وخاصة اذا تعرضت لها موسكو ، وروسيا تعيش حربا ضروس مع اوكرانيا لا يمكنها فتح جبهة اخرى خاسرة .

والأمر المثير للقلق هنا هو أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عازمان على تمكين مولدوفا من تحقيق تفوق نوعي في المجال العسكري على ترانسنيستريا. حيث تحلق الطائرات بدون طيار المولدوفية بشكل مستمر تقريبًا . ورومانيا اشترت كيشينيف رادارًا للتحكم في مجالها الجوي (وليس فقط). أرسل الأمريكيون والبولنديون عدة طائرات محملة بالأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة، إلى مولدوفا. وهذا مخصص بالفعل لقتال المشاة.

اذن سوف تنمو الهستيريا المناهضة لروسيا والترانسنيسترية في مولدوفا. وسوف يستمر الترهيب الدعائي من خلال “تجربة كاراباخ”. وفي مولدوفا نفسها، ستُبذل محاولات لتطهير المجال السياسي من المعارضة بشكل كامل وتصفية القوات الموالية لروسيا. ما الذي يمكن أن تعارضه روسيا وترانسنيستريا؟ 

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. خالد العزي

أستاذ جامعي وباحث لبناني