ثلاث قصص قصيرة

ثلاث قصص قصيرة

حسن البقالي

1- كبيت له بابان*

     في لحظة لم أخترها وجدتني مدفوعا إلى اجتياز الباب الأولى. كانت الأشياء مغلفة بحمرة خفيفة وكان لزاما علي أن أمشي. عشب يغطي الممشى وأشجار سدر وحجارة ومشيت.. على الجنبات وبين الجوانح ألعاب ومغريات ووجوه باسمة تؤنس خطوي وذئاب كثيرة وألم..

أشياء خبرتها على امتداد الممشى وأخرى لم تكن في المتناول، وكانت اللهفة التي لم تبرح عيني أبدا، اللهفة إلى المزيد من التسالي والمتع حتى انبرت قدامي باب أخرى: بوابة عالية ورهيبة كأنها جبل من الدخان، ثم كأني سمعت صوت نحيب يتفجر من المسام ووجدتني أقول لنفسي قبل أن تحتل غيمة كثيفة دماغي: هل كنت أحلم فقط؟ أحلم بدوام الممشى وبالمشي؟ ثم دفعت إلى اجتياز البوابة،وكان الصمت سيد العالم.

________________________

* يحكى أن نوحا لما أتاه ملك الموت قال: يا نوح يا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر ويا مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا؟ قال: مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الثاني.

 

2- أمنية

     … لكن من أين له بتلك الفكرة الغريبة التي باتت تلح عليه، تجعل من حياته رحلة باتجاه السقوط؟

هو شخص سوي

أو هذا ما ظل يعتقده حتى الآن

لماذا – إذن- صار مهووسا بأسماء القتلة المتسلسلين، يتتبع أخبارهم ويمني النفس بأن يصادف أحدهم في مكان قصي، يحييه بما يستحق من تبجيل ويلتمس منه:

– أمتني ميتة شنيعة، رجاء، وغذّ بي قائمة ضحاياك

 

3- مداهمة

    “سيكفيكهم الله وهو السميع العليم”

أن تغلق عليك بيتك، بين يديك المصحف وفي الصدر كلمات الله رجراجة مثل مياه بحر  ضاج بالحيوات والأصوات والأزمنة

أن تسمع صليل السيوف بالخارج، جيشان الصدور ونداءات الثأر التي لا راد لها غير إراقة الدم

أن ترى الجنة مثل فاكهة مشتهاة موعودة، وتوقن أكثر من أي وقت مضى بأنها ” مثل جناح بعوضة هذه الدنيا.. أو أحط”، حتى إنك لا تأبه بما يحصل من اقتحام للبيت وهرولة إليك بأعين تقدح الشرر وأذرع عطشى إلى الدم

أن تبتسم لأول من طالك بسيفه، تبتسم للدم الذي نز، والقطرات التي سالت على المصحف تنير آية ” سيكفيكهم الله” بالأحمر المضئ، وتغمض عينيك كما لو أنك ترتب لساعة قيلولة

أن يحصل ذلك

يعني أن اسمك عثمان

وأنك ثالث أربعة كانوا هنا.. في الزمن المبشر بثواب الآخرة.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسن البقالي

كاتب مغربي