انتهى مهرجان المسرح.. فأين السؤال؟
نجيب طلال
بداهة إن أية تظاهرة كيفما كان نوعها وطبيعتها، لامحالة تفرز معطيات إيجابية وسلبية، وتخلف عمليا ردود أفعال وارتسامات عن الأجواء العامة / الخاصة: من لدن المشاركين المتتبعين المهتمين/ الجمهور وهذا ينعكس إجرائيا على المهرجان الوطني للمسرح “الاحترافي” الذي نظم بتطوان في دورته (الثالثة والعشرين) وعلى ضوء اختتامه، فهُـوكغيره من المهرجانات التي تحمل المفاجآت بإشراقاتها وهناتها وبالإضافات النوعية التي تساهم في تفعيل الأحــداث والتطورات المفصلية في تاريخ المسرح المغربي التي تفرضها وفرضتها طبيعة المشاركة والأنشطة المركزية) عروض/ ندوات/ أوراش/..) والأنشطة الموازية (معارض صور/ كتب/ لوحات/…) ومامدى قوة وانخفاض التفاعل بين الفاعلين والجمهور المتلقي/؟ وهذا يحتاج لتفعيل خلايا المتابعة والإعلام والنقد، لما تم تجميعه من آراء عبرالإستمارات والاستبيانات، والتصورات والانطباعات الموقعة بالصوت/ الصورة للجمهور الحاضر في التظاهرة بدون انتقاء أو ترصد، وللجماهير المنتشرة في محيط مدينة “الحمامة” فأغلبها لا علم له ولا يعْـرف أن هنالك مهرجانا للمسرح بمدينته (تطوان)!! ربما لشبه غياب إعلام محلي/ تواصلي: “ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فلا زال توزيع الدعوات تشوبه العشوائية وعدم استفادة المهتمين منها، كما السنوات الماضية” (1) وشخصيا طلبت كراسة المهرجان من المنظمين ك(مستند) فظلت المراوغة ! فلولا أحد الإخوة بالوزارة ولا علاقة له بالمهرجان ولكنه ابن “بلدتي” هو من أمدني بالكراسة! وهنا لا أمارس التجني أو اختلاق الأوهام . ففي سياق هاته الملابسات نضيف، ربما العزوف نتيجة ظروف ومعاناة أغلبية الساكنة التطوانية، التي تقاسي مرارة الحياة ، وبالتالي لم تعُـد تبالي بالمسرح مما تعتبره من الكماليات، مما كان هناك: “حضورا باهتا لساكنة المدينة، مما يؤكد سلفا على أن هذا المهرجان لم يقدم شيئا للمدينة عدا الركض وراء المصالح الشخصية و خدمة الزبونية لبعض المستفيدين من هذه التظاهرة، و إقصاء الفرق المسرحية والشركات المحلية التي من المفترض أن تكون هي الشريك الأساسي للاستفادة منها، تشجيعا للمقاولات التي تشتغل في هذا المجال(2) ولقد استقرأت هَـذا في جولاتي بين الدروب والأزقة الشعبية ، ومجالستي لشباب في بعض الجوطيات وغيرها، وأثناء ركوبي الحافلة أيام المهرجان متجها زوالا لمدينة “تطوان” وليلا لمدينة “المضيق”… وفي معمعان الأنشطة المهرجانية، لم ألاحظ توزيع استمارات على المشاركين والجمهور الوافد، اللهم أن هنالك استمارة ظهرت واختفت في ساعتها قيل: إنها بحث لطالب (جامعي)؟ والمضحك أن هنالك شباب يقدمون تلك الاستمارة بنوع من اللامبالاة، ومن خلال تصرفاتهم وملامحهم تبين لنا أنهم مرغمين على توزيعها (؟) وبناء على هذا هل فكرت اللجنة التنظيمية في هـذا؟ أو لديها نية التفعيل مستقبلا ؟ ما أعتقد! لأن الأهم في الخلفية التنظيمية، أن يمر المهرجان بسلام وبدون مضاعفات جانبية أو عرضية أو أزموية، يمكن لها أن تعمق الجراح، لما وقع جوانية المهرجان في نسخته [16 – سنة 2014 ] لينتقل من مكناس إلى تطوان؟ وارتباطا بما خلفته الدورة السابقة (22) من ملابسات وإشكالات، وصراعات. ساهمت أو “لطفا” حاولت زعزعة أركان المهرجان الوطني للمسرح “الاحترافي” بتطوان! ولا يمكن أن نغفل بأن أطوار المهرجان جاء في ظروف استثنائية محليا (حالة الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي الحادّ والمتدهور) ودوليا (حالة الاحتقان في مدينة القدس المحتلة) والحرب بين (غزة / إسرائيل)، وهاته مؤثرات لصيقة بكينونة الكائن العربي بدون منازع. بالتالي فالخلاصة التي سعى أن يفرزها اختِتام المهرجان الوطني للمسرح “الاحترافي” بتطوان “ترويج” بين المشاركين، بأنها دورة متميزة من حيث التنظيم، وذلك لمحو آثر الدورة السابقة (22) مع تغييب السؤال أو الأسئلة الجوهرية: – ماهي الإضافة النوعية التي خلفها المهرجان الوطني للمسرح “[الاحترافي]” بتطوان؟
– ماذا استفادت المدينة من المهرجان / ثقافيا / اقتصاديا /؟
– هل حقق هويته الأساس بأنه فعلا مهرجان للمحترفين/ المهنيين؟
– هل هنالك تجاذبات إيجابية / سلبية / بين شباب وقيدومي المسرح وبين خريجي معهد التنشيط المسرحي؛ وهواة ملتحقين بما يسمى ” الاحتراف”؟ هل المهرجان يتوفرعلى أرضية صلبة ، من خلال تجاوزه عقدين من الزمن (د/23)؟
وبناء على كل هذا ؛ فالسؤال أعمق من التقييم، باعتبار أن السؤال والتساؤل أرضية للبناء الفلسفي وعتبة أساس لترسيخ بنـى فكريـة بديلة ومتطورة، وفي نفس اللحظة تحقيق تغيير عملي في طرق التفكيرالمناسب للراهن الفعلي للمهرجان وللتنظيم والاشتغال المواكب للتطورات المتسارعة. فالمهرجان الذي لا يخلف أسئلة أويطرح تساؤلات جريئة وجذرية فلا هُـوية له على الإطلاق. قصدية القول: تتحدد في ســـؤال متفرع بين الهوية المسرحية أولا ؟ و سؤال الهوية الوطنية ثانيا؟
إذ بالنسبة للأول: هل هويـة هذا المهرجان، احترافية أم هوايتيه أم شبابية أم طفولية؟ لن أتوسع في الموضوع أكثر، لنستقي رأي / موقف أحد الفاعلين ومن خريجي المعهد: “…مع ذلك للأسف ليس لدينا مسرح احترافي ومؤسسات مسرحية مستقلة ماليا ومعنويا، ذلك لأن النموذج الاقتصادي الذي نشتغل به نموذج متجاوز وأصبح عقيما ولا يمكن أن ينتج قيمة مضافة لصناعة مسرحية ناجحة. نموذج غير قادر على خلق سوق حقيقية وصناعة احترافية وجمهور حقيقي” (3) هنا لنؤمن بحقيقة لا مفرمنها بأن [دينامو]الحركة المسرحية في المغرب (الآن) تكمن في خريجي معهد التنشيط المسرحي، بعْـدما تم اغتيال مسرح الهواة ومسرح الشباب كتيارات وتدبدب المسرح الجامعي حاليا كتوجه، لأن هَـذا المهرجان في بعده الأعم مخصص لهم، وبالتالي فلا محيد هاهنا أن نثير بأن هنالك انفصام حاد بين مختلف الحساسيات والأجيال وقيدومي المسرح وخريجي معهد التنشيط المسرحي؛ وبين هواة ملتحقين بما يسمى “ااإحتراف “تجاوزا؟ وبالتالي فقيدومي المسرح الذين كانوا الداعمة الأساس ل- فن الآداء- المغربي ممارسة /توجيها /نقدا /إبداعا /كتابة ، فمنذ الدورة (السادسة /2004) انجروا لمنظور وأطروحة الخريجين مما أمست ردود الفعل تتقلص، والمجال النقدي تجاه التظاهرات وأنشطتها ينزاح نحو المجاملات والدبلوماسية المريضة ، لخدمة مصالح ضيقة ،مما تم خفوت السؤال نحو مشروعية الفعل الاحترافي (؟) الذي تم تعويضه بالاحتجاجات والعرائض تجاه “الدعْـم المسرحي” ومجرياته، مما ظل (هـذا) المهرجان مطبوع في: “ممارسة هاوية ، مناسباتية تعتمد على صرف دعم سنوي والالتقاء بنفس الجمهور والمشاركة في نفس المهرجانات والاحتفاء بتجارب محدودة والتطبيل لأشخاص بعينهم ولكن من أجل نفس النتيجة وإنتاج نفس الظاهرة العقيمة ولو بعناوين مختلفة. اننا فقط نمني أنفسنا ونحاول إقناع نرجسيتنا الفنية أننا ننتج مسرحا محترفا ولدينا جمهور. هو في الواقع نفس الجمهور في أغلب العروض”(4) فهذا تأكيدا واقع ملموس، ولا رياء حوله ، وفي هذا الباب كيف يمكن ترقية الذوق العام، وتحقيق البعد الجمالي/ الحسي، وتعزيز تربية فنية وثقافية عند المواطن المغربي؟ كيف؟ باعتبار أن الإبداع المسرحي في عمق فلسفته يعمل على ذلك. وبما أن التظاهرة في فضاء تطواني، فأين شباب تطوان المسرحي؟ هذا السؤال يؤدي بنا للسؤال الثاني ، أي أن هوية المهرجان تتحدد بأنه وطني؟ لا خلاف على هذا الأمر، لكن حينما نستقرئ المناطق المغربية المشاركة، سواء في المسابقة الرسمية أو على الهامش أو الموازية التي هي هكذا [(مراكش/ 4 جمعيات) – (البيضاء/4/ ج) – (سلا/2 ج) – (ورززات/ج1) – ( تطوان/ج1 )- ( أولاد تايمة /ج1)- ( الرباط/ج1) – ( شفشاون/ج1) – (الناضور/ج1) – (الحسيمة/ج1)] فهل مثل هذا الاختيار سيساهم في بناء تنمية ثقافية متناغمة؟ وهل منطقيا تغليب مدينة على مدن أخرى؟ فأين: أكادير/ الداخلة / العيون/ فاس/ وجدة / آسفي/ العرائش/ طنجة/…/ فالهوية الوطنية حمولتها ثابتة، تترسخ في الذاكرة والوجدان، وإن كان هنالك تنوع بتنوع جغرافية المكان، فهو يساهم في صياغة ثقافة عامة موحدة للوعي الوطني، وبالتالي فتعزيز الهوية الوطنية مرتبط بقيم الانفتاح وبالحقوق المشتركة، وفي هـذا الباب فالمهرجان الوطني حق مشترك لكل المدن، وليس للفرق! وتأسيسا على انتقاء (أربع فرق) من [مراكش] ونفسها من [الدارالبيضاء] ونصفها من مدينة [سلا] فما هي الضوابط الذي فرضت اختيار تلك العروض المسرحية، ولم تُراع استراتيجيا تمثيلية مختلف جهات المملكة؟ ولكن في معمعان أطوار التظاهرة تتناسل تساؤلات مثيرة جدا، مفادها: ماهي المعايير التي سمحت لمخرج أن يشارك بعملين منفصلين؟ هل من حق عضو في اللجنة التنظيمية، أن يكون مشاركا بعرض مسرحي؟ ما الإطار القانوني الذي يسمح لممثلة أن تشخص في عرضين مختلفين؟ هل من حق مشارك في التظاهرة ممارسة “الفقهنة ” وسلطة الوهم ! تجاه آراء الملاحظين والمتتبعين، عبر هاته التدوينة العجيبة: “الرابح الأكبر المسرح المغربي في دورة استثنائية على جميع الاصعدة.. وكل تقييم منفعل قد يفسد ما تحقق في هذه الدورة (5) ماذا تحقق ياترى؟ ولكن ألا يشم أي غيور على الإبداع من (التدوينة) روائح خاصة ما بين أسطرها” وبالتالي هل نحن أمام مسارات منفصلة أم جوانية لخبطة تنظيمية / قانونية ، أم أن المهرجان في فلسفته يواكب الفوضى الخلاقة؟ وإجمالا فالموضوع يطرح تساؤلا شموليا ؛ هذا إن كنا بصدد التعامل الحقيقي مع نهضة مسرحية فعالة، وليس مجرد حالة مؤقتة. تخفي ما تخفيه من اختلالات والتي أضحى يعرفها – فن الآداء- في بلادنا . لماذا لا يصبح هذا المهرجان جوالا بين المدن المغربية سنويا من أجل تأسيس أرضية مسرحية صلبة يقف عليها “فن الآداء” بكل وثوقية، ولتحقيق الإشعاع المرتجى من الثقافة والإبداع، وترسيخ مفهوم التنمية الجهوية وفي نفس اللحظة إعطاء فرص لساكنة وعشاق تلك “المحطة” التشبع بالفن والتواصل مع فعالياته، وكذا تحريك دينامية للمديريات التابعة للوزارة الحاضنة للمهرجان…
______________
الاستئناس:
- احتفال احترافي بالمسرح والمسرحيين: لجلوى بركاس في جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، ص: 9 عدد 13.623 بتاريخ: 15/12/2023
2)حضور باهت لساكنة مدينة تطوان لفعاليات المهرجان الوطني للمسرح: متابعة مكتب تطوان في مجلة 24: بتاريخ /10/12/2023
3) أما آن الأوان ليصبح لدينا فعلا مسرح احترافي؟ لزكرياء قسي لحلو – مجلة الفنون المسرحية بتاريخ 17/12/2023 /
4) نـفـسـه
5) من جدارية (الفايس بوك) تدوينة المخرج: بوسرحان الزيتوني بتاريخ 16/12/2023