فيليب سوليرز: نقاش حول رواية ”مسافرو الزمان” (4/2)

فيليب سوليرز: نقاش حول رواية ”مسافرو الزمان” (4/2)

ترجمة: سعيد بوخليط

ناتالي كروم: أشرتَ في عملك ”مسافرو الزمان”، بأنَّ الراوي باشر لعبة كبيرة بفضل الذاكرة والأرشيف؛ هذا بوسعه أيضا تجسيد تعريف للرواية؟

فيليب سوليرز: نعم، الذي يظهر لي اليوم روائيا بكيفية مذهلة، العمل على استنباط معطيات تلك المغامرات، المثيرة جميعها للاهتمام. حياة كافكا مذهلة، مثلما الشأن أيضا بالنسبة إلى لوتريامون. لهذا السبب قصدتُ 5 شارع ليل Lille، هناك حيث يزور إيزيدور دوكاس أو الكونت دو لوتريامون، باب المصرفي داراس، قصد استلام النقود التي يرسلها له أبوه، القاطن في مدينة مونتفيديو. يسرع نحو عنوان المكان محكوما برغبة التطلع إلى طبع كتاباته .هل يكمن معطى أكثر روائية من ذلك؟ لحسن الحظ، أنَّ أندريه بروتون ولوي أراغون، قد استخرجا سنة 1919 هذا التراث من المكتبة الوطنية، وإلا بقي دائما متواريا عن الأنظار، ولن نعلم شيئا عن الموضوع، مادام أحد لم يقرأ تلك النصوص. بالتالي، ما الذي يبدو أكثر روائية من رؤى رجل شاب اسمه إيزيدور دوكاس، توفي سنة 1870 عن سنٍّ لم يتجاوز أربعة وعشرين، خلال فترة حصار باريس، والمجاعة تسود باريس، لكن لوتريامون يزور مصرفه لاستخلاص النقود حتى يصدر مستقبلا مجموعته الشعرية النثرية. لماذا يعتبر هذا المعطى روائيا؟ لأنه نفس عنوان جاك لاكان. هل يوجد أكثر روائية من العبارة التالية: سأذهب إلى شارع سيباستيان بوتين، كي ألتقي جميع الأحياء- ربما أكثر من الأموات- ربما القابعين في حديقة مؤسسة غاليمار للنشر، 5 شارع ليلLille، هناك أعثر ثانية وسط الحديقة على لوتريامون بصدد تسلُّم نقوده؟ مثير للانتباه عدم اهتمام أيِّ شخص بالقوة الروائية لهذه الإيحاءات المتجلية هنا، كما لو يستدعى الأموات حتى يصبحوا أحياء أكثر من الأحياء أنفسهم. تواجد منزل صديقي الكبير جاك لاكان، في شارع ليل Lille بجوار منزل ماكس إرنست .كنت أذهب لزيارته خلال نهاية اليوم، كي نتناول معا وجبة العشاء في مطعم ”لاكاليش”. يتأوَّه طويلا: فقد مكث طيلة النهار يستمع إلى سخافات روائية عُصابية، غاية عدم القدرة على التحمُّل. هكذا، يكسب مورده المالي، جيوبه ممتلئة بالنقود لأنه يستوفي بدقة التسعيرة المالية لجلساته النفسية، شخص مثير !حياة لاكان، روائية جدا. يأتي عنده الأفراد ويسددون تكلفة مالية قصد خضوعهم لتحليل نفسي ينصب على مضامين أفصحوا عنها دون أن يدركوا، بينما أزوره كي أحظى بعشاء مجاني، ألا يعتبر هذا روائيا؟

ناتالي كروم: هل بوسعنا القول بكيفية ما، أنَّكَ انخرطتَ في حوار مع كتَّاب وكتاباتهم، لم يعودوا من الماضي، بل الراهن الفعلي؟ فما العلاقة القائمة بالنسبة إليكَ بين واقعتي القراءة والكتابة؟ هل ينبثق ذلك عن نفس المعطى؟

فيليب سوليرز: بالتأكيد !بما أنَّ القراءة ضمن مسار تدمير متواصل، فالأمر كذلك ينطبق على الكتابة. هكذا، تتجلى صيغة مفادها: قصد التمكن من الكتابة، ينبغي استيعاب آليات القراءة، ولتحقيق هذا الشرط يلزم إدراك معنى أن تحيا! بوسعك إذن استلهام الصياغة وفق جميع الدلالات، إذا لم تستوعب حيثيات القراءة، فلاجدوى من الكتابة. جلّ الكتَّاب الذين خلَّفوا أثرا، اعتُبِروا أيضا قرَّاء مذهلين، بحيث استدعوا الماضي صوب الحاضر لذلك يسكنون المستقبل. لاأذكر اسم الناشر الذي قال لي: ”ألتقي عدَّة شعراء شباب وحين استفسارهم بخصوص ”ماذا تقرأون؟”، يقدمون الجواب التالي: ”آه لاشيء! لا أريد الخضوع لتأثير معين ”بينما يتحقق عكس ذلك. قصد معرفة كيفية القراءة، ينبغي إدراك كيفية أن تعيش. لكن مامعنى ذلك؟سؤال يأخذ منحى بعيدا جدا .نعيش بطريقة أو أخرى، تتِّسم بكونها تقريبا حائرة، متجاهلة، مكتفية بذاتها، غير مكترثة لما يجري حولها، بمعنى نحو الجرائم، إلخ. أن تحيا بكيفية جيدة، يفضي صوب الإلمام بطبيعة القراءة، وهذا لا يعني شيئا في حالة جهلنا بالقراءة.

ناتالي كروم: معرفة القراءة، يعني معرفة أن تحيا وتقرأ، أن تدرك معنى الحياة. هذا يسير حسب الوجهتين.

فيليب سوليرز: نعم، هكذا تمضي المسألة. كما تعلمين، جلّ الكتَّاب بمثابة قارئين بارعين. ننزع صوب نسيان ذلك، كما لو تتجلى أصالة، عفوية، مصداقية عبر الشهادة الحية لرواية تُكتب من خلال سرد حكاية مجتمعية. يندرج الاعتقاد بالمجتمعي ضمن صنف الاعتقاد بالله فيما مضى: أضحى الله مجتمعا، ولا أهمية تذكر لغير الاجتماعي. لكن بإعادة إنتاج الرواية للمعطيات الواقعية والطبيعية .دائما بقيت هذه الرواية مثلما تصبح ثانية نفس الشيء، عند منعطف تراجعها أمام إغراءات العروض، بمعنى لجان الرواية؛ لقد انتهى ذلك، مادام الطارئ يستدعي شيئا مغايرا: التركيز على اللغة نفسها في عمقها وكذا القصيدة، لأنه كي تدرك معنى العيش، يلزم تمثُّل ماهية القصيدة، بغير هذا الشرط نحيا فقط بجوار الحياة.

ناتالي كروم: لقد كتبتَ في عملك ”حرب الذوق”، مايلي: “تقرأ يعني خاصة أن تلج ذاتكَ، التمرُّس على اعتبارها مثل عالم من العلامات، وخطابات مرموزة، ثم ألغاز”.

فيليب سوليرز: أن تكون حيَّا،ليس بالأمر البديهي. بالتالي اعتقاد كل شخص ببداهة من هذا القبيل، والمجتمع يبلورها،قد يصبح الشخص المقصود متغطرسا، وإحساسه بمسوغ وجوده، لكن مثلما يقول أحد أصدقائي، لماذا لايبدأ التاريخ هذا الصباح أو البارحة صباحا؟ فيما يخصني، يعتبر المنحى التاريخي طارئا كلِّيا: بقدر التخلي عن هذا التصور، تتحقق القراءة بشكل أقل، من ثمة الحياة. استيعاب مقاس التاريخ، بمعنى الزمن المتعالي، يحظى بأهمية استثنائية. يحدث كل شيء راهنا قصد الاهتمام بفقدان الذاكرة وسبات القراءة؛ إن بدا الكتاب فيلما جيدا، سيعتبره السوق رواية حقيقية. أستغل سياق حديثي قصد الإشادة بمشروع حاضرة الكتب، مستوطنة عجيبة وسط العالم، لا أدلي بهذه الحقيقة لأنَّ أنطوان غاليمار صديقي المشرف على البرنامج، يتابع معنا نقاشنا هذه الأمسية. مشروع يسير أبعد كثيرا مما نتصوره، لأنها ضئيلة جدا المواضع المنطوية على ذاكرة تاريخية: هناك واحدة، نِعْم الأمر!

ناتالي كروم : ضمَّت حلقة روايتكَ “مسافرو الزمان”، كتَّابا، موسيقيين، شعراء، فنانين تشكيليين، رافقوكَ منذ فترة بعيدة مثل، رامبو، لوتريامون، نيتشه، بحيث نلاحظ بأنكَ تحاورهم مرة أخرى من خلال سلسلة كتب. أشرتَ في عملك هذا، بأنها أسماء تقطن زمنا رباعي الأبعاد: الماضي الحاضر المستقبل، بل وتيمة رابعة تكمن في البداية مثلما عند النهاية. هل بوسعكَ شرح طبيعة التصور؟

فيليب سوليرز: أضحى القرن العشرين بكل مغامراته، بعيدا عنا؛ فقد ولجنا عهدا كونيا، لم نعد ضمن نطاق العصور الحديثة، وهذا مايلزم الإحساس به .لذلك وضعت دانتي في موقع مميَّز كي أظهر إمكانية حلوله هنا بغتة داخل كنيسة القديس توما الأكويني، من هو القديس توما الاكويني؟ الخلاصة الثيولوجية، لا أحد يهتم !فقط، يتضح ذلك، حين العودة إلى دانتي والكوميديا الإلهية .بدلا عن تصنيف ”الشعراء” أفضِّل مفهوم ”مغامرون محاربون”. لأنه مثلما يقول أوسيب إيميليفيتش مانديلستام الشاعر والكاتب السوفياتي (-1891 1938): ”القصيدة معركة دائمة”. تعني المعركة، اقتناع شخص معين خلال فترة معينة، بأنه على صواب في مواجهة الجميع والعالم مجرد أكذوبة تامة، يتصرف حسب دواعيه الخاصة، ثم يتأتى له رويدا رويدا تأكيد حقيقته الشخصية. لاأظن – اللهم إن كنت مخطئا، ويجب إثبات العكس- بوجود عنوان دراسة اهتمَّت تدقيقا بحياة نيتشه اليومية من مضامين كتابي ”حياة إلهية”، الذي يرصد يومياته، طبيعة الأجواء، الطعام الذي يتناوله على طاولة الضيوف في فندق للأسرة مبديا تماما استياءه من بلاهة النساء اللواتي تواجدن في عين المكان، بل وسخافة كل حقبته. سأقرأ عليكِ شيئا معينا راجعته مرة أخرى هذا الصباح، يتيح لي ربما ذات يوم من الأيام كتابة مقالة- أو لا- قليل من الصخب بخصوص تلقي كتابي لدى بعض الجرائد. مثال ملموس. أستحضر مسألة تركيزي- تمَّت مؤاخذتي كثيرا بهذا الخصوص من خلال روايتي الأخيرة- على حوار أجري مع والدة ميشيل ويلبيك  المنشور على صفحات جريدة لوموند، اتسم بطابع معبر ومتعاطف للغاية. وثيقة – أعتقدها قد تجاوزت مختلف ما بوسعنا رصده على امتداد تاريخ الإنسانية بخصوص أسرار تكشفها أمٌّ عن ولدها- ميَّزها عنف استثنائي، انبثق بورع، تؤثثه صورة على صفحات لوموند، الأخيرة تمثل لدينا نفس موقع جريدة برافدا، ثم نلاحظ إقرار هذه المرأة المسكينة بأنَّ ابنها لايستحق سوى ضربة عصا على وجهه. انطلاقا من هذه الواقعة، سعيت مع كتابي ”مسافرو الزمان”، طرح تساؤل حول الذين أثاروا تقريبا أسرار علاقاتهم مع أمَّهاتهم: رامبو، هولدرلين، نيتشه الذي تحدث أيضا عن أخته، ثم بودلير. تعلمين قصيدة بودلير ”الرحمة”. حينما، ينبعث الشاعر وسط هذا العالم المزعج، نتيجة قرار سنَّته قوى العليا، تبادر أمُّه المذعورة وتلاحقها شتائم عدَّة، كي تتوجه بكفَّيها المرتعشتين نحو الله، التماسا لرحمته: ”ماذا! لو حدث وأنجبتُ تماما نواة شرٍّ”. لذلك، يعتبر بودلير الأول، الذي سلَّط الضوء على مكمن اشمئزاز أمومي نتيجة ولادة الشاعر، القصيدة: العالم مضجر وكذا أمّ الشاعر، أمّ بودلير. هناك أمر يثير الاهتمام، مادام ميشيل ويلبيك، الذي كتب روايات مهمة، يتألم حقا بسب عجزه عن بلوغ القصيدة. فهل تجسِّد الأمهات إذن رابطة سرِّية معينة قصد الحيلولة دون تبلور القصيدة؟ هذا يؤكد حسب بودلير، ضرورة البقاء وسط عالم مضجر. بيد أنَّ مالارميه مثلا، سيعكس الإشكالية:

أخيرا، وقد غيَّر الخلود الشاعرَ، سيخلق بحسامٍ عارٍ، حقبته الرهيبة (2).

هذا لايستقيم. لماذا سيكون العصر مرعبا؟ هل أنا بصدد إضفاء خاصية الرعب على العصر؟ أبدا. في المقابل، هذا الإشكال المتعلق بوصل الأمِّ بالفزع، ستلاحظين توظيفا لنفس الكلمة، فماذا يعني هذا؟ مامعنى إثارة فزع أمِّه؟ لقد كتب بودلير في إحدى مقدمات مشاريع مجموعته الشعرية ”أزهار الشر”: “اكتسب هذا العالم كثافة  ابتذال يتيح إلى احتقار الإنسان الروحي عنف شغف، لكن توجد قوقعات سعيدة لايلجها الشغف قط. أمتلك إحدى هذه الخاصيات المبهجة التي تستخلص متعة للكراهية وتتباهى ضمن إطار الاحتقار. ذوقي المتحمِّس شيطانيا نحو الحماقة، يجعلني أكتشف مُتعا خاصة ضمن أقنعة الافتراء”. هل سينجز مقدمة لديوان أزهار الشر؟ أبدا، نتيجة تعرضه للإدانة والنصوص التي شكلت موضوعا لذلك لم تصدر سوى 1949 . إنها مثل رواية ”الصلات الخطيرة” لبيير فرانسوا لاكلو وكذا ”يوليس” لجيمس جويس، التي أفضت إلى محاكمة مشهورة في الولايات المتحدة الأمريكية. فمن بوسعه اليوم إثارة دوافع محاكمة من هذا القبيل؟ لاشخص. لقد خسروا القضية: ”مادام البعض يدرك أو يخمِّن، بينما طرف آخر فلن يستوعب قط”(3). إنه فعلا بودلير! لقد طرحتُ عائقا.

ناتالي كروم: تبدأ الرواية بسؤال الجسد.يمتثل الجسد إلى زمن بيولوجي، متسلسل تاريخيا، وكذا مسار المصير، مثلما يرسم أيضا حيز تجربة العبور وكذا السفر في خضم كثافة الزمان.

فيليب سوليرز: واضح جدا. تنطلق الرواية عندما يتوجه الجسد إلى الرَّاوي، مما أثار  شيئا من دهشة الأخير لأنَّ جسده قد خاطبه فجأة.لقد رغبت دائما في عنوان لـ”روني كروفيل”، الذي انتحر سنة 1935 حينما لاتسير الأمور بين السورياليين والوهم الشيوعي: “جسدي وأنا”. عنوان مذهل. يمتلك الجسد أشياء يفكر فيها أو يقولها غير منتمية  بالضرورة إلى ذوق ساكنه، لكن أيُّهما يسكن الثاني؟ أعلم سبب انزعاج عدد معين من النقاد، لاسيما النساء. يقبع هذا السارد عند سطح في روما، مصغيا باهتمام إلى البابا الذي يتحدث عن البعث، لأنه ببساطة فقد بُعث المسيح. لذلك، أبان عن تأهُّب بهدف خوض سجال ساخن لأنه يلزمه التعبير عن فضول بخصوص إشكالية البعث: “هل تؤمنون بانبعاث الأجساد؟ آه، لا! ألاتشعرون باستحقاق من هذا القبيل، وأنا بدوري لا.هل تشعرون بالانبعاث عبر جسدكم؟ آه، ليس كذلك! سننتقل إلى تفكيك أكثر زخما يسكننا سلفا. إنكم لاترغبون في الانبعاث؟” ثم يتجلى السؤال! غير أني، لا أطرحه حقا مادمت أواصل بناء على الكامن خلف هذا، بمعنى العرفانية”. إذن، أسلِّط الضوء على الإنجيل بحسب فيليب: “سعيد للغاية من يوجد قبل أن يتحدَّد ماضيا، مادام وجوده في الحاضر يضمر الماضي والمستقبل”. لا أقول بأنه يلزم انتظار الموت بورع قصد التطلّع، أبعد مايكون، نحو الانبعاث في يوم من الأيام؛ لكن الإشكال يطرح إن أبديتُ اهتماما لما يقوله جسدي وقد اتَّضح له بأني لست على مايرام  نحوه كفاية، صحيح، إنَّه محقّ لذلك واجهني بمؤاخذات. لكن، في نفس الآن، يختبر الجسد حالة انبعاث راهنة، فورية، تخلق ارتباكا عميقا، مثلما أوضحته نصوص دُفنت بداية حقبتنا بين ثنايا مكان ما في مصر. مامعنى البعث فوريا؟ الغنوصية عند الإغريق تعني”معرفة”. قراءة مقطع من رواية ”مسافرو الزمان”: “أنا صوت يرنُّ بهدوء، يسكن الصمت منذ البداية”. نستعيد في خضم هذا السياق تلك العهود الأولى لما اعتدنا على تسميته بعصرنا، حينما عثر بدويون صدفة على تلك المسودَّات في مصر سنة. 1945 إذن، هذا النص بمثابة رواية صوتية، عكس توجُّه الرواية التسويقية، حيث نشاهد فيلما تتوالى صوره: ماكتبتُه مهيَّأ للسَّمع. أكتب من أجل الموسيقى والصوت، وليس لمجال السينما. ينزع أغلب الكتَّاب بجنون نحو بلورة ممكنات صناعة أفلام، كما الشأن مع آلان روب غرييه، ميشيل ويلبيك. حتما بدون جدوى! ماداموا لا يثقون في كتاباتهم: يخسرون مبالغ مالية معتبرة، لا تخرج الأفلام إلى دور العرض، إنها بدون قيمة؛ مما يعني عدم تموقعهم بهدف الإصغاء حيث يلزمهم أن يكونوا، تحديدا داخل القصيدة: ”إذا أجبت،هذا مالم تراه العين، ولم تسمعه الأذن، أو تلمسه اليد، ثم لم يرتق صوب الفؤاد الإنساني”. بهذا الصدد، يلزم الرجوع إلى هنري شارل بيش(4). عبقري لن تصادف اسمه ضمن لائحة المعجم، كتب عملين أساسين لدى غاليمار حول الغنوصية، وكذا الغنوصية والزمان، ثم كتاب آخر رائع تطرق إلى فلسفة المانوية. أطروحة بيش بسيطة للغاية وروائية بكيفية مدهشة: “ليست الغنوصية مجرَّد وعي تتناوله الأنا في ذاته، لكنه تحوُّل جذري للأنا عبر هذا الوعي”. بلغة أخرى، هناك قراءة عرفانية: إذا قرأتُ بكثير من التركيز كي أغدو ما أقرأه، فأنا ضمن نطاق ثورة باطنية. هذا ما ترويه رواية ”مسافرو الزمان”.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

سعيد بوخليط

كاتب ومترجم مغربي