خطر الحرب يقرع أبواب الجبهة الجنوبية في لبنان
أحمد مطر
خطر الحرب على لبنان حقيقي، والمساعي الأميركية والفرنسية والاعتبارات الإيرانية لإبعاد خطر الحرب جدية. والمواقف الروسية والصينية والأوروبية والعربية ضد الحرب الشاملة واقعية. لكن محور المقاومة الذي رأس حربته حزب الله يرى أن ملاعبة الخطر لا تزال ممكنة لإرباك العدو الإسرائيلي ومساندة حركة حماس في حرب غزة. ولا يبدل في الأمر أن المشاغلة الممتدة من الجنوب اللبناني الى اليمن لم تدفع حكومة نتنياهو الى تخفيف حربها الهمجية التدميرية على القطاع.
في انتظار حرب غزة التي بشرنا بنيامين نتانياهو بأن نهايتها ليست قريبة، ستبقى المخاوف من امتداد الحرب نحو جبهة الجنوب اللبناني قائمة، طالما يرهن حزب الله وإيران أي بحث في وقف الاشتباك المتصاعد مع إسرائيل في الجنوب، بوقف العدوان على غزة.
لكن هذا الانتظار له من يديره بدقة على ما يبدو ويزين الضربات المتبادلة وكثافتها أو حجمها. أميركا تراقب مدى التصعيد الإسرائيلي تحت سقف عدم انجرار نتنياهو ومجلس الحرب إلى فتح جبهة جديدة، وإيران التي ترتب الجبهة بحيث لا تفلت الأمور نتيجة خطأ في التقدير أم الحسابات. هذه المعادلة هي التي تدفع قيادة الدولة العبرية إلى القبول بحرب الاستنزاف التي تسيطر على الشمال الإسرائيلي، طالما أن المهمة الأساس التي تركز عليها هي استكمال العملية العسكرية البرية في غزة بهدف إضعاف قدرة حماس على تهديد المنطقة الجنوبية من إسرائيل.
هذه المعادلة المضبوطة بوتيرة منخفضة من العمليات، هي التي تجعل حزب الله مكتفياً بالقدر الذي يقوم به من أعمال عسكرية لا يريدها أن تتطور إلى حرب مفتوحة نظراً إلى أكلافها العالية على البلد وعليه، وحتى على محور الممانعة.
إلا أن رهن التهدئة في جنوب لبنان بغزة، عن طريق التفاهم على تطبيق بعض البنود الرئيسة في القرار الدولي الرقم 1701، فضلاً عن أنه يقحم البلد في فترة انتظار قد تطول، وفق ما يقوله نتنياهو، فإنه يُخضعُه لاستنزاف طويل الأمد، يجر المزيد من الأزمات الاقتصادية والسياسية. إطالة الحرب قد تؤدي إلى أشكال مختلفة تسمح بتمديدها لتفادي الضغوط الدولية. وقد تلجأ إسرائيل إلى النصيحة الأميركية الضاغطة، أي استبدال كثافة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية التي يعتمدها الجيش الإسرائيل، باعتماد تكتيكات أخرى تقضي بإبقاء قواته في بعض جيوب غزة، ومحاولة الكشف عن مزيد من الأنفاق وتدميرها، واصطياد قادتها لتحقيق انتصارات مدوية.
ولا يبدل في الأمر أن الارباك الممتد من الجنوب اللبناني الى اليمن لم تدفع حكومة نتنياهو الى تخفيف حربها الهمجية التدميرية على القطاع. وليس بين قيادات ميدان الارباك من يجهل أن الانتقال من توازن الردع الى تبادل الضربات لا يحرر أرضاً ولا يؤدي حتى الى التوازن والتناسب في تبادل الأذى .
ذلك أن الوجه الآخر لإرباك إسرائيل بأزمة مستوطنين اضطرت الى تهجيرهم من الجليل الأعلى هو تهجير أهل الجنوب وتدمير منازلهم ومنعهم من جني محاصيلهم الزراعية. فضلاً عن أن أزمة المستوطنين، وسط الاستمرار في ملاعبة الخطر، صارت من مصادر الخطر الكبير الذي يدفع العدو الى الحرب إن فشلت التسوية التي تعمل لها قوى إقليمية ودولية في إحياء القرار 1701 والاطمئنان الى دور الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل. وكل هذا تحت شعار كبير هو تحرير فلسطين بالمقاومة المسلحة .
والسؤال الرئيس هل نحن فعلاً على الطريق الى تحرير فلسطين، الجواب الإيديولوجي جاهز، ويتكرر على ألسنة المسؤولين في إيران ومحور المقاومة المرتبط بها.
لكن الجواب الواقعي ليس كذلك. فلا طرف يبدو كما يتصور نفسه. عملية طوفان الأقصى كشفت نقاط الضعف الإسرائيلية ، كما كشفت حرب غزة حدود القوة مهما توحشت. وما كشفته حرب غزة أيضاً هو حقيقة الاستراتيجية الإيرانية والدهاء البراغماتي. طهران لم تنخرط مباشرة في الحرب. ولا سمحت لوكلائها بأكثر من المساندة، من حيث كان رهان حماس على فتح كل الجبهات بالكامل في حرب التحرير.
فما كشفته عملية طوفان الأقصى هو ان أميركا التي خفضت التزاماتها في الشرق الأوسط عادت بقوة عسكرية وسياسية لحماية إسرائيل. وهذا عامل مهم في اقتناع ايران بأن التحرير ليس مجرد مسألة إقليمية يحسمها العزم. والسؤال هو لماذا يوضع لبنان رهينة شعار، لا خطة ولا قدرة على تنفيذه؟
كل ذلك يقود إلى الاستنتاج بأن جبهة لبنان ستدخل دوامة التفاوض على شروط وقف النار.
إن حزب الله يبقي على خيط من الأمل بإمكان تجديد التفاوض حول تطبيق القرار 1701 لتثبيت التهدئة في الجنوب عندما يحين وقت التفاوض على ذلك.
ختاماً أن الحرب تعني تعليق الاتفاقيات والتفاهمات، وإسقاط الهدن، وتمزيق المعاهدات والقوانين والقرارات، الحرب هي خروج على القوانين الناظمة لمرحلة ما قبل الحرب ، ومع ذلك، عاد الاهتمام الدولي الى لعب ورقة القرار 1701، من زاوية الهموم الاسرائيلية والمصالح ذات الصلة بالمخططات الرامية، لتبريد ما يسمى بالجبهة الشمالية، ليتمكن المحور الاسرائيلي، والأميركي، من إحكام السيطرة على مجريات الحرب على الجبهة الفلسطينية، ولو على انقاض البشر والحجر والحضارة، والبيوت المقدسة من مساجد وكنائس وإرث تاريخي،