لبنان: إشكالية تطبيق المادة 49 من الدستور وتأمين النصاب

لبنان: إشكالية تطبيق المادة 49 من الدستور وتأمين النصاب

د. وفيق ريحان

     نصت الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور اللبناني على ما يلي: “ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات…الخ”

   إن مضمون هذه الفقرة من المادة 49 الآنفة الذكر، واضح جداً لجهة عمليات الاقتراع في الدورات المتتالية، على أن يتم انتخاب الرئيس في الدورة الأولى بغالبية الثلثين من أعضاء المجلس الذي يتألف منه قانوناً، وبالغالبية المطلقة في الدورات التي تليها، إلا أن الغموض يكمن في مسألة تأمين النصاب القانوني المطلوب لسلامة العمليات الانتخابية، ومن الواضح أن نصاب الجلسة الأولى للاقتراع لا يقل عن ثلثي أعضاء المجلس الأساسيين بصورة منطقية وإلا يتعذر انتخاب الرئيس بغالبية الثلثين في الدورة الأولى، وتأسيساً على ذلك، جرى العرف منذ عشرات السنين على اعتماد ذات القاعدة المتعلقة بالنصاب في جلسات الإنتخاب التي تلي الجلسة الأولى، انطلاقاً من مبدء التوازن العادل فيما خص التئام النصاب بصورة شرعية في جميع الجلسات الانتخابية، إذ ليس منطقياً أن يكون النصاب القانوني متمثلاً بنسبة لا تقل عن ثلثي أعضاء المجلس في جلسة الانتخاب الأولى، وأن لا تتساوى هذه القاعدة أو المعادلة بنصاب الجلسات التالية، كما أكد ذلك المرجع الدستوري في لبنان البروفيسور “أدمون رباط” وفقهاء دستوريون آخرون، كالدكتور حسن الرفاعي والرئيس حسين الحسيني وسواهما من أعلام الفقه الدستوري في لبنان، وإن للأعراف المستدامة والمتمادية في التطبيق القيمة الدستورية المماثلة للنص الدستوري.

   وتجدر الإشارة هنا إلى الأهمية البالغة بالنسبة لانتخاب موقع الرئاسة الأولى للبلاد، فلا يعقل أن يتم إنتخابه بأغلبية ضئيلة نظراً لما لهذه العملية من انعكاسات سلبية على هيبة وقوة الرئاسة العليا للوطن، وثقة العالم الخارجي به وبقوة تمثيله للشعب اللبناني، وحيث يكون من مصلحة لبنان أن يتم الانتخاب بنسبة عالية من الأصوات وبما يتجاوز نسبة الثلثين من أجل إضفاء صفة الشرعية الشاملة لموقع الرئاسة الأولى نظراً لتنوع وتعدد التشكيلات الطائفية والسياسية والاجتماعية في الوطن، ومن أجل تحصين هذا الموقع بمروحة  واسعة من الالتفاف الشعبي  والسياسي حوله، باِعتباره رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ورئيس المجلس الأعلى للدفاع، والقائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء.

   ولما كانت المواد (76 و77و 78و 79) من الدستور اللبناني، قد أجازت لمجلس النواب إعادة النظر في الدستور، بناء على إقتراح رئيس الجمهورية، وبعد موافقة مجلس الوزراء، وإرسال مشروع قانون التعديل الى مجلس النواب لإعادة النظر به وإدخال التعديلات اللازمة، أو أن تتم الدعوة لإعادة النظر ببعض مواده بناء على طلب مجلس النواب من خلال اقتراح مشروع التعديل على المجلس النيابي خلال عقد عادي وبناء لإاتراح يقدم من عشرة نواب على الأقل، وبعد موافقة ما لا يقل عن ثلثي مجموع أعضاء المجلس النيابي الأساسي، ومن ثم إرسال إقتراح التعديل إلى مجلس الوزراء للموافقة عليه بأكثرية الثلثين أيضاً، وإعادته بعد ذلك إلى مجلس النواب خلال أربعة أشهر على الأكثر، أما في حال عدم الموافقة، وإصرار مجلس النواب عليه بأكثرية ثلاثة أرباع المجلس، فلرئيس الجمهورية عندها إما إجابة طلب المجلس، أو الطلب من مجلس الوزراء حل مجلس النواب وإجراء إنتخابات جديدة خلال ثلاثة أشهر. أما إذا أصر المجلس الجديد المنتخب على وجوب التعديل، وجب على الحكومة الانصياع وطرح مشروع التعديل خلال أربعة أشهر (المادة 77)، وعلى مجلس النواب أن يثابر على مناقشته حتى التصويت عليه قبل أي عمل آخر  (المادة 78). ولقد نصت المادة 79 من الدستور على نصاب جلسة التصويت على التعديل المقترح بنسبة ثلثي أعضاء المجلس الذي يتألف منه قانوناً، وأن يتم الانتخاب بالغالبية ذاتها، أي غالبية الثلثين.                                                   

     إن هذه المواد الدستورية وبالرغم من التعقيدات التي تتضمنها، إلا أنها تعتبر الوسيلة الدستورية الوحيدة التي يمكن من خلالها تصويب النصوص الدستورية عن طريق طلب إعادة النظر بها، وحيث ينبغي إجلاء الغموض الذي يكتنف نص المادة 49 من الدستور، من خلال اقتراح تعديلها لجهة اعتماد نصاب الثلثين بصورة دائمة في دورات الاقتراع المتتالية لانتخاب رئيس الجمهورية، وحيث كان ينبغي القيام بهذه العملية خلال العهود السابقة منعاً لأي إلتباس، غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في عملية الالتفاف على نص المادة 49 من الدستور وعدم احترام المهل الدستورية والبحث عن الثغرات التي يمكن من خلالها تعطيل النصاب وجلسات المجلس بدلاً من الإصرار من قبل النواب على إنجاز هذا الاستحقاق بالسرعة اللازمة التي أكدتها مواد الدستور اللبناني منعاً للوقوع بالفراغ المميت، وحيث ينبغي وضع الضوابط الدستورية التي تلزم أعضاء المجلس بعدم التغيب عن حضور جلسات الانتخاب إلا لأسباب قاهرة وشرعية كالمرض أو السفر أو الوفاة، بدلاً من استثمار التعطيل في شل اللعبة الديمقراطية وإغراق البلاد في وحول الفراغ وإثارة السلبية على الدولة والمجتمع.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. وفيق ريحان

أستاذ جامعي