حرب غزة: الموقف الأمريكي والتغيير المرتقب!
حسين عطايا
بدا واضحاً في اليومين الأخيرين، أنه قد طرأت متغيرات أساسية في العلاقة ما بين الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها الرئيس جو بايدن، من خلال المواقف التي أعلنها الرئيس شخصياً في اليومين الاخيرين، بالإضافة إلى تصريحات العديد من كبار الموظفين في إدارته، وعلى هذا الأساس يصل اليوم أو غداً مستشار الأمن القومي جايك سوليفان إلى تل أبيب ليبلغ المسؤلين الإسرائيليين، بعض قرارات الإدارة الامريكية، لاسيما تحديد الفترة الزمنية لانتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة .
هذا التغيير الحقيقي لم يكن ليحصل لولا أمرين مهمين :
الأول صمود شعب غزة رغم المجازر التي ارتُكبت بحقه وتجاوزت حدود جرائم الحرب، وقد تعدى عدد القتلى في اليوم الثامن والستين من الحرب 18608 قتلى و50594 جريحا ً، وما يزيد عن15000 مفقود، وهم بأكثريتهم قتلى لازالوا تحت الأنقاض أو على الطرقات، وهذا فشل عملية تهجير الشعب الغزي. كما أن صمود فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أفشل المخطط الصهيوني في السيطرة على غزة المدينة وكل القطاع، من شماله لجنوبه، حيث لم يستطع الجيش الإسرائيلي السيطرة الفعلية على المناطق الذي توغل بها، بل لازالت عمليات المقاومة تجري فيها وتُكبد الجيش المحتل الخسائر الكبرى في المعدات والعديد.
الأمر الثاني، هو التغيير في الرأي العام الدولي والأمريكي على وجه التحديد، إن في إدارة الرئيس بايدن نفسها، أو في الشارع الأمريكي، والذي تم التعبير عنه في التظاهرات الحاشدة في الكثير من الولايات الأمريكية، كذلك في الحزب الديمقراطي، “حزب بايدن” نفسه، ولم يكن آخرها موقف المشرعين الديمقراطيين، الذين انتقدوا موافقة بايدن على بيع إسرائيل مايزيد عن 25000 قذيفة دبابة، دون الرجوع لأخذ موافقة المشرعين في الكونغرس الأمريكي .
هذه الأمور مجتمعة أرخت بثقلها على بايدن، بالإضافة إلى التعنت والصلف الإسرائيلي، والمتمثل في الخطاب السياسي وتصريحات كل من بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، وأركان حكومته اليمينية المتطرفة، والتي استدعت بايدن إلى التصريح في اجتماع مغلق لجمع التبرعات لحملته الانتخابية في البيت البيض، للقول :
” إن حكومة إسرائيل بدأت تفقد الدعم الدولي بسبب القصف العشوائي في غزة”. كذلك خلال كلمته توجه إلى نتنياهو مطالبا إياه بتغيير حكومته، للبدء في عمل سياسي طويل الأمد، “لأن سلامة الشعب اليهودي على المحك“ .
يضاف إلى ذلك، البيان الثلاثي الصادر عن رؤساء كندا وأستراليا ونيوزيلندا، الذين انتقدوا بشدة الهجمات الإسرائيلية ضد قطاع غزة، حيث تضمن البيان “أن ثمن هزيمة حماس، لا يمكن أن يكون على حساب المعاناة المستمرة لجميع الفلسطينيين”. كما دعم الرؤساء الثلاثة فكرة التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب .
هذا بالإضافة طبعاً للموقف الاسباني والبلجيكي، ولنتائج التصويت في مجلس الأمن، حيث بقيت الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل وحيدة في مجلس الأمن، مما أجبرها على استعمال حق النقد (الفيتو) ضد صدور قرار يُجبر الحكومة الإسرائيلية وقف إطلاق النار في غزة .
ما أجبر الإدارة الأمريكية على البدء بتغيير مواقفها الداعمة لإسرائيل، لاسيما في الجانب السياسي، وعلى هذا الأساس سيرسل الرئيس بايدن مستشار الأمن القومي سوليفان إلى إسرائيل، إذ من المرتقب أن يصلها اليوم أو غداً. وهذا ما دفع بالحكومة الإسرائيلية إلى حالة من القلق الشديد، في أن يكون هدف الزيارة رفع البطاقة الحمراء في وجه إسرائيل وإجبارها على مهلة لوقف الحرب، في فترة لا تتعدى رأس السنة الحالية في أحسن الحالات، أو ما قبل الأعياد القادمة (عيدي الميلاد ورأس السنة)، لأن ذلك سيلقي بتبعات عديدة على إدارة بايدن، لتتفرغ للمعركة الانتخابية، والتي بدأت تظهر نتائج استطلاعات الرأي تراجعا كبيرا في شعبية بايدن، مما سيُرتب أعباء كبيرة على الحزب الديمقراطي، أحسنها سقوط مرشحه جو بايدن، مما سيرتب على الحزب قرارات قد تؤدي به للاستغناء عن ترشيح بايدن، لكون حظوظه بالفوز قد أصبحت متدنية جداً .
خصوصاً أن الاختلاف مع نتنياهو وحكومته لم تقتصر على مايجري في الحرب على غزة، بل تعداه الأمر إلى تباين واضح في اليوم الأول لما بعد الحرب، والذي عبر عنه نتنياهو بتصريحات متعددة، بأنه سيحتفظ بجيشه في قطاع غزة وأنه ضد “خطيئة أوسلو” والسلطة الفلسطينية، وهذا ما يتناقض مع لاءات أمريكية من أول أيام الحرب بأن :
* لا لتقليص مساحة قطاع غزة عبر اقتطاع مساحات منه .
* لا لإعادة احتلال قطاع غزة.
* لا لإضعاف السلطة الفلسطينية، ونعم لحل الدولتين.
وهذا ما يرفضه نتنياهو وحكومته بشكلٍ علني، مما سيساعد الرفض الأمريكي لهذه الأمور مجتمعة إلى فرض تغيير حكومي، والدعوة لانتخابات مبكرة، قد يستطيع بعدها نجاح أحزاب اليسار والوسط، ووصولهم إلى السلطة، والبدء في مفاوضات الحل السلمي. أي حل الدولتين، والذي سيأخذ مساراً ليس بالسهل، بل يتطلب نفسا طويلا، لاسيما على الصعيد الفلسطيني وعملية توحيد المواقف، والتخلص من الانقسام بين حماس وفتح، وبالتالي بين قطاع غزة والضفة الغربية .