ثلاث مشاهد كبرى

ثلاث مشاهد كبرى

حسين عطايا

     وكأن العام 2023 أبى أن يقفل إلا على مشاهد ثلاث كُبرى، في كل من قطاع غزة، وجنوب لبنان، وعلى متفرقات شرق أوسطية، في “كل من سوريا والحوثيين والبحر الأحمر” .

في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة:

      أبى العام 2023 أن يُقفل ساعاته الأخيرة إلا على بُحيرة دم الشعب الفلسطيني، في كل من قطاع غزة ومناطق الضفة الغربية.

ففي حرب غزة، تمارس إبادة جماعية وجرائم حرب تحت نظر ومسمع العالم بأسره، دون أن يُحرك ساكناً، سوى بيانات واجتماعات ولقاءات وقرارات أممية غير نافذة، مما يفتح الباب لاستمرار المجزرة، التي تحدث على مساحة مناطق قطاع غزة، من شماله إلى جنوبه .

لاشك أن السابع من أكتوبر، وعلى رغم من الثمن الكبير الذي يدفعه الشعب الفلسطيني في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، فإن عملية طوفان الاقصى أصابت الكيان الصهيوني بمقتلٍ استراتيجي لن يقوم منه لسنوات، لا بل لعقود، وهذا ما شكل هزيمة أولى للكيان الصهيوني منذ تأسيسه، وهذا الأمر هو ما يرسم حقيقة ثابتة، بأن الكيان الإسرائيلي، بالرغم من الدعم اللا محدود من الغرب ومن الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ خاص، مما شكل جسراً جوياً على مدار الخمس وثمانين يوماً من تاريخ بدء عملية “طوفان الأقصى”، وقد زادت أعداد الرحلات الجوية عن مئتي رحلة، تحمل المساعدات من ذخائر ومعدات عسكرية .

ولليوم، لم يستطع الجيش الصهيوني تحقيق إنجاز عسكري مهم بإمكانه أن يعتد به، بل إن جُل ما قامت به قوات العدو هو تدمير شامل لكل ما يُشكل شكلاً من أشكال الحياة والبُنى التحتية للعيش في قطاع غزة، والقيام بمجازر تصنف ضمن حرب إبادة جماعية وجرائم حرب ضد الإنسانية، حيث زاد عدد الشهداء في مناطق قطاع غزة عما يزيد عن واحد وعشرين ألف شهيد، (أكثرية الشهداء من الأطفال والنساء)، وإصابة مايزيد عن خمسين ألف جريح ومُصاب، وما يزيد عن سبعة آلاف مفقود. هذا ما حققته قوات الجيش الصهيوني المهزوم والمأزوم منذ السابع من أكتوبر 2023، أي بعد مُضي خمس وثمانين يوماً على بدء الحرب على قطاع غزة .

في جنوب لبنان:

     منذ اليوم الثاني للسابع من أكتوبر، أي من تاريخ الثامن من أكتوبر، دخل حزب الله الحرب تحت بند مساعدة المقاومة الفلسطينية والتخفيف عنها في قطاع غزة، وهو بذلك أدخل لبنان في حرب مباشرة، من دون أن يكون لبنان مستعداً لها، لا بل إن لبنان مأزوم ويُعاني مشاكل كُبرى، اقتصادية وسياسية، أبرزها فراغ في سدة الرئاسة، عدا عن إدارات مشلولة، وشعب يُعاني من أزمات حياتية على مختلف المستويات، وبذلك أدخل ما يزيد عن مئة ألف مواطن جنوبي نزحوا من قراهم وبلداتهم ومدنهم في المنطقة الحدودية المحاذية لحدود شمال فلسطين المحتلة، دون أن يحظوا بأدنى إمكانيات أو مساعدات توفر لهم بعضٌ مما يحتاجونه في هذه الظروف الصعبة، خصوصاً في فصل الشتاء، وبعض الجنوبيين لم يستطيعوا القيام بجني محاصيلهم، لاسيما في موسم الزيتون، والذي تعتاش منه أكثرية الجنوبيين، هذا عدا عن العدد الكبير من الشهداء الذين سقطوا بصفوف حزب الله، والذين زادوا عن مئة وثلاثين شهيداً، وذلك نتيجة اعتبارات كثيرة، أبرزها الاختراق الأمني للموساد الإسرائيلي، والذي أصاب ما أصاب وأدى إلى هذا الارتفاع في أعداد القتلى .

بالإضافة لما تقدم، برز في اليومين الأخيرين، زيادة حجم الاعتداءات على قوات “اليونيفيل”، وتهجم مجموعات في القرى الحدودية، كما حدث في الطيبة وغيرها من قرى الجنوب، ليزيد الأمور تعقيداً أكثر، خصوصاً أن الحرب تُشكل أزمة كُبرى على الصعيد اللبناني، وأن حزب الله ينفرد وحده بقرار الحرب، دون الاعتبار لبقية الشعب اللبناني ولنتائج الحرب على لبنان وشعبه… وهذا ما يُرخي بظلاله على الوضع اللبناني ويزيده من تعقيداته.

الوضع السوري والحوثيين في اليمن والبحر الأحمر:

     – في الوضع السوري تستمر الاعتداءات الإسرائيلية على المناطق السورية، وخصوصاً ما قامت به في اليومين الأخيرين، إذ تمكنت من اغتيال قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني (راضي الموسوي)، وإعادة قصف مطار دمشق الدولي وإخراجه عن الخدمة مجدداً. أما على صعيد الحرب الدائرة، فلا مكان للنظام السوري، أو المليشيات فيه، أي تأثير على مسار الحرب .

 – في موضوع الحوثيين ومايقومون به في مياه البحر الأحمر، ساهم في عسكرة البحر الأحمر في ظل وجود عسكري بحري أمريكي، وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بتجمع دولي لحماية الملاحة بالبحر الأحمر، وهي بذلك وإن كان لها بعض التأثير على مرافيء الكيان الصهيوني على البحر الأحمر، وهو مرفأ أيلات، إلا أن الانعكاسات السلبية على المنطقة العربية كانت أكبر منها على الكيان الصهيوني، كما أنها لا ترقى إلى المشاركة الفاعلة في الحرب، بل إنها في بعض جوانبها أدت خدمة للولايات المتحدة لعسكرة البحر الأحمر، وبالتالي فإن الاعتداءات ضد الملاحة بهذا البحر، زاد في نسبة التأمين على السفن، وزاد من أيام الرحلات البحرية التي غيرت مسارها نحو رأس الرجاء الصالح. مما زاد في الكلفة على أسعار المواد الغذائية والنفط في مختلف أرجاء العالم .

وهذا الأمر أعطى إيران ورقة إضافية في التفاوض مع الولايات المتحدة وزيادة مكانتها الإقليمية .

هذه الأمور مٌجتمعة لازالت تعكس نتيجة الوضع الصعب من المعاناة التي يعشها الشعب الفلسطيني، دون أن تجد الحرب على الفلسطينيين في الضفة والقطاع موعداً نهائياً لها، مما يزيد في عذابات الشعب الفلسطيني ومعاناته، كما تُرخي بظلالها على الوضع اللبناني الصعب ومعاناة الجنوبيين المتروكين لقدرهم، دون وجود دولة لبنانية تهتم بهم، ودون أن يكون لهم أي قرار بإعلان الحرب وإداراتها .

هكذا يختم العام 2023  أيامه الاخيرة، وهي تُسدل ظلالها على الشعبين اللبناني والفلسطيني، دون الوصول إلى نهايات إيجابية لتلك المآسي التي لازالت متأججة.

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني