فيليب سوليرز: نقاش حول رواية ”مسافرو الزمان” (4/1)
ترجمة: سعيد بوخليط
ولد فيليب سوليرز سنة 1936، بالقرب من مدينة بوردو، وسط عائلة اهتم أفرادها بالمجال الصناعي. سنة 1957، أصدر روايته الأولى تحت عنوان “التحدِّي”. ثلاث سنوات بعد ذلك، بلور ضمن منشورات “سوي” (Seuil)، مشروع مجلته ”تيل كيل”(1)، التي اهتمت غاية سنة 1982، بأعمال كتَّاب مهمِّين كما الشأن مع أنطونين أرتو، جورج باطاي، جيمس جويس، ميشيل فوكو، رولان بارت، جاك لاكان.
بعد ذلك أخرج إلى القارئ مجلة ”اللانهائي”، بداية ضمن منشورات ”دونويل” ثم ”غاليمار”، وكذا سلسلة بنفس الاسم، أشرف على تهيئ مضامينها.
عزَّزت رواياته المختلفة أبحاثا أسلوبية عدَّة :إهمال لكل علامات ترقيم مرئية، لاسيما ضمن فصول روايتيه (H) و”الفردوس” (الجزء الأول والثاني)؛ كتابة أكثر ”مجازية” مع نصه الروائي ”النساء”، ثم حدوث منعطف بخصوص عمله؛ من خلال توظيفه للتجزيء؛ إلحاحه على وظيفة نقدية وانقلابية لكتابة مميَّزة أكثر فأكثر حسب تأمل باطني.
أيضا، اشتغل على أبحاث ذات تطلُّع موسوعي انطوت على رؤيته لتاريخ الفن، استندت على الدفاع عن الفرد، والخلق والرغبة. إنه كاتب دراسات عن كبار الفنانين وسير- ذاتية رومانسية تعكس تذوُّقا واضحا نحو وجهة القرن الثامن عشر.
فيليب سوليرز كاتب مركَّب، أحد الشخصيات الأكثر ثقابة ضمن المشهد الأدبي الفرنسي ويدافع قبل كل شيء على القراءة والحرية.
أولا- عناوين نصوصه الروائية:
عزلة فضولية (سوي، 1958)- المنتزه (سوي، 1961)- مأساة (سوي، 1965)- أعداد (سوي،1968)- قانون (سوي، 1972) – H (سوي، 1973)- الفردوس (سوي،1981)- نساء (غاليمار، 1985)- صور اللاعب (غاليمار، 1985)- الجنة 2(غاليمار، 1986)- فؤاد مطلق (غاليمار، 1987) – الحماقات الفرنسية (غاليمار، 1988) – الزِّنبق الذهبي (غاليمار، 1989) – حفل مدينة البندقية (غاليمار، 1991)- السرّ (غاليمار، 1993)- ستوديو (غاليمار، 1997)- عشق أمريكي، ألف ليلة وليلة (غاليمار، 2000)- شغف ثابت (غاليمار، 2000)- نجمة العشَّاق (غاليمار، 2002)- حياة إلهية (غاليمار، 2006)- رواية حقيقية، مذكرات (بلون،2007)- مسافرو الزمن، (غاليمار،2009)- كنز الحب، (غاليمار،2011).
ثانيا- عناوين دراساته النظرية:
الكتابة وتجربة الحدود (سوي،1971)- نظرية الاستثناءات (غاليمار، 1985)- ارتجالات (غاليمار، 1994)- حرب الذَّوق (غاليمار، 1994)- ماركيز ساد ضد الكائن الأعلى (غاليمار، 1996)- سنة النمر، يوميات سنة نهاية القرن (سوي، 1999)- مدح اللانهائي (غاليمار، 2001) – الوسيط (سوي،2001)- حرية القرن الثامن عشر (غاليمار، 2002)- إضاءات (لافون، 2003)- قاموس عاشق لمدينة البندقية (بلون، 2004)- حروب سرِّية (مذكرات الشمال، 2007)- زمن رائع كبير (بحث الظهيرة، 2009) – خطاب رائع (غاليمار، 2010).
ثالثا- دراسات:
مفاجآت فراغونار (غاليمار، 1987)- أوغست رودان، لوحات إيروسية، مع ألان كيريل (غاليمار، 1987)- سريعا ويليام دي كونينغ (الاختلاف، 1988) – فردوس بول سيزان (غاليمار، 1995)- بابلو بيكاسو، البطل (حلقة الفن، 1996) – مشاعر فرانسيس باكون (غاليمار، 1996)
ثالثا- سير ذاتية:
فارس متحف اللوفر: دومينيك فيفان (بلون، 1995)- جاكومو كازانوفا (بلون، 1998)- أماديوس موزارت (بلون، 2001)
***
يسعد جدا، مركز بومبيدو استقبال فيليب سوليرز داخل فضاء الخزانة العمومية، الذي يعتبر وجها بارزا بالنسبة للأدب وكذا المشهد الأدبي الفرنسي، ثم في الآن ذاته، روائيا وباحثا، أسَّس وأشرف على مجلة ”اللانهائي” وكذا سلسلة تحمل ذات الاسم ضمن منشورات غاليمار.
تبنَّى سوليرز أسلوبا وعالَما خاصين به، بحيث بدا كأنه سعى إلى تجريب كل تطورات الأدب المعاصر من خلال التعددية التي اتسمت بها كتاباته، أساسا رواياته، التي قاربت غاية الآن عشرين رواية.
تقول إحدى فقرات دراسة رولان بارت لنصوص سوليرز تحت عنوان “كتابة للحياة”: “تكمن لديه وأنا مقتنع بذلك، تيمة مركزية: الكتابة، التَّفاني في الكتابة” .تفان على مستوى الكتابة، مرتبط جدا بكيفية حتمية مع تفان آخر، ذاك المتعلق بالقراءة والأدب.
ناتالي كروم: شكرا فيليب سوليرز، لقبولكَ دعوة حضور هذا اللقاء. سأحاول تقديم معطيات عن شخصيتكَ من خلال كلمات معينة، ستبدو بلا شك كافية للغاية قصد تلخيص خمسين عاما من الكتابة، والحضور ضمن مابوسعنا تسميته بالمشهد الأدبي الفرنسي، عبر نتاج قارب خمسا وستين مُؤَلَّفا (روايات، دراسات، أبحاث)، منذ العمل الأول ”عزلة فضولية” (سوي، 1958)، غاية ”مسافرو الزمان”، التي تصدرها اليوم غاليمار ونلتقي هذه الأمسية قصد مناقشتها طويلا. تجلى، أيضا حضوركَ ضمن مكونات المشهد الفرنسي، من خلال مجلتي ”تيل كيل” و”اللانهائي” اللتين ميَّزتا حقبتهما بل وأبعد من ذلك .لقد أكد جاك هنريك، في مقالته الرائعة التي انصبَّت حول روايتك ”مسافرو الزمان”، بأنَّ أعمالك بمثابة ”فترات متعاقبة لأوديسة جديدة، أكثر غرابة، بعيدة الاحتمال، لايمكن تصورها قياسا لأوديسة الإغريق، مادام السياق هنا لايمثل بالنسبة للذات إنسانية أن تَعْبر بحارا ثم تعود ثانية إلى نقطة انطلاقها، لكن السفر بين طيات الزمان”. ستكون أمامنا فرصة تفسير هذا السفر في الزمان، الذي اختبرتَ تجاربه وكذا الإشارة إلى مدته الطويلة؛ ينبغي استحضار عمق تلاحم نصوصكَ، الاستمرارية، المثابرة، معطيات معينة أوضحت منذ البداية، الإشارات الواردة في مقولة جاك هنريك. ربما أمكنكَ أن تستعرض أمامنا هذا السفر، ومداه حاليا قياسا للأوديسة؟ لكن بداية، نستدعي إشكالية الجنس الروائي حسب تصوركَ الذي يثير أحيانا الالتباس لدى بعض القرَّاء. انطوت روايتكَ ”مسافرو الزمان” على أدب قد تخلَّص من الحكاية، السرد، الأدب، ويكمن بعيدا عن: ”روايات عائلية نفسية، اجتماعية، رومانسية، عاطفية، تتراجع أمام عروض غباء صار بديهيا أكثر فأكثر ويحظى بالتشجيع”.
فيليب سوليرز: ”روايات تتراجع أمام الغباء”، صيغة تعود إلى لوتريامون أو إيزيدور دوكاس، الذي استوعب مبكِّرا جدا، مثل عدد معين من الأشخاص، كمالارميه أو آخرين بحيث لوحظ بأنهم لازموا هذه الحديقة، أو بالأحرى قطنوها فعليا، مع وجود أزمة عميقة للأدب والرواية .لكن”الروايات التي تتراجع أمام العروض”، بوسعنا نعتها حسب مصطلح معاصر بـ ”لجان الرواية”، المستلهمة للبعد السِّلعي، مما أتاح منذئذ، تبعا لمصطلحات الماركتينغ الأدبي، مجالا ناجعا أمام الرواية الأنغلوساكسونية مقابل الرواية الفرنسية التي صارت متواضعة، عائلية، مُرْهقة، إلخ. حينما يؤكدون لي بأني لم أنجز متنا روائيا حقيقيا، ألتقط حينها فقط حيثيات صوت السوق، وليس تصور النقد الأدبي الجاد. يناديني السوق كما حدث مع فيلم الديكتاتور لتشارلي تشابلن: أينما تواجدتُ، أتبيَّن فورا تجليات صورة السوق، التي تخاطبني كالتالي: ”أنتَ، لاتنجز رواية حقيقية”؛ هذا التأويل يلاحقني في كل مكان، حتى داخل بيتي، عندما يواجهني ضيوفي بالعبارة التالية: ”يا للحسرة، لم تكتب رواية بالمعنى الأصيل للكلمة”. مبدئيا، البضاعة هي البضاعة، أما نص رواية ”مسافرو الزمان”، فيمثِّل شيئا مغايرا. لقد فرضت هذه العيِّنة من الأعمال وستفرض حضورها مع انقضاء الوقت، أحيانا بعد فترات تأخير طويلة، لكن تاريخها يعتبر روائيا تماما. هل يكمن حسّ روائي يفوق قصائد لوتريامون؟ وكذا قصائد رامبو من خلال مجموعتيه الشعريتين ”موسم في الجحيم” أو ”إشراقات”؟ يا إلهي، هل يوجد منحى روائي أسمى من ذلك؟ حينما أدلي بهذا الإقرار، أشعر بالتأثُّر كما لو أني أقرأ رواية أرغب حقا في قراءتها، أخيرا أصادف إيحاءات من هذا النوع! كما الشأن مع يوميات حياة هولدرلين في مدينة بوردو؟ غير أنَّ هذا المنحى الروائي، لايثير عمقه اهتمام أحد.الرواية بالنسبة للسوق، مجرد كتاب تفتحه كي تتابع وقائع فيلم: نعيش القصة، تلفت انتباهنا شخصيات تختبر اضطرابات، لأنه بغير الأخيرة، فلن تتشكَّل معالم الرواية، الحب محاصر، هيمنة العنف، هكذا نعيش على امتداد فقراتها أجواء يوم 11 سبتمبر 2001، بحيث لانعلم قط وجهة انسياقنا، في خضم غبار أتربة. سياقات من هذا القبيل تواترت بين طيات نصوص منشورات ”مينوي”على سبيل المثال، ربما منشورات ”لابروفانس”، فهل يعتبر عمقا، اشتغال رواية حقيقة على التالي :نصٌّ يتيح لنا إمكانية تعقُّب آثار حكاية حيوات شخصية عالقة ضمن الراهن .لذلك، توخيتُ السعي نحو القيام بشيء مغاير، من هنا، حدوث التباس شامل بما يكفي، لكنه أمر بلا أهمية تذكر .أحاول إضفاء الطابع الروائي على أفكار الحياة، بين طيات هذه المغامرات المعنونة بـ”مسافرو الزمان” .يتمثل طموحي في إنجاز رواية حقيقية خلال حقبتي؛ أما التفاصيل الأخرى فسيأكلها النسيان على غرار جل مانسيناه سلفا، لقد اكتنف الدخان أغلب الأفلام وكذا البرامج التلفزية السابقة. (يتبع)