هل النظام الرسمي العربي عاجزٌ فعلا عن وقف الحرب على قطاع غزة؟

هل النظام الرسمي العربي عاجزٌ فعلا عن وقف الحرب على قطاع غزة؟

عبد السلام بنعيسي

      عقد وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أنتوني بلينكن في الأيام السابقة، عدَّة لقاءات بنظرائه، وزراء خارجية بعض الدول العربية، وتناسلت اللقاءات التي يجتمع فيها رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي، مع نظيره العاهل الأردني عبد الله الثاني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكانت قد أُنشئت لجنةٌ منبثقة عن أشغال مؤتمر القمة العربي الإسلامي الأخير المنعقد في الرياض، وقامت بزيارات لعواصم بعض الدول الكبرى والنافذة، وأجرت لقاءات بمسؤوليها.

ويُقال للجمهور العربي في الإعلام، إن الهدف من هذه التحركات واللقاءات، هو تدارك الأوضاع المأساوية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، جراء حرب الإبادة المشنة عليه من طرف الكيان الصهيوني، والعمل من أجل وقف إطلاق النار، والتسريع بتقديم الغذاء، والدواء، والإغاثة للفلسطينيين، كمرحلة أولى…

غير أننا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، فلحد الساعة، لم تسفر كافة الأنشطة والتحركات العربية ذات الصلة بالحرب الهمجية على الشعب الفلسطيني عن أي نتيجة. فالقصف التدميري الشامل للقطاع لا يزال على حاله، والقتل العشوائي، والاعتقال التعسُّفي للفلسطينيين، والزج بهم في السجون، ماضٍ في سبيله كالمعتاد، دون مبالاة من دولة الاحتلال، بما تبادر إليه الدول العربية من تحركات، وما يتَّخذُه مسؤولوها من قرارات، وما يدلون به من تصريحات. فما معنى كل هذا الذي يحصل أمام أنظارنا؟ وهل وصل العجز العربي فعلا إلى هذا المستوى من الحضيض؟

إذا اتفقنا على أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقف خلف حرب الإبادة المشنة، إسرائيليا، على الشعب الفلسطيني، أليس بإمكان النظام الرسمي العربي اتخاذ إجراءات فعالة ضد واشنطن تُجبرها على إلزام صنيعتها ودميتها إسرائيل بوقف الحرب؟ تعرف أمريكا أن لديها مصالح استراتيجية ضخمة ولا تقدر بثمن في العالم العربي، وتدرك أنها لا يمكنها تعويض تلك المصالح إن ضاعت منها، وأنها في تنافس محموم مع روسيا والصين حول السيطرة على هذه المنطقة، فهل، لو لوحت الدول العربية، مجرد التلويح، للإدارة الأمريكية بأن مصالحها الضخمة الموجودة في المنطقة العربية ستُضرب، بطرقٍ سلمية، إن لم تتوقف الحرب في غزة، ألا تكون واشنطن مضطرة لإعطاء أوامرها لتل أبيب، بالوقف الفوري لهذه الحرب الهمجية التي عزَّ نظيرها في التاريخ؟؟

لقد اتخذت الدول العربية سابقا قرارات عدة، وتمكنت من إبرازها إلى حيز الوجود، وتطبيقها في الأرض تطبيقا حاسما وفعالا، فالجامعة العربية هي التي أصدرت سنة 1990 بالقاهرة قرار الاستعانة بالقوات الأجنبية وعلى رأسها، القوات الأمريكية والبريطانية، لإخراج الجيش العراقي من الكويت، ولقد كانت الدول العربية فاعلة في تنفيذ هذا القرار، من خلال مساهمتها بجيوشها، إلى جانب الأمريكان في هذه الحرب، وكانت أراضي العديد من الدول العربية المجاورة للعراق، منطلقا سنة 2003، لغزوه، واحتلاله، وتدميره..

 ودول الجامعة العربية هي التي أعطت الضوء الأخضر للناتو لتدمير الدولة الليبية وتفتيتها وتشريد شعبها في المهاجر، وشاركت قوات دولٍ عربية في الحرب ضد شقيقتها الدولة الليبية. كما أن الطرد الذي طال سوريا من الجامعة العربية، شكّل مقدمة لشنِّ الحرب الكونية على الشعب السوري، وتدمير مؤسساته، وصدرت الفتاوى الدينية التي تبيح، وتحلِّلُ القتال ضد الجيش العربي السوري، واشتعل التحريض الإعلامي، ووصل أعلى درجاته، ضد الدولة السورية، ولعب دورا رئيسيا في تأجيج الصراع في هذا البلد، وفي تحطيم جميع مؤسساته ومنشآته، وتخريبها بالكامل. وسبق لمقاتلين عرب كثر، أن شاركوا في الحرب في أفغانستان، ضد القوات السوفياتية، وفي مواقع للصراع في جهات عدة من العالم، وكانت مشاركاتهم تتم تحت رعاية أجهزة مخابرات دولهم وبمباركتها.

فالدول العربية قادرةٌ فعلا على الوصول إلى أي بؤرة توتر في العالم، وقادرة على الفعل والتأثير في مجريات القتال الدائرة فيها، إنها تمتلك المال والسلاح والمستعدين للتطوع للقتال في أي جهة يُرسلون إليها. لقد شاهدنا أموالا طائلة تهدر على الحروب في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، وعاينا مقاتلين يُشحنون بالآلاف إلى هذه الدول من بلدانٍ عربية عدة ليَقتلوا ويموتوا فيها، وكانت الجرأة العربية حاضرة في القتل والتهجير بهذه الدول، ففي العراق قُتل حوالي مليوني عراقي، وفي سوريا سقط أكثر من نصف مليون من الضحايا السوريين، وتمَّ تهجير نصف الشعب السوري خارج بلده، وحدث ذلك، بالمال والسلاح العربيين، وجرى نفس الشيء في ليبيا واليمن، لكن عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الشعب الفلسطيني، فإن الجرأة العربية تغيب، ويُحجبُ معها المال والسلاح والدعم، ويحضر بدلا عنهما، التلكؤ واختلاق الأعذار والتبريرات.

إن تبرُّم الدول العربية عن تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني في غزة، ليس ناجما عن افتقارٍ للوسائل والإمكانيات، وإنما نحن إزاء سياسة عربية رسمية، مُطبقة عن إرادة وسبق إصرار. ويمكن المجازفة بالقول إن التدمير الذي يطال حاليا قطاع غزة، هو تتويجٌ للتدمير الذي طال من قبله، العراق، وليبيا، وسوريا، واليمن، ولبنان في المرفأ. فهذا الغصن من تلك الشجرة.

لقد بات واضحا أن النظام الرسمي العربي يريد التخلص، كيفما اتُّفق، من قضية الشعب الفلسطيني والصداع الذي تنتجه، إنه منهمكٌ ومهووسٌ بالعمل من أجل إقامة المدن الزجاجية، والمشاريع الاستهلاكية العملاقة، تحت إشراف الدولة العبرية وبتعاون معها، ويُشكِّلُ الوجود الفلسطيني عائقا يحول دون تحقيق هذه الرغبة الجامحة في التعاون العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني، التعاون الذي يفضي، في النهاية، للتفرغ، لفرض الحكم، المستبد والقاهر، على الشعوب العربية، تحت الحماية الأمريكية.  

المشكل المطروح حاليا، بالنسبة للنظام الرسمي العربي، هو موضوع تهجير الشعب الفلسطيني، كيف، وإلى أين يتم التهجير؟ القاهرة وعمان تتحسسان من هذا المشكل، وهو يؤرقهما، لأنهما لم تجدا، بعد، حلا له، بالإضافة إلى صمود المقاومة الفلسطينية في قتالها للعدو الصهيوني، ومعها شعبها المتمسك بالبقاء في أرضه، مهما كانت الأثمان والتضحيات، مدعوما بمحور المقاومة ممثلا في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وإيران، وهي للمفارقة، الدول التي ساهم النظام الرسمي العربي، مساهمة كبيرة، في تدميرها، وتفتيتها، وخلَق لها، أزمات سياسية واقتصادية مستحكمة ومستعصية الحلِّ..

باستثناء عائق التهجير، لا مانع لدى النظام الرسمي العربي في تصفية القضية الفلسطينية والارتياح منها، ولذلك نجد أنه يحرص على إبداء العجز عن نصرتها، بهدف إخفاء تواطئه ورغبته في إنهائها والتخلص منها…

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد السلام بنعيسي

صحافي وكاتب مغربي